العدسة – منصور عطية
بيان جديد ألقى حجرًا في مياه الأزمة الخليجية الراكدة، وأضاف اتهامًا جديدًا وجهته دول الحصار لقطر، بالعمل على إشعال أزمة دبلوماسية واستخدامها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من الهجوم الذي شهده البيان، فإن الأمر يرجح أنه ينطوي على اعتراف بالفشل من قبل دول الحصار، وفي الوقت نفسه تعلو به نغمة التهدئة والتراجع.
حرب بيانات وتصريحات
بيان دول الحصار الصادر الأربعاء 28 فبراير، اتهم قطر بمحاولة إشغال مجلس حقوق الإنسان بأزمة دبلوماسية هي من أشعلتها، مشيرا إلى أن الأزمة السياسية مع قطر صغيرة ويجب أن تحل في إطار الجهود الكويتية التي رأى البيان أنها “القناة الأمثل لمعالجة أسباب الأزمة القطرية”.
المندوب الدائم للإمارات لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، عبيد سالم الزعابي، قال في كلمة أمام المجلس إن ما “تقوم به الدوحة من مساعٍ لتسويق الأزمة الثانوية في المحافل الدولية والإقليمية على أنها أزمة دولية كبرى تستحق لفت انتباه المجتمع الدولي لها لا ينبغي الالتفات إليها”.
البيان جاء ردا على كلمة وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في المجلس قبل عدة أيام، قال فيها إن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من دول الحصار في حق المواطنين والمقيمين في دولة قطر مستمرة.
ولم تفوت قطر بيان دول الحصار، وردت عليه ببيان بعدها بساعات قليلة، طالبت فيه مجلس حقوق الإنسان والآليات التابعة له، “بإيلاء انتهاكات دول الحصار ضدها، الاهتمام الكافي والعمل على إنهائها فورا ومحاسبة المسؤولين عنها وتعويض المتضررين منها تعويضا عادلا”.
وقال طلال النعمة السكرتير الثالث في الوفد الدائم لدولة قطر، إن تدابير دول الحصار ضد قطر قسرية وانفرادية ترتب عليها انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ورأى أن دول الحصار “فشلت في تقديم أي دليل حقيقي مبني على أسس متينة حيال المزاعم التي أوردتها بشأن دعم قطر للإرهاب، وفشلت أيضا في تقديم المبررات والحجج القانونية للإجراءات القسرية التي فرضتها والتي تعتبر بمثابة عقاب جماعي”.
وأشار “النعمة” إلى تقرير البعثة الفنية لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التي زارت قطر في نوفمبر 2017، ووقفت على جميع الحقائق والتقت بالضحايا المتضررين من هذه التدابير وخلصت بناء على ذلك إلى هذا التوصيف.
إعلان صريح بالفشل
بداية فإن الملمح الأول في بيان دول الحصار، رغم ما ورد فيه من اتهامات وما شهده من محاولة تقزيم الأزمة الخليجية، يشير إلى أنه إعلان صريح للفشل الذي مُنيت به دول الحصار في السعي لانتزاع إدانات دولية ضد الدوحة في مجلس حقوق الإنسان الدولي وما يرتبط به من آليات.
التناقض الذي يكشف موقف دول الحصار يقود إلى هذه النتيجة، فبينما اتهمت قطر بإشغال المجلس بأزمة صغيرة، شهدت الأشهر الماضية جهودًا دؤوبة من السعودية والإمارات على وجه الخصوص لترويج مزاعم دول الحصار بشأن قطر والتسويق لمواقفها واتهاماتها ومحاولة صبغها بصبغة دولية.
وفي الوقت الذي نجحت فيه الدوحة بجذب مواقف دولية إلى صفها، كان الفشل الذريع هو نصيب كل المؤامرات التي نسجتها البلدان من أجل تحقيق الهدف ذاته معكوسًا.
وليس أدل على ذلك من التحركات المشبوهة التي قادتها الإمارات والسعودية وتدفقت فيها أموالهما على وجوهٍ أريد لها أن تكون الواجهة الحقوقية لدول الحصار في محافل أوروبية ودولية، لكن انكشف المستور عن تلك الوجوه واحدًا تلو الآخر. (طالع تفاصيل أكثر في تقرير سابق للعدسة)
ولعل الدافع الآخر الذي يقود إلى اعتبار بيان دول الحصار إعلان فشل، هو رفضه الواضح تدويل الأزمة الخليجية والتشديد على ضرورة حلها في إطار جهود الوساطة الكويتية.
اللافت أن دول الحصار لم تألو جهدا طيلة الأشهر الماضية منذ بدء الأزمة في يونيو 2017 في محاولة كسب مواقف القوى الكبرى والإقليمية لصفها، إلى حد نشوب أزمات مع بعض الدول بسبب مخالفتها لما كانت تنتظره دول الحصار مثل الأردن والسودان وتونس.
في المقابل فإن هناك عزمًا قطريًا على مواصلة “تجريس” ممارسات دول الحصار في المحافل الدولية ذات الصلة بما ترتكبه من انتهاكات، بعد النجاحات التي حققتها، والإجهاضات المتكررة لتحركات الحصار المشبوهة.
هل تتراجع دول الحصار؟
تأسيسًا على ما سبق، يبرز تساؤل في غاية الأهمية: هل يمكن اعتبار بيان دول الحصار تراجعًا منها على خط الأزمة مع قطر، أم أنه مجرد تكتيك وقتي في خضم الصراع؟
ربما تدفع الحدة المتراجعة في لهجة البيان عما عهدناه في البيانات السابقة لدول الحصار المهاجمة لقطر، إلى القول بأنه يشكل تراجعًا في استراتيجية الدول تجاه الدوحة، بشكل قد ينعكس على مستقبل الأزمة، وسط استعدادات متفائلة بانفراجها خلال القمة المرتقبة بين قادة كل من السعودية والإمارات وقطر والرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال شهر أبريل المقبل.
ولعل الفترة الماضية، شهدت ما يمكن وصفه بالتراجعات المماثلة من قبل دول الحصار، وقطر أيضا، في سياق كتابة النهاية للأزمة، آخرها ما كشفته تصريحات مسؤول عسكري في الإمارات، يناير الماضي، من أن جيش بلاده تلقى تعليمات بعدم تصعيد الأزمة مع قطر، مشيرًا إلى أن الطائرات العسكرية الإماراتية ستسلك مسارات بديلة فوق السعودية لتفادي احتمال أن تعترضها طائرات حربية قطرية.
التعليمات التي أشار إليها المسؤول العسكري دون الإفصاح عن الجهة التي وجهتها، تأتي في خضم شكاوى متبادلة بين الإمارات وقطر للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن انتهاكات جوية.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير كان له تصريح آخر في نفس المضمار، حيث كشف أن قطر “استجابت عمليًا” لبعض مطالب الرباعي، بينما ينتظر منها الاستجابة لمطالب أخرى تتعلق بمن أسماهم أعضاء المنظمات الإرهابية المتواجدين على أرضيها.
“الجبير” قال في لقاء متلفز مع فضائية “سي بي سي” نوفمبر الماضي، إن “إجراءات دول المقاطعة دفعت قطر إلى توقيع الاتفاقية مع الولايات المتحدة بشأن تمويل الإرهاب، والسماح للمسؤولين الأمريكيين بمراقبة البنوك القطرية، وتقليص دعمها للمنظمات المتطرفة في سوريا وليبيا، وتقليص دعمها لحركة حماس”.
اضف تعليقا