العدسة- معتز أشرف

بتعديل وزاري شمل 9 وزراء سجّل الأردن الإجراء التغييري السادس في حقائب حكومة هاني الملقي التي تشكلت في العام 2016، بعد نحو أسبوع من نجاة الملقي من تصويت على سحب الثقة بحكومته في مجلس النواب على خلفية موجة الغضب الشعبي ضد رفع الأسعار، ورغم تخطيه عقبة البرلمان وإعلان الملك للتشكيلة الجديدة إلا أن الغضب مازال يقف عقبة في طريق “هاني الملقي”؛ حيث لم تفلح الخطوة الجديدة في تغيير أي شيء، بل قد يتجه الغضب إلى المستوى الأعلى، في ظل إصرار سقف الهتاف على التصعيد من المطالبة برحيل الحكومة بأكلمها إلى الإطاحة بصاحب العرش الملك عبد الثاني، فصوت الخبز أعلى وحراكه قد يكون الأقوى.

 تعديل هامشي!

في تعديل هامشي استند إلى دعم البرلمان لرئيس الحكومة هاني الملقي ولم يمسّ وزارء الأزمة الاقتصادية، أصدر العاهل الأردني قرارًا وسط غضب شعبي يتصاعد بالموافقة على إجراء تعديل على الحكومة ، شمل تعيين جمال أحمد مفلح الصرايرة نائبًا لرئيس الوزراء ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء، وجعفر عبد عبدالفتاح حسان نائبًا لرئيس الوزراء ووزير دولة للشؤون الاقتصادية وعلي ظاهر حسن الغزاوي وزيرًا للمياه والري، وسمير سعيد عبدالمعطي مراد وزيرًا للعمل ونايف حميدي محمد الفايز وزيرًا للبيئة، وبشير علي خلف الرواشدة وزيرًا للشباب، وسمير إبراهيم المبيضين وزيرًا للداخلية، وعبدالناصر موسى أبو البصل وزيرًا للأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، وأحمد علي خليف العويدي وزير دولة للشؤون القانونية، بالتزامن مع صدور أمر ملكي بتعيين الدكتور محمد العسعس مستشارًا للملك الأردني للشؤون الاقتصادية، بالإضافة إلى تعيين الدكتور منذر الدباس مستشارًا للملك ومديرًا لمكتبه، وكان خطاب الملقي في أول أيام انعقاد الحكومة بتشكيلها الجديد كاشفًا للأزمة التي لم يقترب منها، حيث أكد وجود تحديات في المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أنَّ أولويات عمل المرحلة المقبلة للحكومة ستركز على برامج التحفيز الاقتصادي بما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام يسهم في تحقيق الرفاه الاجتماعي علي حد زعمه!!، بينما كان الخوف من تصاعد الغضب وقيادة الشباب له حاضرًا؛ حيث كشف الملقي عن أن الحكومة ستركز على تفعيل طاقات ودور الشباب وتأهيل القيادات الشبابية، إضافة إلى تحسين الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين بحسب وعوده!.

استمرار الغضب!

جددت فعاليات شعبية في الكرك اعتصامها مساء تشكيل الحكومة الجديد أمام دار المحافظة، في رسالة ذات دلالة، احتجاجًا على قرارات الحكومة برفع الأسعار والضرائب الأخيرة، وجدّد المعتصمون مطالبهم بالعودة عن قرارات رفع الأسعار واستقالة الحكومة، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين من الحراك، كما جدّد المزارعون اعتصامهم أمام مجلس النواب؛ رفضًا لقرارات الحكومة حول ما يتعلق بالقطاع الزراعي، وفي المقابل كانت رسالة الملقي أكثر وضوحًا من ذي قبل؛ حيث كان أول قرارات حكومته بعد اختيار قيادة أمنية جديدة لوزارة الداخلية فضّ الاعتصامات في تنفيذ لوعوده الحقيقية في الغرف المغلقة، حيث قامت قوات الدرك فجر الاثنين، بمهاجمة خيمة الاعتصام في ذيبان بمحافظة مادبا، وحرق الخيمة ومنع المعتصمين من التواجد في المكان، بعد أن أطلقت الغاز المسيل للدموع في وقت مبكر جدًا في سيناريو قد يتكرر في مواجهة الغاضبين في الفترة المقبلة.

سقطت سياسيا!

“ايش تعمل الماشطة في الوجه العكر”، بهذا المثل المشهور، استقبل المعارضون قرار التعديل الشكلي لحكومة هاني الملقي، التي لا لم يعد يصلح معها أي تعديل، وهو ما أكده  حزب جبهة العمل الإسلامي أكبر الأحزاب المعارضة في الأردن، حيث شدّد على أن الحكومة سقطت سياسيًا وأصبحت عبئًا على البلاد والعباد، ولن يجدي إجراءات تعديل شكلية، أو أي عمليات تجميل لهذه الحكومة في ظل الإخفاقات المتلاحقة وعجزها عن حل أزمات البلاد” بحسب بيان صادر عن الحزب، الذي وصف الحكومة بأنها حكومة جباية لا تراعي حتى أبسط حقوق المواطنين..

وبالتوزاي فإن ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية في الأردن له موقف ثابت لن يتغير بتعديل هنا أو هناك، عبر عنه آخر مواقف الائتلاف الذي أكد أنه على الرغم من الاحتجاجات الشعبية الساخطة التي شملت جميع المحافظات، وعبرت فيها عن غضبها إلا أن التجاهل الحكومي المتواصل لمطالبها والإمعان في إنكار نتائجها الخطيرة على المصالح المعيشية لمعظم فئات الشعب الأردني، يستدعي المطالبة بحكومة إنقاذ وطني تستطيع إخراج البلاد من هذا المأزق الخطير، وفق مشروع إصلاحي شامل لكل الأوضاع الاقتصادية والسياسية، والتراجع الفوري عن الإجراءات والقرارات برفع الأسعار التي شملت أكثر من مائة وستين سلعة، ولم يكن الغضب في المعارضة فقط بل طال الموالاة؛ حيث طالب عضو البرلمان الأردني نبيل غيشان بتحديد الأسباب الموجبة للتعديل الوزاري الأخير..

فيما انتقد آخرون تحت قبة البرلمان عدم وجود مقاعد وزارية لدوائرهم الانتخابية وقواعدهم ومناطقهم، كما تحدثت مصادر برلمانية عن اعتراضات بالجملة تلقاها الملقي من نواب يتذمرون من استثناء مناطقهم وعشائرهم من المقاعد الوزارية، كما نشرت على وسائط التواصل الاجتماعي العديد من الشكاوى والتذمرات ذات البُعد العشائري والمناطقي تتحدث عن عدم تمثيلها بمقعد وزاري  بعد التعديل الأخير، وعن الظلم الذي لحق بها.
ولم ينتظر النواب كثيرًا علي الحكومة بتشكيلها الجديد، وفي خطوة قد تفتح النار على الملقي في الفترة المقبلة وجّه رئيس كتلة الإصلاح النائب عبدالله العكايلة، سؤالًا إلى رئيس الوزراء هاني الملقي، يطلب فيه توضيح ما ورد على لسانه خلال مناقشات مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2018، بخصوص وجود مبلغ مالي يقدر بمليار و300 مليون دينار أنفقت في السنوات السابقة، خارج الموازنة، مؤكدًا ضرورة توضيح فيما إذا كانت تلك القضية صحيحة، وفي أي سنة تمّت، وفي عهد أي حكومة، طالبًا توضيح السند القانوني لذلك الإنفاق ومصادر التمويل لذلك المبلغ، والمكان الذي أنفقت فيه.

شبح الإطاحة!

مراقبون ذهبوا إلى أنّ الدكتور هاني الملقي لا يظهر اكتراثًا لما يجري، خاصة أنه أجرى تعديلات لا تتوافق مع صيحات المحتجين الغاضبين احتجاجًا على سياسة الحكومة الاقتصادية، لأن المهمة الرئيسة لهذه الحكومة محسومة وتتمثل في مضيها بإعلان قرارات اقتصادية صعبة متخذة مسبقًا، وبالتالي جاء التغيير لم يَطَل المعنيين بالملف المالي، وهو ما تسبب في الغضب الشعبي، وأرجع المراقبون ذلك التعديل إلي تجديد الثقة التي منحه إياها مجلس النواب نتيجة لمعركة تشريعية غير محسوبة النتائج، خاصة أنَّ الحديث عن التعديل الوزاري، قبل ذلك كان يطرح بحذر وتخوف من قبل الحكومة وبأنّه سيكون في حدّه الأدنى إن حصل أصلًا، إلا أنه بعد ذلك توسع التعديل ليصل إلى حدود لا جدوى ولا فائدة منها، وقال البعض: “التعديل لا يحتاج لأي تحليل، فالبرنامج الداخلي للحكومة يحتاج لتنفيذه تعيين نائب للرئيس، ووزير للمالية ووزير للتخطيط، فيما باقي الملفات يمكن تسييرها من خلال الأمناء العامين للوزارات”.

ويبقي شبح الإطاحة بالحكومة مازال ذات وجاهة لدى البعض، خاصة أن “الاستفساء الشعبي من خلال التظاهرات والاحتجاجات في المدن الأردنية قاطبة يشير إلى غياب شعبية الحكومة بكامل تشكيلها، وهو ما يحاول رئيس الحكومة أن يلقي به على الطاقم الوزاري ويتحجج بالتغيير في وزارات”، كما أن البعض يرفع شعاريستحق الأردنيون أكثر لرفض ما يجري، ويقول: الأردنيون يستحقون أكثر مما قدم لهم حتى الآن، وأكثر مما يطالبون به، يستحقون حكومات تُنجز لا حكومات تعجز، حكومات تخرج من دائرة المراوغة والبلاغة إلى دائرة الحزم والشجاعة”.

ويذهب مراقبون إلى أن ترضية هاني الملقي علي حساب مطالب الشعب قد  يمس الملك نفسه في إطار الصراع المستمر داخل أذرع الحكومة وأجهزتها الأمنية، المنقسمة على نفسها، ما بين موافق ومعارض لسياسيات القصر وآخرين مؤمنين برؤيته؛ حيث المستهدف مما يجري بحسب مراقبين “تحجيم دور القصر وحصره في أُطُر ضيقة يمكن التحكم بها خدمة لصالحهم، بحيث يصير الملك والشعب في حيز واحد، يتعرضان للضغط من السلطتين التنفيذية الأمنية و التشريعية. هذا مع حصر الاتهام وردات الفعل بين الملك والشعب دون سواهما، فالملك في نظر الشعب المسؤول عما آلت إليه الأمور”.