منصور عطية

كالأخطبوط الذي يمد أذرعه حول فريسته، تتمدد إيران في العديد من بؤر ومناطق الصراع بالعالمين العربي والإسلامي، مدفوعة بمنطلقات مذهبية ترتكز على قياداتها للإسلام الشيعي في مواجهة السني.

ووجدت الدولة الفارسية في الميليشيات المسلحة ضالتها، لتصبح طرفا فاعلا وأحيانا كثيرة مسيطرا على مجريات الأمور في الصراعات التي تحشد من أجلها مقاتلين مختلفي الأجناس والألوان، لكن يجمعهم نظام الملالي وما يدفعه من مبالغ طائلة.

مؤخرا، وعلى خلفية التدخل التركي ضد وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، في منطقة عفرين على طول الحدود مع سوريا، دفعت طهران بميليشيات جديدة تخوض حربا بالوكالة ضد حليفتها أنقرة.

وقالت تقارير إعلامية إن اتصالات مكثفة بين قيادة الأكراد والجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني أفضت إلى انتشار الميليشيا الجديدة المسماة “القوات الشعبية السورية” في مناطق عفرين، والتي تتشكل أساسا من الميليشيات الشيعية المتمركزة في نبل والزهراء.

في سوريا.. على كل لون

تلك الميليشيات المشكلة حديثا ليست الأولى من نوعها التي تدفع بها إيران في خضم الصراع الدائر بسوريا لدعم نظام بشار الأسد ضد الثورة التي اندلعت ضده في 2011، ثم ما لبثت أن تحولت لأكبر بؤرة صراع مسلح في العالم.

وتضم القائمة التالية أبرز الميليشيات الموالية لطهران في سوريا:

  • حزب الله اللبناني .. تأسس عام 1985، يرتبط عقديا وسياسيا بالنظام الإيراني وولي الفقيه، وخاض عدة مواجهات مع إسرائيل، أبرزها حرب يوليو 2006، حين ألحق بالجيش الإسرائيلي خسائر فادحة، ثم كان في طليعة الميليشيات التي وجهتها طهران لمساندة الأسد.
  • لواء “فاطميون” الأفغاني .. شكلته طهران من السجناء الأفغان الذين أفرج عنهم شريطة القتال في سوريا، وتأسس عام 2014 من أبناء أقلية الهزارة الأفغانية الشيعية، وبعضهم لاجئ في إيران، وذلك في ظل الحرب السورية بدعوى حماية المزارات الشيعية المقدسة في سوريا.

وقُتل مؤسس التنظيم “علي الرضا توسلي” في اشتباك مسلح مع تنظيم “جبهة النصرة” السلفي الجهادي في درعا، جنوب سوريا.

  • كتائب “سيد الشهداء” و”ذو الفقار”: بدأت في العراق، وانتقلت إلى سوريا بتوجيه الحرس الثوري الإيراني.
  • فرقة “زينبيون” قالت المعارضة الإيرانية إن طهران شكلتها من باكستانيين شيعة قاطنين بإيران.
  • فيلق “ولي الأمر”: مكلف أساسا بحماية المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وقادة النظام الإيراني، لكنه أرسل عددا من أفراده -لهم تكوين عال- لسوريا وتحديدا إلى حلب.

العراق كان البداية

وحتى قبل عقود من الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، لعبت إيران أدوارا مشبوهة بتشكيل وتمويل العديد من الميليشيات المسلحة لأغراض متعددة، أضيف لها قبل سنوات مواجهة تنظيم الدولة “داعش” في العراق، ومساندة نظام الأسد في سوريا.

ومن أبرز هذه الميليشيات:

  • “فيلق بدر” .. تأسس في طهران عام 1981 من قبل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي كان يسمى في ذلك الوقت “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية”، على يد عالم الدين الشيعي محمد باقر الحكيم، الذي اغتيل في العام 2003، بعد أشهر من الاحتلال الأمريكي للبلاد، وكان الفيلق يتلقى الدعم والتدريب من إيران، ويشن عمليات عسكرية ضد نظام صدام حسين.

اتُهم “فيلق بدر” بالوقوف وراء مقتل العديد من قادة الجيش العراقي السابق، ولا سيما ضباط القوات الجوية والطيارين، وكذلك أعضاء حزب البعث المحظور في أعقاب إسقاط نظام صدام، ثم شارك في العمليات العسكرية بمحافظة ديالي ضد تنظيم الدولة.

  • “لواء أبو الفضل العباس” .. فصيل مسلح حديث التأسيس، أُعلن عنه من قبل المرجع الشيعي العراقي قاسم الطائي، إبان اندلاع الثورة السورية ضد الأسد في 2011 لمساعدة قوات النظام السوري.

يعتبر اللواء من أوائل الفصائل الشيعية التي تدخلت عسكريا في سوريا، ووقفت لجانب النظام السوري منذ العام 2012، بدافع عقائدي، وهو الدفاع عن مرقد السيدة زينب بدمشق وحمايته.

  • “عصائب أهل الحق” .. تشكلت بشكل رسمي بعد انشقاق القيادي في التيار الصدري قيس الخزعلي، ولحق به آلاف المقاتلين في عام 2007، وتقول تقارير غربية إنها تعمل تحت رعاية قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني.

وتحولت العلاقة بين المرجع الشيعي مقتدى الصدر والخزعلي إلى ما يشبه العداء، واتهم الصدر العصائب عام 2007، بـ”ارتكاب جرائم طائفية”، وطالب “إيران بوقف التمويل عنها”.

ويُعرف عن ميليشيا “عصائب أهل الحق” أنها من أشد الفصائل الشيعية تشددا، وكانت ضالعة بصورة واسعة في أعمال العنف الطائفي بين عامي 2006 و2007.

يُقدر عدد أفرادها بنحو عشرة آلاف مقاتل، ويشارك الآلاف منهم في القتال إلى جانب قوات النظام السوري.

  • “جيش المختار” .. ميليشيا شيعية تابعة لـ”حزب الله” فرع العراق، يتزعمه القيادي الديني واثق البطاط، الذي يقول إن تنظيمه امتداد لحزب الله اللبناني، ويرفع مثله رايات صفراء لكن بشعارات مختلفة.

وتشير التقديرات إلى أن مليشيا “جيش المختار” تضم نحو أربعين ألف مقاتل، ويرجح أنها انخرطت في المعارك الأخيرة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن لم تتضح المناطق التي انتشرت فيها.

  • “حركة النجباء العراقية” .. أسس أكرم الكعبي -عقب انشقاقه عن “عصائب أهل الحق”- ميليشيا “حركة حزب الله النجباء”، عام 2013. وفي الحرب السورية قاتلت الحركة إلى جانب النظام السوري.

ولم يخفِ الأمين العام للحركة تلقي الدعم المالي من إيران، وقد وصف المتحدث باسم الحركة أبو وارث الموسوي قاسم سليماني بـ”بطل الانتصارات في المنطقة”، كما وصفه الكعبي بـ”رجل السلام والمهمات الصعبة”.

ميليشيات حول العالم

لا يقتصر الأمر على العراق وسوريا ولبنان، بل يمتد الأخطبوط الإيراني إلى العديد من البلدان حول العالم، عبر ميليشيات مسلحة، أبرزها:

  • “جيش محمد” في باكستان .. تأسس بين عامي 1993 و1994، كرد فعل على عدم سماح حزب “الحركة الإسلامية” الذي أسسه تلميذ الخميني عارف حسين الحسيني، والذي يدافع عن حقوق الشيعة في باكستان للفئات الطلابية التابعة للحزب، بالتصادم مع الحركات الجهادية مثل عسكر جهنكوي وجيش الصحابة.

استخدم التنظيم العنف والاغتيال السياسي، وتعد منطقة ثوكار نياز بيك في ضواحي لاهور في البنجاب، معقل التنظيم.

  • “طهران 8” في أفغانستان .. تحالف سياسي جمع أكبر 8 أحزاب شيعية قاتلت ضد حكومة كابول الشيوعية والجيش السوفييتي خلال الاجتياح السوفييتي لأفغانستان، ومن أهم مكوّناته “حزب الله” الأفغاني، و”حزب النصر”، و”اتحاد المجاهدين الإسلاميين”.

تلقى التحالف الدعم من حكومة الخميني منذ عام 1979، بهدف توحيد الفصائل الجهادية الشيعية، ومنع التنظيمات السنّية المؤتلفة تحت مسمّى “بيشاور 7” من احتكار العمل الجهادي في أفغانستان، وكان ثاني أكبر اتحاد تنظيمي مسلح في أفغانستان بعد “بيشاور 7”.

  • الحركة الإسلامية في نيجيريا .. حركة سياسية مذهبية، يترأسها الشيخ إبراهيم زكزاكي الذي اعتنق المذهب الشيعي وبدأ بنشر التشيع في البلاد، يقع مركز قيادة الحركة في مدينة زاريا في ولاية كادونا في شمال نيجيريا، وترتبط فقهيًّا بالولي الفقيه الإيراني وتتبعه سياسيا.
  • حزب الله الحجاز السعودي .. الجناح العسكري لمنظمة “الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية”، التي تأسست في ثمانينيات القرن الماضي، وهي منظمة شيعية سياسية شيرازية معارضة للنظام الملكي السعودي، يقودها الشيخ حسن الصفار.
  • الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين .. حركة مسلحة بحرينية شيعية، هدفت إلى إسقاط نظام آل خليفة الملكي البحريني، وإقامة نظام ثيوقراطي شيعي يستند إلى نظرية ولاية الفقيه، متبنيةً مبدأ “انتفاضة جميع المسلمين تحت قيادة الخميني”.

قامت الحركة بمحاولة انقلاب عام 1981 بقيادة السيد هادي المدرسي، الزعيم الروحي للحركة، لكنها فشلت، ونشطت الحركة من عام 1981 حتى 1996 وحُلت عام 2002، بعد إصدار عفو عام عن أعضائها المعتقلين في الداخل والمنفيين إلى الخارج.

  • “أنصار الله” (الحوثيون) في اليمن .. أُنشئت الحركة على يد “حسن بدر الدين الحوثي” عام 1992، وتتبع المذهب الزيدي الشيعي، وقيل إنها تحولت إلى الإمامية الاثنا عشرية (مذهب إيران) بعد الثورة اليمنية.

بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، تحالفت الحركة مع الموالين له، وقويت شوكتها عسكريا بفضل الإمدادات الإيرانية، حتى تمكنت من الانقلاب على الرئيس عبدربه منصور هادي، واحتلال العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، وسيطرت على العديد من المناطق الأخرى، وتخوض منذ مارس 2015 مواجهات عسكرية مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية.