منصور عطية

سقطة جديدة لإعلام الدول المحاصرة لقطر، كان بطلها وفد برلماني بريطاني زار الدوحة سبتمبر الماضي، وأصدر تقريرًا تحدث فيه عن مشاهداته بشأن الآثار السلبية للحصار.

وعلى الرغم من توثيق الزيارة وما جرى فيها، وصدور التقرير أواخر شهر يناير الماضي، إلا أن وسائل الإعلام التابعة لدول الحصار دأبت خلال اليومين الماضيين على التشكيك في تقرير الوفد بتصريحات منسوبة لبعض أعضائه.

زيارة موثقة.. وتقرير دامغ

البداية كانت في الفترة بين 27 و29 سبتمبر الماضي، وهي المدة التي زار خلالها وفد برلماني بريطاني برئاسة النائب “جراهام مورس” العاصمة القطرية الدوحة للاطلاع على آثار الحصار المفروض على قطر منذ يونيو 2017.

والتقى الوفد، بحسب تقارير إعلامية موثقة، ممثلين عن ضحايا الحصار والمتضررين في جوانب مختلفة من قضايا حقوق الإنسان، وخاصة العائلات التي تشتت شملها، والطلاب الذين حرموا من إتمام دراستهم، والمواطنين الذين حرموا من تأدية فريضة الحج، بالإضافة إلى مختلف القطاعات الاقتصادية التي تضررت من الحصار.

وقال “مورس” إن الوفد استمع لشهادات عديدة من المتضررين من الحصار في قطر، وإن الأمر غير واضح بما يكفي لدى الغرب، مؤكدا سعي الوفد لنقل الصورة الكاملة عن الوضع لدى عودته إلى بريطانيا.

من جانبه، قال عضو مجلس اللوردات البريطاني “نذير أحمد”: إن الوفد سمع قصص ضحايا الحصار المفروض على قطر، وطالب برفع هذا الحصار.

ولفتت التقارير إلى أنه من المقرر التقاء الوفد مسؤولين حكوميين للاطلاع على آثار الحصار، ثم يعد تقريرا عن مجمل الزيارة ونتائجها لتقديمه إلى البرلمان البريطاني.

وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد بنهاية الزيارة، أكد “مورس” أنه سيرسل نسخًا من التقرير إلى رئيسة الوزراء ووزير الخارجية البريطانيين “لتوثيق ما شاهدوه بأعينهم من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.

وتابع: “استمعنا لما يزيد عن 100 حالة متضررة من الحصار، وجلسنا مع العديد من الأشخاص والعائلات، وأصحاب الشركات ورجال الأعمال، وفئات أخرى. واستمعنا إلى شهاداتهم، ومعاناتهم وتأثرهم بالحصار، واستلمنا منهم تقارير وشهادات حية”.

وأضاف: “للحصار آثار إنسانية جسيمة، خاصة ما يتعلق بالحرمان من الحقوق الأساسية، مثل الحق في لمّ شمل الأسر، والحق في التعليم، والتنقل، وممارسة الشعائر الدينية، والعمل، والتملك، والاستثمارات الخاصة”.

فإذا كانت هذه هي التصريحات العلنية التي أطلقها أعضاء الوفد البريطاني، فماذا كان متوقعا في التقرير الذي عزموا على إصداره؟ الإجابة تبدو محسومة بشكل لا يبعث على الشك سواء في إصدار التقرير أو حتى في محتوياته.

ليس تقريرا فقط

وعلى مدار أشهر لم يتحدث أحد بعد الزيارة عن النتائج، إلى أن نشرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا) أوائل فبراير الجاري، خبرًا مفاده توقيع 15 نائبا بالبرلمان البريطاني عريضة طالبوا بموجبها حكومة رئيسة الوزراء “تيريزا ماي” بالضغط لرفع الحصار المفروض على قطر بشكل فوري، وحث دول الحصار على الاستجابة للوساطة الكويتية لحل الأزمة.

العريضة بدا من سياق الخبر أنها وثيقة الصلة بزيارة الوفد خلال سبتمبر الماضي، حيث لفت الخبر إلى أن تلك البعثة البرلمانية “دعت الحكومة البريطانية إلى الضغط على دول الحصار لرفع حصارها عن قطر والاستجابة للحوار مع الدوحة لحل الأزمة عبر الوساطة الكويتية”.

وهنا كان مثار الأزمة، حيث قال الخبر: إن البعثة أصدرت تقريرا تضمن استنتاجاتها حول الزيارة، دعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون “للضغط على نظرائه في دول الحصار للتخفيف من حدة الإجراءات المتخذة، لأجل وضع حد لتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان”.

تقرير البعثة البرلمانية البريطانية التي ضمت نوابًا من مجلسي اللوردات والعموم البريطانيين، بقيادة العضو عن حزب العمال البريطاني “جراهام مورس”، تضمن العديد من التوصيات، شملت دعوة الحكومة البريطانية إلى الضغط على دول الحصار لرفع حصار قطر، وحثها على الاستجابة للحوار معها من خلال الوساطة الكويتية.

إعلام الحصار ينزعج

التقرير والعريضة، أثارا حفيظة وسائل إعلام الحصار التي اجتهدت خلال الأيام القليلة الماضية في محاولة للبحث عما يشكك في تقرير الوفد.

موقع “عرب نيوز” النسخة الإنجليزية من صحيفة “الشرق الأوسط” إحدى شركات المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق المملوكة لتركي نجل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، كان لها السبق في التناول.

ففي تقريرها المنشور 22 فبراير الجاري، نقلت عن اللورد “نذير أحمد” أحد أعضاء الوفد البرلماني نفيه علمه بالتقرير، وأوردت على لسانه: “لم أرَ التقرير ولم أقرأه، وبالتأكيد، لم أصرّح باستخدام الشعار (شعار مجلس اللوردات البريطاني). ليس لديّ سلطة لاستخدام الشعار إلا في خطاباتي الصادرة من مجلس اللوردات”.

وتابع “أحمد” وفق مزاعم الموقع: “يمكنني فقط تكرار أنني لم أره (التقرير)، ولا يمكنني قول إنني كنت مشاركا. عندما كنا هناك، أصدرنا بيانًا حول ما شهدناه وسمعناه، لكنني لم أكن طرفًا بأي تقرير”.

وتهافتت المواقع الإخبارية التابعة لدول الحصار خاصة الإماراتية منها، على النقل من الصحيفة السعودية والعزف على نغمة المزاعم القطرية وقلب الحقائق رغم أن “عرب نيوز” لم توثق تصريحات النائب البريطاني السابقة، عكس ما فعلته وسائل الإعلام القطرية في توثيق تصريحات أعضاء الوفد.

“بن فلانجان” ورفاقه!

وكان لافتا في العديد من التقارير التي نشرها موقع “عرب نيوز” وتتناول الأزمة الخليجية وبطبيعة الحال تشن هجوما ضاريا على قطر، بروز اسم الصحفي البريطاني “بن فلانجان”، مدير مكتب لندن المعين حديثا في هذا المنصب.

(العدسة) نشر في نوفمبر الماضي تقريرا وافيا حول تاريخ هذا الصحفي ودوره الملموس في بلاط اللوبي السعودي ببريطانيا، حتى قبل الأزمة الخليجية التي أزاحت الستار أكثر عن طبيعة عمله في المنصب على تلميع صورة المملكة والترويج لسياسات ولي العهد محمد بن سلمان.

غير أن الأزمة الخليجية أضافت مهمة جديدة للرجل في الهجوم على قطر واختلاق الأكاذيب حولها، بدأت منذ اليوم الأول للحصار في 5 يونيو الماضي، بشكل أثبت أنه أمر دُبر بليل.

“فلانجان” كان له دور بارز وسابق لجهود كثيرين من إعلاميي الحصار في متابعة ما يخص أزمة الوفد البرلماني البريطاني منذ بدايتها، حيث نشر في أكتوبر الماضي تقريرا نقل فيه على لسان المتحدث باسم البرلمان البريطاني قوله إن الزيارة ليست رسمية وجاءت بالتنسيق مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا.

ولم يكن “فلانجان” بمفرده، حيث حفل الموقع بالعديد من التقارير التي تكيل اتهامات باطلة بحق قطر، وتروّج لأكاذيب دول الحصار بشأن الأزمة الخليجية بتوقيع كاتبة تدعى “أنا بوكاس”.

الصحفية التي تعمل أيضا في “ذا ناشيونال” الإماراتية الصادرة باللغة الإنجليزية، يبدو أنها تخصصت في الكتابة عن الشأن القطري بعد الأزمة، حيث نشرت العديد من التقارير التي تحاول إلصاق التهم بالدوحة والترويج لادعاءات دول الحصار.

المفارقة أن من أبرز وأحدث ما نشرته “بوكاس” في هذا السياق تقرير يتحدث عن زيارة ثانية لقطر وللجنة حقوق الإنسان الوطنية نفذها وفد برلماني بريطاني خلال شهر فبراير الجاري.

التقرير ادعى أن وسائل الإعلام القطرية وفي مقدمتها وكالة الأنباء الرسمية (قنا) تحدثت عن الدعم الذي أظهره رئيس الوفد للدوحة خلال الزيارة، رغم أنه لم يكن متواجدا هناك!.

ونقل التقرير المنشور 21 فبراير، على لسان مكتب النائب “ليستير كار مايكل” أنه لم يكن متواجدا في الدوحة وقت أن نشرت (قنا) نبأ زيارته ونقلت تصريحاته الداعمة لموقف قطر.

لكن المثير أن تلك الزيارة التي تمت في 14 فبراير وثقتها وسائل إعلام ووكالات أخرى غير قطرية، ومن بينها وكالة أنباء الأناضول التركية، التي نقلت في تقريرها الموثق نية الوفد تسليم نسخة من تقرير البعثة الفنية للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، الخاص بتداعيات الحصار على حقوق الإنسان، لوزير خارجية بلاده، ووزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.