ربى الطاهر
تظل مشكلة البحث عن الطرف الآخر وخاصة في العقود الأخيرة هي الهاجس الأكبر الذي يسيطر على الجنسين، منذ بداية مرحلة الشباب إلى ما بعد ذلك، فبعد تفحل مشكلة العنوسة على مستوى العالم، بالإضافة إلى حالات أخرى قد تعيش في وِحْدة بعد انتهاء علاقة زوجية سواء بالطلاق أو بالوفاة، أصبح أشخاص كثيرون يبحثون عمّن يكمل معهم مشوار حياتهم..
ولكن قد اتخذ هذا البحث سبلًا مختلفة عما مضى؛ فقد كانت سبل التعارف أكثر تعقيدًا وتتسم بالتقليدية، فإما أن هذا كان يحدث عن طريق الأهل والأصدقاء أو في مراحل أكثر انفتاحًا قد يحدث التعارف في “كافيه” أو على الشاطئ…الخ، من الطرق السابقة، أما وسيلة التواصل فكانت هي الأصعب، حيث كانت محاولات إلقاء رقم الهاتف هي الجانب المثير والأصعب في الموضوع، فقد يتم دسُّه في مكان ما بعد إعطاء إشارة لذلك أو رميه خلسة في حقيبة اليد وغيرها من تلك المحاولات.
ولكن اليوم اختلف الأمر كثيرا فأصبح التعارف أسهل من ذلك بمراحل، فقد فتحت شبكة الإنترنت أفقًا أوسع لذلك التعارف، فلم يعد الأمر محدودًا بالمكان جغرافيًا أو حتى ثقافيًا، فقد يتعارف أشخاص من بلدان مختلفة حول العالم، ومن ثقافات مختلفة كذلك، وقد يلتقون فيما بعد وجهًا لوجه بعد أن كان التعارف عبر العالم الافتراضي.
وربما اكتسب موقع فيسبوك الشهرة الأكبر كموقع تواصل اجتماعي قد قارب بين أشخاص لم يكن بينهم فيما مضى أي تواصل أو معرفة شخصية حتى إن عدد مستخدميه الدائمين وصل في عام 2012 إلى أكثر من مليار مستخدم، وربما ما يتيحه فيسبوك من إمكانيات التواصل عبر التطبيقات الخاصة به كالدردشة أو البحث عن الأصدقاء القدامى، وما إلى ذلك هو ما جعله في مقدمه المواقع الاجتماعية التي يفضل اللجوء إليها.
وقد استغل بعض الأشخاص هذه الرغبة العالمية في التواصل والتعارف عبر الإنترنت لكي يوجد لنفسه مهنة يتربح منها، خاصة في ظل هذا النمو المتزايد بالسنوات الأخيرة في الدخول والمتابعة لهذه المواقع، وهو ما فتح الباب لابتداع مهن جديدة للتكسب من وراء هؤلاء الأشخاص الذين يبحثون عن الحب والزواج عبر الإنترنت.
فقد اتخذت إحدى السيدات تدعي راشيل سبينسر ركنًا في إحدى الحدائق الملكية في إدنبرة عاصمة اسكتلندا وخصصته ليكون مكانًا مناسبًا لإحدى الزبائن التي تفضل التقاط الصور في الحدائق، فقد اشتهرت بأنها متخصصة في التقاط صور التعارف عبر الإنترنت.
وكانت سبينسر توجه السيدة التي تريد التقاط صور مميزة لها وتوضح لها ما تفعله وترشدها لما يفضل أن ترتديه ليكون أنسب للمكان الذي تلتقط فيه الصورة.
وكانت هذه السيدة التي تبلغ من العمر 53 تستمع لإرشادات سبينسر، وتنفذ ما تقول كي تلتقط لها صورة مناسبة لوضعها على صفحتها بأحد مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت المصورة توضح للعميلة أنها قد وصلت قبلها إلى هذا المكان لكي تقوم فيه ببعض التجهيزات بعد أن علمت أنها تفضل التقاط الصور في الحدائق، وتقول: “أردت أن أحقق لك رغبتك في التقاط الصورة بالمكان الذي تحبين”.
أما العميلة فتقول، إنها كانت تطلب من ابنها أن يلتقط لها الصور في معظم الأحوال، والتي غالبًا ما كان يلتقطها لها على أريكة المنزل، والتي كانت تبديها وحيدة وحزينة.
وليست السيدة سبينسر هي الوحيدة التي قد لجأت لاستغلال هذا الهوس بنشر الصور على المواقع الاجتماعية لتحقق لنفسها ربحًا وعائدًا شهريًا يمكن أن تتربح منه، فقد فرض التقاط الصور الشخصية لنشرها عبر مواقع التعارف سوقًا جديدًا لهذه المهنة الجديدة.
وتشير الأرقام إلى أنه من المتوقع أن يصل قيمة هذا القطاع السوقية من التعارف عبر الإنترنت بالمملكة المتحدة في العام 2019 إلى 225 مليون جنيه استرليني، أما الأرباح المتوقع أن تحققها فتصل إلى ثلاث مليارات في السنة بالولايات المتحدة وحدها.
ولعل هذه السوق قد وجدت بعدما أشارت الإحصائيات إلى أن قطاع التعارف على الإنترنت يعتمد بنسبة 90% على الصور التى يختارها المستخدمون لأنفسهم على حسابهم الخاص، ولذلك فإن استحداث قطاع من الأعمال المتعلقة باعتمادها على التقاط مثل هذه الصور لخدمة هذ الهدف يعد أمرًا ليس غريبًا.
كما قد تم تأسيس وكالة تصوير متخصصة في التقاط صور التعارف عبر الإنترنت منذ أربع سنوات، وقالت مؤسستها ساسكيا نيلسون: إن شركة “هاي ساترداي”، هي الوكالة الأولي احترافيًا في هذا المجال ومع مرور الوقت تمكنت من افتتاح أربعة أفرع جديدة بأماكن مختلفة، ومنها مدينة نيويورك.
وتتوقع أو تأمل نيلسون أن يكون هناك تغيير مستقبلي لاتخاذ صور أكثر وضوحًا، فمع الوقت لن يعجب راغبو التعارف بوضع صور أخذت بالآي فون أو عرض صورهم التي التقطت كذلك في الإجازات، خاصة عندما تعرض صور أخرى التقطها محترفون ذات ألوان جذابة وزوايا رائعة وجودتها لا تقارن بجودة صور الآي فون حينها، فقط سينجذب الآخرون لأصحاب تلك الصور، وتكون الخطوة الأولى لمحاولة الالتقاء وتحديد المواعيد للتعارف.
ولكن هل يمكن الاعتماد على مصور محترف في إظهار الجوانب غير الظاهرية الجميلة بشخصياتنا في الوقت الذي أصبحنا نعتمد فيه على الهواتف الذكية دون حساب.
يجيب إيماون ماك كيب، المصور المحترف عن هذا الطرح بأن الأمر ليس بسيطًا، خاصة وأن كل شخص يتخيل نفسه بشكل معين يتوقع منك أن يظهر فيه، فكل شخص يعتقد أنه وسيم، وكل امرأة ترى في نفسها جميلة، ولكن الكاميرا لها الكلمة الفيصل في هذا الأمر.
وتدافع نيلسون عن وظيفتها التي قد يصفها البعض بالخادعة، خاصة في ظل الصور التي تظهر بشكل يومي للجميلات والوسيمين مما يؤثر بالطبع على شعور البعض بالنقص تجاه ملامحهم ومظهرهم أيضا، فتؤكد أن عملها لا يهدف إلى الخداع أو التلاعب بمشاعر الآخرين، بل ترى أنها تساعد الأشخاص الراغبين في الارتباط من أن يحصلوا على الحب بطريقة فضلى، ولهذا لا نشعرهم أنهم غير مناسبين أو يحتاجون للمزيد من تحسين شكلهم أو مظهرهم، فكل ما يحدث هو إظهارهم في أحسن أحوالهم، ورغم دفاعها هذا فإن تكلفة الصورة الواحدة والتي تصل إلى 167 جنيه إسترليني كافٍ لأن ينسف هذا الهدف النبيل، ويظهر أن الهدف الحقيقي هو التربح.
في حين يرى إيماون أنَّ هناك خطًا فاصلًا بين تلاعب المصورين بالتدخل لإخفاء العيوب بالشكل وتقديمهم في صور زائفة للشخص المحتمل الارتباط به، وبين أن يظهروا الشخص في أحسن حالته بالعمل على الإضاءة مثلًا بسطوعها أحيانا أو خقوتها أحيانا اخرى، وهو ما قد يخفي مثلًا بعض الدهون بمنطقة الذقن أو غيرها، ولا يجد في ذلك أمرًا مشينًا أو أنه سيؤذى أحدًا حتى فيما بعد لو حدث ارتباط.
ولذلك فتعبر هذه المهنة الجديدة والتي قد تجد من يدفع فيها من الزبائن ما يزيد عن الـ150 جنيهًا إسترلينيًا في صورة واحدة، فهي من المهن المتوقع تزايدها في الأيام القادمة، إلا أن ما يؤخذ على هذه الطريقة في الترويج لأنفسنا هي أن نحاول إظهار أنفسنا على غير حقيقتنا، وليس التغيير في المظهر هو المشكلة، فهذا الأمر معتاد لدى من يبحث عن شريك وهو أمر مشهور، ولكن المشكلة هو تغيير الصور وإخفاء العيوب الظاهرة، وهنا قد يحدث ما لا يحمد عقباه.
اضف تعليقا