العدسة – معتز أشرف

التناقض سيد الموقف في التعامل مع حركة المقاومة الاسلامية “حماس” في مصر، فبينما تطلق أبواق الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي نيران الكراهية ضد الحركة من حين لآخر، يواصل القضاء المصري اعتبار حركة حماس عدوًّا للقاهرة، فيما تواصل المخابرات العامة استقبالها لوفود “حماس” رفيعة المستوى في عقر دارها، لبحث موضوع المصالحة الفلسطينية، ما يلقي بشكوك مستمرة في توتر العلاقات، رغم محاولات الاحتواء، خاصة أن بعض المعارضين يقول إن الديكتاتور السيسي معتاد على الغدر!.

استعداء قضائي!

وبينما كانت المؤشرات -بحسب مصادر قانونية أكدت لـ”العدسة” أن الامور كانت تتجه في الكواليس لضم القضيتين المعروفتين إعلاميا بـ”الهروب الكبير” في إشارة إلى فتح السجون، خاصة سجن وادي النطرون أثناء ثورة 25 يناير 2011، و”التخابر مع حماس”، وذلك بعد إقرار المصالحة الفلسطينية مباشرة لتخفيف التوتر الذي تسببه القضية إعلاميا في توصيف الحركة بشكل عدائي، رغم استقبال الأجهزة السيادية لكبار قياداتها بشكل رسمي، حيث تم إحضار القضيتين في نفس اليوم أكثر من مرة، وتجاوبت هيئة المحكمة مع مطالب  المحامي صبحي صالح، عضو مجلس نقابة محامي مصر السابق، والمتهم في قضية “التخابر مع حماس” لضم القضيتين، إلا أن الأمور استمرت على ما هي عليه رغم التسريبات التي وصلت من دوائر قضائية للعديد من المحامين عن ضم القضية وإغلاق ملف قضية التخابر مع حماس حفاظا على العلاقة مع الحركة الفلسطينية في هذه الأوقات، وواصلت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة، الأربعاء،  فض الأحراز في إعادة محاكمة الدكتور محمد مرسي، و23 متهما من قيادات وعناصر جماعة الإخوان في القضية المعروفة باسم “التخابر مع حماس”، وأسندت النيابة العامة للمتهمين، في هذه القضية التي تم قبول الطعن عليها من “محكمة النقض” أعلى محكمة في مصر، تهم إفشاء أسرار الأمن القومي لمنظمة أجنبية “حركة حماس”، والتنسيق مع تنظيمات العنف المسلح داخل مصر وخارجها في غزة  بقصد الإعداد لعمليات إرهابية داخل الأراضي المصرية -بحسب مزاعم النيابة- والتي نفاها المتهمون، مؤكدين أن القضية مسيسة وانتقامية من الدرجة الأولي.

ولم يكتف القضاء بهذه المحاولة المستمرة ضد حركة حماس، حيث أقيمت عدة دعاوى منذ عام 2015، من محامين معروفين بعلاقتهم مع الأجهزة الأمنية في مصر، تتهم “حركة حماس” وجناحها العسكري “كتائب القسام” بارتكاب أعمال إرهابية، وتطالب باعتبارها منظمة إرهابية، من بينها دعوى قضت محكمة الأمور المستعجلة في 31 يناير 2015 بقبولها واعتبار الحركة إرهابية، وفي 28 فبراير، من ذات العام حصل محاميان مؤيدان للسيسي، على حكم من الأمور المستعجلة (أول درجة) باعتبار “حركة حماس”، منظمة إرهابية، وفي يونيو من ذات العام، قضت محكمة ثاني درجة بإلغاء الحكم السابق.

عداء أمني!

وبرغم تعامل جهاز المخابرات العامة الإيجابي وفق معطياته وآلياته وخياراته مع حركة حماس، فعلى العكس تماما في جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، فشيطنة الحركة أحد الأدوات المتداولة بشكل شائع داخل الجهاز، ويتم السؤال عنها بشكل متكرر مع الموقوفين يشتبه تورطهم في عمليات عنف في سيناء بحسب مصادر قانونية تحضر مع المتهمين، كما يعمل الجهاز دائما على إصدار تعليمات واضحة للمؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة المحسوبة عليه لتشويه الحركة وفق جدول متابعاته بحسب مصادر إعلامية تعمل في بعض تلك المؤسسات .

وكان التصعيد الأبرز لوزارة الداخلية في مواجهةحماس“، عندما أعلن وزير الداخلية المصري اللواء مجدي عبدالغفار في العام 2016 عن تفاصيل ما سماه “عملية القبض على المتهمين باغتيال النائب العام، المستشار هشام بركات”، واتهم عناصر من “حركة حماس” بتدريب الذين اغتالوا النائب العام المصري، وهو ما استنكرته الحركة في وقته، واعتبر الناطق باسم الحركة سامي أبو زهري تلك التصريحات غير صحيحة، ولا تنسجم مع الجهود المبذولة لتطوير العلاقات بين “حماس” والقاهرة، على حد قوله.

تشويه إعلامي

تواترت الحملات الإعلامية الممنهجة ضد “حركة حماس” منذ وصول السيسي لسدة الحكم في 2014، وتعرضت طوال السنوات الماضية لهجوم إعلامي كبير على الفضائيات المصرية الرسمية والمقربة من النظام، بذات المضامين حتى بعد المصالحة الفلسطينية، وبنفس الاتهام ينسب الإرهاب المتصاعد في سيناء إليها، وهو ما تنفيه “حماس” دائما وتؤكد حرصها على السيادة المصرية على أراضيها، ويعبر الكاتب مكرم محمد أحمد، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام والصحافة، عن مواقف النظام والأجهزة الأمنية في الإعلام من” حماس” بوضوح، ويعتبر مؤشرًا لتوجه الإعلام -بحسب مراقبين- حيث قال في مارس 2017 : “إن حركة “حماس” موجودة في سيناء حتى تكون خنجرًا لطعن مصر في خاصرتها، ولمنع قيام الدولة الفلسطينية”، على حد زعمه، ثم أضاف بالتزامن مع المصالحة الفلسطينية في مقال بعنوانمن يثق فى حماس؟!” بجريدة الأهرام: “ما من سبب ملح يدعو المصريين إلى استئناف حوارهم مع حماس رغم كل ما فعلته ضد مصر وأمنها الوطني، سوى إحساس مصري مسؤول بأن توحيد مواقف حماس وفتح في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية يمكن أن يشكل حائط صد في مواجهة مخططات إسرائيل، ولا أعتقد أن المسؤولين عن المخابرات المصرية يمكن أن يصدقوا أسطورة المصالحة بين حماس وفتح بعد هذه التجارب العديدة الفاشلة التي أكدت أن خلاف حماس مع فتح خلاف جذري في الفكر والتطبيق يستحيل إصلاحه دون أن يتنازل أي منهما عن مجمل أفكاره؛ لأن حماس لا تريد وحدة الصف الفلسطينى ولا تريد دولة فلسطينية مستقلة، فقط تريد إمارة إسلامية تشكل خنجرا يطعن خاصرة مصر الأمنية”!.

استقبال “هنية”!

ورغم ذلك فإن استقبال السلطات المصرية، عبر بوابة المخابرات العامة للسيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بعد وضعه على قوائم الإرهاب الأمريكية  طرح مؤشرا إيجابيا لدى المراقبين الذين يرون محاولات مستمرة لاحتواء حركة حماس، خاصة بعد عودة السيد “هنية” على رأس وفد من حركته إلى قطاع غزة، الأربعاء، في ختام زيارة إلى القاهرة، التقى خلالها مسؤولين مصريين، بحسب ما أعلنت الحركة التي قالت في بيان صحفي أن وفد حركتها وصل إلى القطاع عبر معبر رفح، بعد زيارة “ناجحة” إلى العاصمة المصرية، التقى خلالها بالمسؤولين المصريين، وناقشوا التطورات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وملف المصالحة، إلى جانب العلاقة الثنائية على المستوى السياسي والأمني، بمشاركة عدد من قادة حماس في الخارج، وجاء ذلك بعد أن غادر السيد “هنية” قبل نحو أسبوعين على رأس وفد من حركته من غزة إلى القاهرة، في أول زيارة إلى خارج القطاع منذ بداية العام الحالي.

الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمحسوب على جهاز المخابرات العامة، وتعتبر مداخلاته الإعلامية في إطار المتفق عليه رسميا بحسب ما هو معروف عنه في الوسط الإعلامي المصري، أكد أن “قدوم إسماعيل هنية على رأس وفد حماس يعتبر ردًّا على إدراج اسمه ضمن قائمة الإرهاب التي وضعتها الولايات المتحدة مؤخرا، بالإضافة إلى التأكيد على حضور مصر واستمرارها في ملف المصالحة الفلسطينية بجانب عدة رسائل تقوم على “التأكيد على أن مصر مع قطاع غزة وأن مصر مستمرة ومهتمة بإتمام المصالحة”.

مستقبل التناقض !

د. صبحي عسيلة رئيس برنامج الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أشار في دراسة تحليلية نشرها المركز الحكومي تحت عنوان “مصر وحماس: من “تبريد” التوتر إلى “تدفئة” العلاقات”، إلى كم كبير من التناقضات التي رافقت العلاقة بين حماس ونظام السيسي، موضحا أن التوتر الحاد انعكس بين مصر وحماس في المرحلة التالية للإخوان، معترفا بوجود “هجوم إعلامي بشكل غير مسبوق تعرضت له حماس في الإعلام المصري”، إلا أنه يرى أن حماس نجحت في إجهاض التوتر والتعاطي بإيجابية وجدية في الوقت نفسه مع المطالب والرؤية المصرية، لإنقاذ العلاقة من المخاطر التي تحدق بها، محذرا من أن هناك محاولات لإبقاء العلاقة بين مصر وحماس في خندق التوتر، وإجهاض أية محاولات لتدفئة تلك العلاقة، بكل ما تحمله من مصالح إستراتيجية للطرفين.