نظم نشطاء إماراتيون ومعتقلون سابقون لدى النظام الإماراتي ندوة في واشنطن العاصمة في وقت سابق من الأسبوع الجاري حول القمع العابر للحدود الذي تمارسه السلطات الإماراتية ضد معارضيها، سواء من المواطنين أو الأجانب، وكثير منهم من المقيمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تخاذل ضمني من الإدارة الأمريكية لحمايتهم بسبب نفود الإمارات داخل مؤسسات الإدارة.

القمع العابر للحدود الوطنية هو نوع من القمع السياسي تمارسه دولة ما على أرض أجنبية بما في ذلك المضايقات والاختطاف والاغتيالات في بعض الأحيان، لكن كالعادة كانت هناك معايير مزدوجة في التعامل مع هذا النوع من القمع داخل الولايات المتحدة، إذ يختلف اهتمام الإدارة الأمريكية باختلاف الدولة التي تمارس هذا القمع، إن كانت روسيا أو الصين فإن الولايات المتحدة تتخذ اللازم لردع هذه الممارسات، أما حين يتعلق الأمر بحليفتها الإمارات، كانت اللامبالاة هي سيدة الموقف.

في ندوة أمام لجنة في نادي الصحافة الوطني في واشنطن يوم الثلاثاء، تحدث مجموعة من الخبراء، بما في ذلك أولئك الذين كانوا محتجزين سابقًا في الإمارات العربية المتحدة وأولئك الذين تحتجز عائلاتهم حاليًا هناك، عن دور أبو ظبي المستمر والمتزايد في القمع العابر للحدود الوطنية داخل الولايات المتحدة.

في كلمتها، قالت جنان المرزوقي، الناشطة الإماراتية ونجلة المعارض المعتقل عبد السلام المرزوقي “على الرغم من الانتهاكات الموثقة جيدًا، ما زلنا نشهد صمتًا تامًا، فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة، من الديمقراطيات الليبرالية، مثل الولايات المتحدة التي تضع نفسها كقائد عالمي في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون”.

وتابعت “إن التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام الإماراتي، داخل وخارج البلاد، وتجاهلها يقوض هذه القيم ويضعف مصداقية الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة على الساحة الدولية”.

وأضافت المرزوقي أن استخدام القمع العابر للحدود الوطنية، من بين أساليب المراقبة وقمع المعارضة الأخرى التي تستخدمها الحكومة الإماراتية، “غالبًا ما لا يتم الاعتراف به أو تناوله بشكل كامل في الحوارات الدبلوماسية والاستراتيجية التي تجريها واشنطن مع أبو ظبي.”

في السنوات الأخيرة، أصبحت قضية القمع العابر للحدود الوطنية مصدر قلق متزايد في الولايات المتحدة، حيث سلط المشرعون والإدارة الحالية وجماعات حقوق الإنسان الضوء على هذه الظاهرة.

وفي يناير/كانون الثاني، عقدت لجنة فرعية للأمن الداخلي في الكونغرس جلسة استماع بشأن هذه القضية، وفي أبريل/نيسان، قدم العديد من أعضاء الكونغرس مشروع قانون لمعالجة القمع العابر للحدود الوطنية، ومن شأن مشروع القانون هذا، إذا تم إقراره وأصبح قانونًا، أن ينشئ مكتبًا داخل وزارة الأمن الداخلي مخصصًا فقط لهذا النوع من القمع.

خلال العام الماضي، أصدرت العديد من مجموعات حقوق الإنسان الرائدة أيضًا تقارير حول القمع العابر للحدود الوطنية.

كانت مبادرة الحرية، التي أصبحت الآن “مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط”، واحدة من أولى المجموعات التي سلطت الضوء على قضية القمع العابر للحدود الوطنية في الشرق الأوسط، وأصدرت تقارير متعددة ركزت على حملة القمع التي تشنها المملكة العربية السعودية ومصر على المعارضين في الولايات المتحدة.

بالنسبة لماثيو هيدجز، الأكاديمي البريطاني الذي تم احتجازه سابقًا في الإمارات العربية المتحدة لمدة سبعة أشهر، أصبح الدور الذي تلعبه الإمارات في مهاجمة وترهيب المعارضين والمنتقدين في الخارج جزءًا أساسيًا من عمله.

وقال هيدجز خلال الندوة: “عندما كنت أقوم بإجراء بحث ميداني، اختطفتني أجهزة أمن الدولة الإماراتية… احتجزت لمدة سبعة أشهر. كنت في الحبس الانفرادي، وتم تهديدي بالتسليم إلى قواعد في اليمن أو إريتريا… كنت شاهدًا على كل ما يحدث داخل هذه السجون من تعذيب وإساءة معاملة”.

ثقافة الخوف” داخل الإمارات

وقالت جنان المرزوقي إن السبب الآخر وراء الاهتمام المحدود بمعاملة النظام الإماراتي لنشطاء حقوق الإنسان والأصوات المعارضة هو أن حملة القمع التي شنتها على مر السنين كانت شديدة للغاية، وقد خلقت مناخاً من الخوف يمنع الأفراد من التحدث عن السياسة بشكل عام.

وتابعت المرزوقي: “نجحت السلطات في الحد من الدفاع عن حقوق الإنسان داخل حدودها، لأنها زرعت ثقافة الخوف داخل الجميع… لذا فإن هذا المناخ الذي خلقته نجح في إسكات الجميع في البلاد… هناك عدد قليل منا في الخارج قادرون على التحدث والدفاع عما يحدث.”

وذكرت المرزوقي أن أفراد عائلتها الذين يعيشون في الإمارات العربية المتحدة بدأوا ينأون بأنفسهم عنها ولا يتواصلون معها بسبب الخوف من معاقبتهم بسبب تحدثها علناً.

بالإضافة إلى النشطاء السياسيين، تم سجن عدد كبير من المواطنين بسبب الدردشة الخاصة مع الأصدقاء حول السياسة والشؤون العالمية، وذكرت المرزوقي أن هناك قضية حُكم فيها على مواطنين أردنيين بالسجن لمدة 10 سنوات بسبب التحدث عن حرب اليمن في مجموعة خاصة على تطبيق واتساب.

يحدث كل هذا في ظل تواجد نفوذ كبير للنظام الإماراتي داخل الولايات المتحدة عبر مجموعات ضغط قوية، وقد أوضح تقرير عام 2022 صادر عن معهد كوينسي أن العملاء الإماراتيين أنفقوا 64.5 مليون دولار على عقود الضغط، كما تلقى العديد من أعضاء الكونغرس تبرعات كبيرة من جماعات الضغط المؤيدة للإمارات.

وأشار التقرير إلى أن العديد من مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية البارزة تلقت أيضًا ملايين الدولارات على شكل “تبرعات قانونية من دولة الإمارات العربية المتحدة”.

في كلمته خلال الندوة، قال المحامي البريطاني ريس ديفيز “هناك تصور… أن الإمارات مكان للمرح والرمال والبحر ومكان رائع للذهاب إليه وممارسة الأعمال التجارية وكسب المال…لكن الحقيقة مختلفة تمامًا”.

وقال ريس إن جزءًا من عمله وعمل الآخرين، مثل المرزوقي، هو “إثارة هذه القضايا ولفت أنظار الحكومات إليها ردود أفعال الحكومات تجاه ما يحدث وهل سيتخذون موقفًا من الأنظمة الاستبدادية أم سيستمرون في التغاضي عن انتهاكاتهم مقابل المال”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا