العدسة – معتز أشرف
لم يكن حبر التقرير السنوي للمقرر الأممي الخاص المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان، مايكل فروست، جفّ بعد، والذي عبر فيه عن بالغ قلقه من تردي وضع المدافعين عن حقوق الإنسان وما يتعرضون له من انتهاكات مروعة، ولم تكن توقفت توابع زلزال النداءات الأممية العاجلة التي تصدرت بها مصر قائمة الانتهاكات في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، حتي أطلق النظام المصري سياط عدم اتزانه في وجه حقوقي جديد تنبأ ببدء قصف أمني ضد منصات الحقوقيين، كانت مؤسسته صاحبة دور ملحوظ في رصد وتوثيق العديد من الانتهاكات في عهد الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، وهو ما فجّر قلقا واسعا في أوساط الحقوقيين في مصر على ما تبقى لهم من وقت قصير خارج الأسوار أو المقابر، وفقًا لأكثر المتشائمين!
إنذار فروست!
المقرر الأممي الخاص المعني بالمدافعين عن حقوق الإنسان، مايكل فروست كان واضحا بما يؤدي إلى تسديد ضربة جديدة لانتهاكات نظام السيسي؛ حيث طالب فروست في تقريره السنوي حول المراسلات مع الحكومة المصرية، بفتح تحقيق فوري ونزيه فيما يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان من جرائم من جهات حكومية أو غير حكومية، ووقف تدهور الحالة الحقوقية في مصر، مؤكدًا في تقريره بالدورة السابعة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة حالياً في جنيف، ضرب المقرر الخاص عدة أمثلة عن وضع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، مثل الحقوقية عزة سليمان التي تعرضت لتضييق قانوني وإداري واعتقال واحتجاز تعسفي وتحرش ومصادرة للأموال ومنع من السفر، والمحامي جمال عيد لمصادرة أمواله، وغلق مكتبات الكرامة التي أنشأها، ومنعه من السفر بذريعة مخالفته لقانون التمويل الأجنبي وأعرب عن فزعه من الإخفاء القسري والمعاملة المهينة بحق كل من الدكتور أحمد عماشة، والمحامي إبراهيم متولي؛ لتعاونهما مع مجموعة العمل الأممية المعنية بالاختفاء القسري، فيما حمل المسؤول الأممي الحكومة المصرية المسؤولية عن إيجاد بيئة آمنة ومواتية تمكن الحقوقيين من القيام بعملهم، مذكرًا بأن هذه المسؤولية تشمل حمايتهم من أي إجراء انتقامي نتيجة تعاونهم مع الأمم المتحدة أو منظمات حقوق الإنسان الدولية.
صاحب النبوءة!
وجاء الرد سريعا من نظام السيسي، حيث سدد ضربته ضد المحامي والحقوقي مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات عزت غنيم الذي كان من أواخر ما دونه علي صحفته الرسمية علي موقع فيس بوك معلومات عن القمع القادم ضد الحقوقيين:”النظام يفعل كل ما يستطيع لتبيض وجهه قبل المراجعة الدورية لملف حقوق الإنسان المصري في الأمم المتحدة في نوفمبر 2019، هذه الفترة ستكون الأكثر انتهاكا وتزييفًا، وتشويهًا للعمل الحقوقي”، ووقعت نبوءته سريعا حيث تعرض للاخفاء القسري بعد توقيفه دون إعلان رسمي، وفوجئت الأوساط القانونية والحقوقية في وقت متأخر من مساء الخميس عن تدوال أنباء عن خطف الأجهزة الأمنية لـ”غنيم”، حتي أعلنت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات رسميا انقطاع التواصل معه من الساعة 6:30 مساء يوم الخميس 1 مارس، بجوار منزله بالهرم ومازال مكان تواجده مجهولًا، معربة عن خشيتها من تعرضه لأذى بقولها: ” في ظل الظروف الأمنية الراهنة تتصاعد التخوفات على سلامته الشخصية ومن إمكانية تعرضه للاعتقال، وهو ما تأكد فيما بعد بحسب مصادر حيث أنكرت أقسام الشرطة في محيط مكان الاختطاف تواجد “غنيم” لديها، وهو السيناريو المتكرر في عمليات الإخفاء القسري في مصر، والذي حذر منه نشطاء ومغردون وحقوقيون تحت وسم ” #عزت_غنيم_فين”.
عرقلة مستمرة !
منظمة العفو الدولية من جانبها اتهمت في تقرير(2017 – 2018 ) حول الانتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر نظام السيسي بـ”استمرار إعاقة عمل المدافعين عن حقوق الإنسان بطريقة لم يسبق لها مثيل في إطار جهودها التي لا تكل لإسكات كل الأصوات المنتقدة، حيث أغلقت السلطات “مركز النديم”، وهو منظمة غير حكومية تقدم الدعم لضحايا التعذيب والعنف، فيما استمرت التحقيقات الجنائية فيما يُسَمَّى “القضية 173″، التي تشمل العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، واستدعى قضاة التحقيق ما لا يقل عن 26 شخصاً إضافياً من المدافعين عن حقوق الإنسان، والعاملين في المنظمات غير الحكومية، للاستجواب خلال العام؛ ليصل العدد الإجمالي لمن استُدعُوا أو حُقِّقَ معهم في القضية إلى 64 شخصاً منذ عام 2013، وقد استُجوِبُوا فيما يتصل بتهم من بينها “تلقي تمويل أجنبي للإضرار بالأمن الوطني المصري”، وهي تهمة تندرج ضمن المادة 78 من قانون العقوبات وتبلغ عقوبتها القصوى السجن 25 عاماً وأمر قضاة التحقيق كذلك بمنع ثلاثة أشخاص إضافيين من السفر، وبذلك وصل العدد الإجمالي للمدافعين عن حقوق الإنسان الممنوعين من السفر خارج مصر إلى 25 شخصاً، كما أمرت إحدى المحاكم بالتحفظ على أموال المنظمتين غير الحكوميتين: “نظرة للدراسات النسوية”، و”المنظمة العربية للإصلاح الجنائي” ومديريهما، كما وقع السيسي قانوناً جديداً شديد الصرامة يمنح السلطات صلاحيات واسعة تتيح لها منع تسجيل المنظمات غير الحكومية، وحلها، وحل مجالس إدارتها ويقضي القانون أيضاً بالسجن خمس سنوات عقاباً على نشر بحوث دون إذن حكومي.
كما رصدت هيومان رايتس ووتش في تقريرها السنوي مطلع العام عن مصر اعتقال قوات الأمن حنان بدر الدين، المشاركة في تأسيس “رابطة أسر المختفين قسريا”. وكذلك المحامي إبراهيم متولي، المشارك في تأسيس الرابطة نفسها، لما كان مسافرا لاجتماع لـ “فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاختفاء القسري وغير الطوعي” في جنيف ، كما استمر التحقيق ضد المحامي الحقوقي البارز نجاد البرعي ومعرض لعقوبة سجن مطولة جراء اتهامات منها العمل بأنشطة حقوق الإنسان دون ترخيص والحصول على تمويلات أجنبية.
وفي تقرير لشبكة “فرونت لاين ديفندرز“ تحت عنوان “تزايد المضايقات القضائية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان”أكد حدوث ذلك عقب النداء الأخير الذي وجهه العديد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني للاحتجاج يوم 25 أبريل 2016 ضد انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم التي ترتكبها قوات الأمن، وسياسات النظام الحاكم، وقرار الحكومة الأخير بالتنازل عن جزيرتين في البحر الأحمر للمملكة العربية (السعودية)، حيث كان المدافعون عن حقوق الإنسان؛ ومنهم نجاد البرعي رئيس وحدة الشؤون القانونية في “المجموعة المتحدة “، ومحمد ناجي مدير قسم الحقوق والحريات الطلابية في مؤسسة حرية الفكر والتعبير (AFTE)، وسناء سيف العضو البارز في “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين” ومالك عدلي ومدير بشبكة المحامين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (ECESR)، وهيثم محمدين المحامي والمدافع عن حقوق العمال أهدافا مباشرة لقوات الأمن التي وجهت إليهم تهماً في قضايا منفصلة، وأعربت الشبكة عن قلقها العميق إزاء حملة القمع التي تشنها الحكومة المصرية على المدافعين عن حقوق الإنسان وإزاء تجريم المجتمع المدني، داعيةً إلى وضع حد فوري لاضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان.
مستقبل الانتقام!
وبحسب المراقبين فإن التصعيد الانتقامي بات سيد الموقف في المشهد المصري، في مواجهة القادرين علي النقد وكشف الانتهاكات، بحيث تأتي الجولة المعروفة نتائجها مسبقا في انتخابات الرئاسة في الشهر الجاري دون أي صوت ناقد أو معارض، وبالتالي فسيطول الأمر الحقوقيين كما طال باقي العناصر المؤثرة في المعارضيين والصحفيين وأصحاب الرأي في الفترة المقبلة حتي 2019 موعد عرض ملف مصر في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ويمكن فهم ذلك في إطار التصريحات الغاضبة التي أطلقها السيسي خلال المؤتمر المشترك مع الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، عن ملف حقوق الإنسان في مصر مؤخرا حيث رد على سؤال لأحد الصحفيين ، قائلًا: “مبتسألوش ليه عن حقوق الإنسان في التعليم، معندناش تعليم كويس، وحقوقهم في العلاج، مفيش علاج جيد في مصر، مبتسألنيش ليه عن حق التشغيل وحق الإسكان والوعي الحقيقي.. إحنا معندناش كل ده” فيما تجاهل الرد علي انتهاكات القبض التعسفي والقتل خارج إطار القانون والمحاكمات غير العادلة والتمييز ضد المرأة وانتهاك استقلال القضاء واستمرار جرائم الإخفاء القسري!، وهو ما وثقته منظمة هيومن رايتس ووتش في آخر تقاريرها عن مصر في 26 فبراير الماضي، وأضافت في تقريرها: “يشكل إسكات مصر للأصوات المنتقدة وأحزاب المعارضة انتهاكا للدستور الذي يضمن حرية الفكر والرأي يتجاهل التزامات مصر على الصعيدين الإقليمي والوطني، ولا يقوض سيادة القانون فحسب، بل يمكنه أيضا أن يزيد من عدم الاستقرار، الذي تستخدمه الحكومة المصرية لتبرير مزيد من القمع”.
اضف تعليقا