العدسة – جلال إدريس

مع قرب انتهاء الفترة الأولى للجنرال عبدالفتاح السيسي في مصر، تتوجه الأنظار إلى علاقة “القاهرة” بدول العالم، والتي تختلف من دولة لأخرى بحسب المصالح السياسية والاقتصادية التي تربط مصر بدول العالم.

لكن دولة “صغيرة الحجم” أصبحت خلال الفترة الأولى من حكم عبدالفتاح السيسي، هي المتحكم في مقدرات مصر، بل يمكن أن نقول هي الآمر الناهي في البلاد، حتى أصبح اسم مصر مقرونا خارجيا باسم تلك الدولة، كما أن المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي المصري، بات مقرونا باسم تلك الدولة.

“الإمارات العربية المتحدة” هي تلك الدولة صغيرة الحجم على خريطة العالم، والتي لا تزيد مساحتها على 84 ألف كيلو متر مربع، وعدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة، باتت تتحكم في دولة بحجم مصر، يبلغ عدد سكانها أكثر من90 مليون مواطن، ومساحتها تزيد عن المليون كيلو متر مربع.

الفارق بين “الإمارات ومصر” ليس في عدد السكان ولا في المساحة الإجمالية فقط، لكن الفارق بينهما كبير، حتى في تاريخ تأسيس كلا الدولتين، فمصر الدولة القديمة الضاربة في عمق التاريخ، حيث تعود حضارتها لأكثر من 7 آلاف عام، بينما الإمارات تلك الدولة الوليد التي لا يزيد عمر تأسيسها عن 100 عام، ومع ذلك باتت تلك الدولة المتناهية في الصغر، هي المتحكمة في تلك الدولة الكبيرة (مصر).

التحكم الإماراتي في مصر خلال عهد “السيسي” لم يعد قاصرا على التحكم في المشهد السياسي، لكن تحكم الإمارات في مصر امتد إلى السياسة والاقتصاد والثقافة والفن، والجوانب الاجتماعية، والعلاقات الخارجية، وكل شيء، باتت “أبو ظبي” تحكم وتتحكم فيه، وكأن القاهرة أصبحت إمارة ثامنة لشيوخ دولة الإمارات.

(العدسة)، ومن خلال التقرير التالي، يسلط الضوء على التحكم الإماراتي في مقدرات مصر، ويستعرض نماذج واضحة للسيطرة والهيمنة الإماراتية على قاهرة المعز، في عهد الجنرال العسكري عبدالفتاح السيسي، وذلك من خلال سلسلة تقارير؛ نبدأ أولا بتقرير خاص يستعرض (الهيمنة الإماراتية على الوضع الاقتصادي في مصر)

منح وقروض للتحكم في الاقتصاد

كانت الأداة الاقتصادية وسيلة دولة الإمارات بشكل خاص، ودول الخليج بشكل عام، للسيطرة على مقاليد الحكم في مصر، حيث قررت دولة الإمارات دعم نظام الانقلاب العسكري “اقتصاديا”، منذ اليوم الأول لانقلاب القوات المسلحة على أول رئيس مدني منتخب في مصر “محمد مرسي”.

ومنذ ذلك الحين أغدقت الإمارات العطايا والهبات والمعونات الاقتصادية على مصر، حتى تخطت حزمة المساعدات الاقتصادية لنظام السيسي، منذ الانقلاب العسكري وحتى اليوم، أكثر من 40 مليار دولار، كان للإمارات النصيب الأكبر منها.

وفي مقابل هذا السخاء المالي من أولاد زايد وأولاد راشد على “عبدالفتاح السيسي” في مصر، تمكنت الإمارات فعليًّا من كل مقدرات الأوضاع الاقتصادية في مصر، وأصبح لها اليد الطولى اقتصاديا، وأصبحت استثمارات الجيش في مصر تدار من غرفة صناعة القرار في “أبو ظبي”!.

التحول من الممول إلى الشريك

وبسبب اطلاع الإمارات على حقيقة الوضع الاقتصادي في مصر، فقد وصلت “أبو ظبي” إلى قناعة تامة بأن الوضع الاقتصادي المتدهور الذي وصلت له مصر لا يمكن علاجه فقط بالمساعدات والمنح والقروض التي سرعان ما تدخل في حسابات بنكية خاصة بالقوات المسلحة -بحسب تسريبات نشرتها قنوات مصرية مناهضة لنظام السيسي- فقد عمدت الإمارات إلى وضع خطة للسيطرة على الاقتصاد المصري، والتحول من الممول للنظام المصري إلى الشريك في الاقتصاد، بحسب وثائق تم تسريبها من مكتب محمد بن زايد وتناقلتها وسائل إعلام.

ومن هذا المنطلق، ارتفعت الاستثمارات الإماراتية في مصر بشكل كبير، وكان لها النصيب الأكبر من المكاسب الاقتصادية؛ فقد بلغ عدد الشركات الإماراتية التي تستثمر في مصر حالياً نحو 6 مليارات دولار، وبلغ عدد الشركات الإماراتية العاملة بمصر 877 شركة، مقارنةً بـ 819 عام 2016.

ولم يتوقف الاستثمار الإماراتي في مصر عند شيء معين، لكن أبو ظبي دخلت كل المجالات الاقتصادية، فالاستثمارات الإماراتية في الاقتصاد المصري انتقلت من مجال الملاحة إلى مجال الزراعة، وكذلك الصناعة، والتجارة، والعقارات والاستكشافات البترولية والسياحية والصناعات الكيماوية والغذائية والزراعية، وكل شيء، حتى اقتربت الإمارات من الاستثمار في المواطنين أنفسهم!.

وفي بداية 2015، استحوذ رجل الأعمال الإماراتي، خالد بن زايد آل نهيان، على 3.5% من أسهم شركة “بلتون”، أحد أكبر بنوك الاستثمار في مصر، وفي مجال الملاحة أعلنت الشركة القابضة للنقل البحري والبري المصرية، أنها وقعت مذكرة تفاهم مع شركة الملاحة العربية المتحدة الإماراتية لتستثمر 150 مليون دولار في مشروع محطة الحاويات الثانية بميناء شرق بورسعيد، الذي وصفته بأنه باكورة مشاريع محور قناة السويس، ليتم تسليمه للشركات الإماراتية، وغيرها من المشاريع، في المجالات المختلفة بأغلب مناطق الدولة المصرية.

وكذلك سيطرت الشركات الإماراتية على جزء كبير من قطاع الصحة الاقتصادي والاستثماري في مصر، فاستحوذت شركة “أبراج كابيتول” الإماراتية على 12 مستشفى خاصا بمصر؛ منها كليوباترا، والقاهرة التخصصي، بجانب معامل التحاليل الطبية الأهم، البرج والمختبر.

مشروعات بالأمر المباشر

وفي خطوة أخرى لتعزيز النفوذ الإماراتي في مصر، منح السيسي في أغسطس 2017، مجموعة موانئ دبي العالمية، حق تنفيذ مشروعات في منطقة قناة السويس.

ووافق “السيسي” على إسناد المشروع لـ “سلطان أحمد بن سليم” رئيس مجلس إدارة مجموعة موانئ دبي العالمية، الذي قرر إنشاء شركة تنمية رئيسية مشتركة بين المجموعة الإماراتية، والهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، التي يترأسها الفريق “مهاب مميش».

ولم تكشف الحكومة المصرية، عن حجم اتفاقيات التعاون مع المجموعة الإماراتية، وطبيعة المشروعات التي ستسند إليها، وكلفتها الاستثمارية.

وتدير مجموعة موانئ دبي العالمية، “ميناء السخنة” المصري، ضمن 78 ميناء بحريًّا وبريًّا، تتولى إدارتها في 40 دولة في مختلف أنحاء العالم، وفق تصريحات “بن سليم”.

تكتم على الحجم الحقيقي للاستثمارات

ورغم أن الأرقام المعلنة عن حجم التبادل التجاري بين مصر والإمارات تقول إن الاستثمارات تصل لنحو 6 مليارات دولار، يؤكد مراقبون أن هذا المعلن، غير أن الاستثمارات من الباطن -والتي تديرها دولة الإمارات مع الجيش المصري- تتخطى هذا الرقم بكثير.

ولا تتوفر بيانات دقيقة عن الاستثمارات الإماراتية في مصر؛ بسبب “التعتيم الإعلامي” الذي تفرضه وزارة الاستثمار على هذه الاستثمارات.

كما لم تصدر الهيئة الهندسية للقوات المسلحة -حتى الآن- أية بيانات بمجمل الاستثمارات الإماراتية في مصر، ولا الأرباح، ولا عدد الشركات، كما لا يشعر المصريون بمردود هذه المشروعات الإماراتية عليهم رغم كثرتها، ورغم مرور سنوات على انطلاق بعضها، كمشروع الإسكان.

وتدير الإمارات الاقتصاد المصري، عن طريق شركات إماراتية تعمل في مصر، أو عن طريق رجال أعمال ومستثمرين إماراتيين، كمجموعة الفطيم الإماراتية، التي تعد من أبرز المؤسسات الإماراتية العاملة في مصر، وكذلك مجموعة شركات القاسمي الإماراتية، وشركة “أرابتك” الإماراتية وغيرها.

وأواخر العام الماضي، وُقعت مذكرة تفاهم بين مجموعة شركات القاسمي الإماراتية والشركة الوطنية لاستثمارات سيناء، لإقامة مجموعة من المشروعات الاستثمارية في سيناء، وذلك بالرغم من أن الاستثمارات غير المصرية في سيناء كانت تمثل هاجسا مقلقا لدى مؤسسات الدولة وأهالي سيناء على السواء لسنوات طويلة، وكانت توضع له شروط صعبة تتعلق بملكية المؤسسات لأراضي مشروعاتها، غير أن النفوذ الإماراتي على الاقتصادي المصري جعل مجموعة القاسمي الإماراتية تحصل على تسهيلات كبرى لإقامة المشاريع.

حماية الاستثمار الإماراتي بالقانون

واستكمالا للسيطرة والتوغل الإماراتي في اقتصاد مصر، نشرت الجريدة الرسمية في مصر، في أكتوبر الماضي، نص اتفاقية مصر والإمارات، والتي تعطي “أبوظبي” حزمة من الامتيازات الاقتصادية غير المسبوقة في تاريخ مصر، مقارنة بالدول الأخرى، فضلاً عما تحمله من ضمانات لحماية المصالح الإماراتية من الملاحقات القضائية، داخليًّا كان أو خارجيًّا.

العديد من القنابل الموقوتة، تحملها تلك المذكرة، أولها، إعطاء دولة الإمارات العديد من الصلاحيات غير الممنوحة للدول الأخرى، وهو ما سيفتح الباب أمام المستثمرين الإماراتيين للتوغل في المشهد الاقتصادي المصري بأريحية كاملة دون قيود أو ضوابط.

المادة (14) في الاتفاقية تعد الأخطر والأكثر جدلاً في المذكرة، والتي تنص في جزء منها على “تجنب سَنّ قوانين يكون لها آثار تتناقض مع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار الموقعة بين الطرفين”، إضافة إلى المادة (15)، والتي حالت دون اللجوء إلى المحاكم حال نشوب أي خلاف بين الجانبين؛ حيث نصت على أن “أي اختلاف في تفسير وتطبيق هذه المذكرة يسوى وديًّا عن طريق التفاوض والمشاورات بين الطرفين” ومن ثم مستبعدة أي خيارات قضائية أو تصعيدية أخرى.