منصور عطية
تطورات متسارعة شهدها ملف المصالحة الفلسطينية، ووفود متبادلة بين طرفيها حركتي فتح وحماس والوسيط المصري، في مسعى لإنقاذ هذا الملف الحيوي بعد أشهر من تجمده في أعقاب توقيع الاتفاق بالقاهرة أكتوبر الماضي.
وفي القلب من مباحثات الجولة الجديدة للمصالحة، تبرز الاستعدادات الإقليمية والدولية لتنفيذ صفقة القرن، على خلفية عامل آخر مؤثر بتلك المعادلة، وهو العملية الأمنية الشاملة “سيناء 2018″، التي تشنها قوات الجيش المصري لتطهيرها من الإرهاب.
3 وفود تبحث الإنقاذ
أمس الأحد، وصل وفد مصري إلى قطاع غزة في إطار متابعة تنفيذ اتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح، ومن المقرر أن يلتقي الوفد مسؤولين بالحكومة الفلسطينية وقيادات الحركتين، على وقع إضراب عام في المؤسسات الحكومية بالقطاع، احتجاجا على عدم تقاضي الموظفين رواتبهم منذ سنوات.
يضم الوفد كلا من اللواء سامح نبيل، والقنصل العام المصري في رام الله خالد سامي، والعميد عبدالهادي فرج، وكان في استقباله قائد قوى الأمن في غزة، اللواء توفيق أبو نعيم.
وتزامن وصول الوفد المصري مع زيارة متوقعة لوفد وزاري من الحكومة الفلسطينية للقطاع، لمتابعة سير عمل الوزارات بغزة والإشراف على عملها، بحسب الناطق باسم الحكومة “يوسف المحمود”.
ووسط تعهدات من حماس بتوفير التسهيلات المطلوبة والإجراءات الكفيلة بإنجاح مهمة الوفد المصري، من المقرر أن يشرع الوفد في الإشراف بشكل فعلي على عملية تمكين حكومة رامي الحمدالله، ودمج 20 ألف موظف ممن عينتهم حماس بعد أحداث الحسم العسكري 2007.
وفي أطول زيارة يقوم بها وفد من حماس إلى القاهرة، نفت مصادر ما نشرته وسائل إعلام فلسطينية ونشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي، عن احتجاز الوفد الذي يرأسه إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة منذ 16 يوما من قبل المخابرات المصرية، وقال مصدر بالوفد “كل ما أشيع بالإعلام عن احتجاز الوفد، أو التعتيم الإعلامي عليه غير صحيح”.
المصدر بدد مخاوف محللين وكتاب فلسطينيين تساءلوا عن طول مدة إقامة الوفد، لكن المصدر قال إن الوفد التقى إعلاميين ونقابيين مصريين، فضلا عن عقد المكتب السياسي عدة اجتماعات في القاهرة.
وعن أنباء منع المخابرات المصرية وفدا برئاسة “هنية” من مغادرة القاهرة لإجراء جولة خارجية، اكتفى المصدر في الوفد بالقول إن “هنية” لم يكن يخطط لجولة خارجية انطلاقا من القاهرة، وأن جدول أعماله تضمن لقاءات مع المسؤولين المصريين، وقيادات الحركة في القاهرة قبل العودة لقطاع غزة خلال الأيام المقبلة.
إصرار مصري له أسباب
ولعل الإصرار المصري على اختراق هذا الملف وتنفيذ الاتفاق على أرض الواقع يرجع إلى العديد من الأمور التي تبدو محسومة لدى القاهرة.
في المقدمة، تسعى مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي، الذي يستعد لبداية فترة رئاسية ثانية، للحفاظ على ما حققه من مكانة افتُقدت لسنوات، واسترجاع لزمام أفلت من يديها في القضية الفلسطينية بشكل عام، وما تراه القاهرة من أحقية في إدارة هذا الملف لأبعاد تاريخية وجغرافية وسياسية وأمنية معتبرة.
كما تريد مصر أن تؤمّن الحدود عبر تشكيل حكومة فلسطينية تستلم المعابر وتفرض حالة من الهدوء الذي لا يمكن أن يحول المنطقة الحدودية إلى جبهة أخرى تهدد الجيش، تزامنًا مع العملية الشاملة التي تنفذها هناك منذ 9 فبراير الجاري.
ورغم صعوبة المهمة، فإن مصر تملك من عوامل القوة التي تستطيع من خلالها ربما فرض رؤيتها وإجبار الطرفين على تقديم تنازلات تفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق المصالحة وتنفيذ اتفاق القاهرة.
القرار الأمريكي بشأن القدس، أبعد الغطاء عن الطرف الدولي الأكثر تأثيرا في حركة فتح، التي اتهمت واشنطن بعدم النزاهة كوسيط بمحادثات السلام، فضلا عن كون مصر حاليا هي الطرف الإقليمي والدولي الأكثر نزاهة وموثوقية لدى حركتي فتح وحماس.
ولا يمكن التغاضي عن كون مصر تشكل الآن المنفذ الوحيد لقيادات حماس إلى العالم الخارجي، حيث يتمكنون وفق ترتيبات أمنية عالية المستوى من العبور بين الجانبين عبر معبر رفح كلما دعت الحاجة.
“صفقة القرن” تطل برأسها
ليس بعيدا عن الأسباب السابقة، فإن ثمة حافزًا يدفع مصر بقوة باتجاه إنجاز ملف المصالحة الفلسطينية من جانب، والقضاء على أزمة سيناء من ناحية أخرى.
“صفقة القرن” أصبحت هي القاسم المشترك في أي حديث عن القضية الفلسطينية، أو ما يرتبط بها إقليميا في سيناء والأراضي المحتلة، خاصة في أعقاب القرارين الأمريكيين اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل والعزم على نقل سفارة اشنطن إليها مايو المقبل.
وبطبيعة الحال، فالحديث عن الصفقة لم يغب عن المحادثات التي أجرها وفد حركة حماس في القاهرة مع جهاز المخابرات العامة، حيث كشفت مصادر أن المباحثات ركزت على عناوين ثلاثة؛ أولها الوضع الإنساني المتفاقم في غزة، والثاني المصالحة وما تواجهه من عقبات.
أما العنوان الثالث، فيتعلق بالموضوع السياسي وصفقة القرن، وبينما لم تفصح المصادر عما إذا كانت مصر قد كشفت عن أية تفاصيل للوفد عن الصفقة، قال إن حماس جددت موقفها الرافض لأي حلول تنتقص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وعليه، فإن مصر تبدو بصورة أو بأخرى جاهدة في ترتيب الأمور على أرض الواقع، اتساقا مع الخطوات الأمريكية للمضي قدما نحو تنفيذ الصفقة، فهي تسعى بكل قوتها لتطهير سيناء من التنظيمات المسلحة في عملية هي الأضخم من نوعها منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.
وكما يتطلب تنفيذ صفقة القرن خلوًّا تامًّا لسيناء من أهلها وما قد يعرقل الخطة، فإن استتباب الأمور في قطاع غزة يبقى أمرا لابد منه أيضا، وهو ما تساهم عملية المصالحة في تحقيقه على أرض الواقع.
ومن المثير في هذا السياق، أن الحديث عن العلاقة بين سيناء والمصالحة وصفقة القرن يأتي بعد أيام قليلة من قرار نقل السفارة وتصريحات للسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة “نيكي هايلي”، قالت فيها: إن “اقتراح خطة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين اكتمل تقريبا”.
وفي أوائل فبراير الجاري، أبلغ موفد الرئيس الأمريكي للسلام “جيسون جرينبلات” قناصل دول أوروبية معتمدين في القدس، بأن صفقة القرن “في مراحلها الأخيرة”، ونقلت تقارير إعلامية عن أحد المشاركين في اللقاء -دون ذكر اسمه- أن “جرينبلات” في معرض حديثه عن صفقة القرن أكد للمسؤولين الأوروبيين أن “الطبخة على النار، ولم يبق سوى إضافة القليل من الملح والبهارات”، على حد تعبيره.
ولعل السيسي هو أول من تحدث عن صفقة القرن في تصريح أدلى به خلال زيارته لأمريكا ولقائه نظيره دونالد ترامب، في أبريل الماضي، حينما قال له: “ستجدنى بكل قوة ووضوح داعمًا لأى مساعٍ لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في صفقة القرن، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها”.
الحديث عن صفقة القرن يعود إلى عام 2010، حين أنهى مستشار الأمن القومى الإسرائيلي السابق، اللواء احتياط “جيورا أيلاند”، عرض المشروع المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، في إطار دراسة أعدها لصالح مركز “بيجين-السادات” للدراسات الإستراتيجية، بعنوان: “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”.
الدراسة التي نشرت تفاصيلها تقارير إعلامية في حينه، تقوم على اقتطاع 720 كيلومترًا مربعًا من شمال سيناء للدولة الفلسطينية المقترحة تبدأ من الحدود المصرية مع غزة، وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على مساحة مماثلة داخل صحراء النقب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تخلو الضفة الغربية بالكامل للاحتلال.
اضف تعليقا