العدسة – إبراهيم سمعان

في مواجهة المجزرة الدائرة في الغوطة الشرقية، مازال المجتمع الدولي يحاول كسر الجمود تجاه هذه المأساة، مع استمرار طائرات النظام السوري في قصف آخر جيوب للمعارضة شرق العاصمة دمشق، ما أدى إلى سقوط 464 قتيلاً، وإصابة أكثر من 2100 آخرين.

صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية سلطت الضوء على أكبر مأساة وأعنف كارثة يتعرض لها المواطنون في الغوطة الشرقية والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها “جحيم على الأرض”.

وتحت عنوان “نحن نعيش في مقبرة للأحياء” نشرت “ليبراسيون” شهادة مواطنة لسكان الغوطة، وهي أم في الـ 28 من العمر تدعى غفران، اختصرت بكلماتها هذه الوضع بالمدينة.

وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ عام 2013، تخضع الغوطة الشرقية للحصار، وهي منطقة تقع شمال شرق دمشق، ورغم ذلك تتعرض لقصف مكثف منذ أسبوع من قبل النظام وحلفائه.

وعلى الرغم من عزلتهم، يتمكن المواطنون من وصف محنتهم، وذلك بواسطة هواتفهم النقالة، والوصول إلى الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.

ووصفت غفران الوضع قائلة: “قبرنا ينقسم إلى عدة مقصورات ترابية صغيرة، كل واحدة تأوي مجموعة من الموتى الأحياء، اضطر الأطفال إلى التخلي عن لعبهم، ودمياتهم ومدارسهم والبقاء مع والديهم في زاوية واحدة أو غيرها من القبر المظلم، لكن ذلك لم يفقدهم القدرة على اللعب، حتى لو كانوا يتقاسمون المكان مع الجرحى، أو امرأة تلد، أو بكاء طفل جديد عقب الولادة”.

وأضافت: “حيطان ملجئنا ترتج جراء حدة القصف، ونتساءل هل باتت النهاية قريبة؟ ما الذي جنيناه كي نموت في هذا المكان الذي يشبه الجحيم؟”.

وأكدت غفران أنه “بين الجدران الرطبة وغير الصحية لهذه الأقبية، لا نملك العناصر الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وأجد نفسي عالقة هنا في سباق مع الضوء الخافت لمصباح على وشك أن ينطفئ قبل أن أنتهي من الكتابة”.

وتبين “ليبراسون” أن النظام يدعي أنه يستهدف الجماعات المسلحة، لكن في الحقيقة يستهدف المدنيين فقط! وأمام المقبرة الجماعية، لا يزال المجتمع الدولي عاجزًا عن فعل أي شيء.

وهذه أعنف حملة قصف جوية تشهدها المنطقة التي يتواجد فيها نحو 400 ألف مدني، منذ بدء النزاع في سوريا قبل سبع سنوات.

وكانت الأمم المتحدة دعت إلى وقف فوري للقتال، ووصف الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريس، الوضع فيها بأنه “جحيم على الأرض”.

وقال “جوتيريس” أمام مجلس الأمن الدولي: “أوجه نداء إلى كل الأطراف المعنية من أجل تعليق فوري لكل الأعمال الحربية في الغوطة الشرقية لإفساح المجال أمام وصول المساعدة الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها”.

ووفقا للخبير في شؤون الشرق الأوسط مايكل يانسن، خضعت الغوطة الشرقية لسيطرة المقاتلين المعارضين عام 2013، وهي الآن الملاذ الأخير لمقاتلي “فيلق الرحمن” بمنطقة دمشق، المدعومين من السعودية، ويسعى نظام بشار الأسد حاليا إلى “ممارسة ضغوط عسكرية” على هذه المنطقة للتخلص منهم.

وما يميز الغوطة الشرقية عن باقي أنحاء البلاد، أنها ليس لديها أسباب تجعل أي دولة توجه إليها المساعدة، فالقوى الدولية المشاركة في أجزاء أخرى من سوريا، لديها مصالح إستراتيجية قليلة من شأنها أن تدفعها إلى العمل في هذه الضاحية.

ونتيجة لذلك، لا توجد عوامل مساومة لنشر قوات برية أو التوصل إلى اتفاق وراء الكواليس، وهي مبادرات ساعدت على الحد من العنف في أماكن أخرى من البلاد.

ويزيد التصعيد العسكري على الغوطة الشرقية من معاناة المدنيين والكوادر الطبية التي يتوافد إليها يوميا مئات الجرحى، كما لم تسلم المستشفيات من القصف، ما أدى إلى خروج أغلبها عن الخدمة، ما جعل  “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” تطالب بالسماح لها بدخول المنطقة لعلاج المصابين.