على مدار أربع سنوات ماضية شهدت مصر خلالهم إغلاقاً كاملًا للمجال العام ،تصدر المشهد نوع من الانتهاكات المعروفة دوليًا وهو الاختفاء القسري وهو ذلك الانتهاك الذي يبذل النظام المصري جهدًا مضنيًا خلال الفترة الأخيرة في محاولة التشكيك بصحة وجوده.
قبل سرد الحقائق والتفاصيل حول عملية الاختفاء القسري نعطى لها تعريفا بسيطا للقارئ أولا ، و هو الاحتجاز أو الاختطاف، أو أي عمل يحرم الإنسان من حريته، على يد جهة تابعة لسلطة ما أو أشخاص يتصرفون بدعمها أو إذنها، ولا تعترف تلك الجهة بحرمان المختفي أو المختطف من حريته، بل تنكر معرفة مصيره ومكان وجوده.
وبالدخول إلى سرد بعض الحقائق حول عملية الإختفاء القسري فإنني أولًا أؤكد تناولي للأمر من منظور الباحث الحقوقي وبصورة متجردة وبناءً على أبحاث حقوقية شاركت فيها على مدار السنوات الأربع الماضية وبناءً على متابعة الشأن الحقوقي العام بصورة يومية:
- تشهد مصر معدلا يوميًا لظهور مختفين قسريا أمام نيابة أمن الدولة العليا –بالتجمع الخامس،القاهرة – يصل إلى ثلاثين مواطنا أي بصورة شهرية قد يصل إلى 900 مواطن مصري ،وذلك بخلاف المختفين الماثلين أمام اليابة العامة بمختلف المحافظات والنيابة العسكرية.
- المتوسط العام لعدد الأيام التي يتعرض لها المواطنيين المختفين قسريا وصل إلى 49 يومًا وفقا لعينة بحثية شملت 18 محافظة ،مما يؤكد تحول عملية الإخفاء القسري من مجرد أداة يستخدمها النظام لانتزاع المعلومات إلى أداة عقاب في حد ذاتها للمختفي وذويه ، كما أصبحت تمثل إرهاباً للمجتمع لكل من تسول له نفسه معارضة النظام المصري.
- الاختفاء القسري أصبح نمطا سائدا للنظام المصري بطول مصر وعرضها بسبب سياسة الإفلات من العقاب وعدم الإعتراف بها من النظام المصري ،حتى أنها طالت قيادة عسكرية بارزة بعد التحقيق معه –الفريق سامي عنان – وفق تصريحات للمتحدث باسمه الدكتور حازم حسني ووفق تصريحات لحملته الانتخابية.
تشكيك دائم
تدرج تعامل النظام المصري مع ملف الإختفاء القسري من الإنكار الكلي للمصطلح في بادئ الأمر ومن ثم بدأ في الرد على عدد من المؤسسات الدولية التي تلاحق النظام في ذلك الملف وأصبحت تشكك في مصداقية المعلومات الواردة من تلك الجهات الدولية ،ولكن في الآونة الأخيرة انتقل موقف النظام المصري في ذلك الملف من حالة الدفاع إلى الهجوم فبدأ في محاولة دس عدد من الحالات غير الحقيقة من أجل التشكيك في مصداقة الملف بصورة كاملة أو بإجبار حالات لاقت صدى دوليا للخروج على الهواء والتحدث بعكس ما تعرضوا له.
ومع ارتفاع وتيرة عملية الإختفاء القسري بصورة مفجعة خلال السنوات الماضية ومع ممارستها بصورة منهجية من النظام أصبح التوقع الأول الذي يقفز إلى أذهان الكثيرين عند اختفاء أحد ذويهم أو أصدقائهم هو أنه تعرض للاختفاء القسري من قبل السلطات المصرية خاصة لو كان من الممارسين للعمل السياسي المعارض ،وقد كنت شاهدا بنفسي على عدد من الحالات التي ظن ذووها في بادئ الأمر تعرضها للاختفاء القسري إلا أن المنظمات الحقوقية لم تتعاطى معها لافتقارها للحد الأدنى لمعايير الموضوعية في الرواية أو المنطقية ،وثبت بعد ذلك عدم دقة تلك الحالات بالفعل وصحة عدم تعامل الجهات الحقوقية معها وأن الإختفاء كان لظروف اجتماعية.
إلا أن الناظر للأمر بدقة يجد أن وجود بعض الحالات الخاطئة والقليلة في ملف الاختفاء القسري لا يعني إنكارا للملف بالجملة حيث لا يمكن إنكار ما هو مثبت بالحقيقة من قبل أشخاص عاشوا التجربة بأنفسهم ،إلا أن ذلك في صورة أخرى يؤكد تفشي استخدام النظام لذلك النمط.
ربما لست في معرض سرد عدد من الحالات المؤكدة والثابت تعرضها للاختفاء القسري حيث لا يتسع المقال لذلك ،إلا أن قضية الطالب إسلام عطيتو الطالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس والذي اختطف من قبل قوات الأمن المصري من أمام جامعته أمام أعين زملائه وهو الأمر المثبت أيضا بتسجيلات كاميرات المراقبة والذي وجد بعدها بأيام مقتولا بصحراء التجمع الخامس بعد بيان من وزارة الداخلية المصرية بأنه قتل في اشتباك مسلح بذلك الموقع ،أي أن الأمر لم يقف عند الإخفاء القسري فقط بل وصل إلى القتل خارج إطار القانون.
دعوة للتدوين
الاختفاء القسري هو الأبشع والأعنف بين جميع الانتهاكات التي يمكن أن تصيب مواطنا ،فهو يضع المواطن في نطاق مجهول خارج الحيز المكاني والزمني ولذلك اعتبرته المحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية وفقا للمادة السابعة من نظام روما الأساسي الخاص بها.
لذلك لابد من عدم الاستهانة بذلك الملف بأي صورة وعدم التعاطي مع التشكيك الدائم للنظام المصري في حقيقة الملف حيث أصبح أمر فوق مستوى التشكيك لاتساعه ومنهجيته ووجود أشخاص على قيد الحياة تعرضوا لتلك الجريمة، فليس الأمر بحالة أو اثنتين إنما نحن نتحدث عن انتهاك تعرض له عشرات الآلاف من المواطنين المصريين عن مدار السنوات المنصرمة.
ولذلك فإني أدعو كل من تعرض لتلك الجريمة بأن يقوم بالتدوين والسرد عن حكايته الشخصية وما لاقاه في تلك التجربة الأليمة ،ربما يستطيع النظام أن يشكك في مصداقية حالة أو اثنتين ولكن كيف له أن يشكك في آلاف الروايات الشخصية لأشخاص عانوا من تلك التجربة ،وتأكدوا دائما أن الحقيقة هي المنتصرة حتى لو طال الزمن ولا يمكن تغطيتها بأي صورة كانت.
مرفقات للمقال
تقرير حقوقي صادر عن المنظمة العربية لحقوق الإنسان https://goo.gl/tUNmGZ
المتحدث باسم الفريق سامي عنان ،الدكتور حازم حسني يتحدث عن اعتقاله واختفاءه قسريا https://goo.gl/nrm6eo
حملة سامي عنان تعتبر الفريق مختفي قسريا https://goo.gl/gvff98
اضف تعليقا