في ليلة السبت الماضي، غمرت الأضواء الخضراء للعلم السعودي ملعب ويمبلي في لندن حيث أدى المغني راشد الماجد النشيد الوطني للمملكة أمام حشد من 96000 شخص.
رن النشيد قبل نزال الوزن الثقيل بين أنتوني جوشوا ودانييل دوبوا، وهو حدث تم الترويج له تحت لافتة موسم الرياض في المملكة المتحدة، وكان من بين الحاضرين بالطبع تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه والقوة الدافعة وراء استثمارات الملاكمة السعودية.
كانت لحظة سريالية – المرة الأولى التي يتم فيها عزف النشيد الوطني السعودي في حدث للملاكمة على الأراضي البريطانية – وإشارة واضحة إلى نفوذ المملكة المتزايد على كل من الملاكمة والمشهد الرياضي الأوسع في المملكة المتحدة.
في الوقت نفسه، أصدر تركي آل الشيخ قرارًا بمنع الصحفي الرياضي في صحيفة التلغراف أوليفر براون من تغطية المباراة بسبب مقال سابق له انتقد فيه النظام السعودي وسياسة الغسيل الرياضي الذي يعتمدها لتلميع صورته والتغطية على جرائمه، وبالفعل استجابت اللجنة المنظمة ومنعت براون من دخول المباراة.
في أعقاب مقال لاذع بعنوان “جوشوا-دوبوا تمرين رياضي صريح يحول لندن إلى ديزني لاند سعودية” نُشر يوم الجمعة الماضي، تلقى براون رسالة بريد إلكتروني من مسؤول تنفيذي كبير في العلاقات العامة لم يُذكر اسمه، لكنه حضر المباراة، جاء فيها: “هل أفترض من آرائك أنك لم تعد ترغب في الحضور لأنك بوضوح لا توافق على مساهمات المملكة العربية السعودية في رياضة الملاكمة؟”
وبحلول الوقت الذي وصل فيه براون إلى الحدث في اليوم التالي، قيل له إن اعتماده قد تم سحبه، وتعليقًا على ذلك، قال براون إنها كانت المرة الأولى في حياته المهنية التي استمرت 20 عامًا التي يُمنع فيها من تغطية حدث رياضي. ومع ذلك، كان الأمر الأكثر إزعاجًا هو أن هذا الهجوم الصارخ على الصحافة البريطانية لم يحدث إلا بسبب النفوذ المتزايد لنظام قمعي داخل المملكة المتحدة.
جاء في المقال الذي تسبب في حرمان براون من دخول المباراة “في طريق العودة إلى ويمبلي، حيث كانت هناك لوحة إعلانية عملاقة كُتب عليها “Visit Saudi”، بالقرب من كشك يدعو المشجعين “لتوثيق لحظاتهم السعودية” من خلال تجربة القهوة الشرق أوسطية التقليدية… تساءلت كيف وصل الأمر إلى هذه النقطة – حيث تم منح الدكتاتورية الوحشية وزعمائها الضعفاء تفويضًا مطلقًا، تحت الولاية القضائية البريطانية، لقمع الصحافة الحرة.
هذه هي العواقب الوخيمة لمحاولة كسب ود النظام السعودي… ما الذي يمنع النظام السعودي من امتلاك الرياضة كذلك طالما أنه يشتري أسلحته من حكوماتنا التي تعتبر من كبار مشتري النفط السعودي.. من المؤكد أنه من الطبيعي أن يسجد الملاكمون ولاعبو الجولف ونادي نيوكاسل يونايتد أمام السعوديين وصندوق ثرواتهم السيادية اللامحدود مقابل كل هذه الأموال!”
وكما ذكر براون أعلاه، فإن الملاكمة ليست الرياضة الأولى التي حاولت المملكة الاستحواذ عليها. فمنذ عام 2016، أنفقت المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات على الأحداث الرياضية والترفيهية الدولية البارزة. وتشكل الاستثمارات الاستراتيجية جزءًا من الخطة الرئيسية “رؤية 2030” للمملكة والتي تهدف إلى تقليل اعتماد المملكة العربية السعودية الاقتصادي على النفط، ولكنها تعمل أيضًا كاستراتيجية متعددة الجوانب للقوة الناعمة تشمل تعزيز السياحة وغيرها من القطاعات الاقتصادية والدبلوماسية وغسيل السمعة.
ومع ذلك، على عكس الرياضات الأخرى التي استثمرت فيها المملكة العربية السعودية – مثل كرة القدم والسباق والجولف – عانت الملاكمة من عقود من الصراعات الداخلية بين المنظمين والمنظمات المتنافسة التي تنظم مبارياتها الخاصة ونادراً ما تتعاون لخلق أكثر المعارك تنافسية وجاذبية. وقد دفع هذا التشرذم المشجعين والخبراء إلى الادعاء بشكل متكرر بأن الرياضة “تموت”، خاصة مع صعود الرياضات القتالية الأكثر مركزية مثل بطولة القتال النهائي (UFC) التي اكتسبت شعبية كبيرة.
وهنا تدخل تركي آل الشيخ في المشهد.
كان للسياسي غريب الأطوار والمقرب من الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، تأثير هائل على الملاكمة في السنوات الأخيرة، فقد موّل بعضًا من أبرز نزالات الوزن الثقيل وكسر الجمود التفاوضي من خلال تقديم مبالغ ضخمة من المال. وقد جعله نجاحه كمروج أحد أقوى الشخصيات في هذه الرياضة، بل ويشير إليه المشجعون ووسائل الإعلام على حد سواء باسم “صاحب السعادة”، وهو اللقب الذي يؤكد “عبادة” الجميع لشخصه.
لقد خنقت عبادة شخصية آل الشيخ المتوسعة الانتقادات داخل الملاكمة، فالمشجعون على استعداد للتغاضي عن السلوك المزعج طالما أنه يستمر في تقديم مباريات مثيرة، في حين غالبًا ما يؤطر الصحفيون، الحريصون على الحفاظ على وصولهم النقدي، الرواية لصالحه. وفي الوقت نفسه، تنشر المملكة العربية السعودية شبكة واسعة من شركات العلاقات العامة والمديرين التنفيذيين لتعزيز أجندتها السياسية من خلال الرياضة، مثل المدير التنفيذي الكبير الذي لم يتم الكشف عن اسمه والذي منع براون من حضور الحدث يوم السبت.
ما حدث في تلك المباراة يُعد بمثابة تذكير آخر بكيفية استغلال المملكة العربية السعودية للرياضة ليس فقط لإعادة تشكيل صورتها العالمية، بل وأيضًا للسيطرة بشكل صارم على “الرواية” التي تتحدث عن المملكة.
من الجدير بالإشارة إليه، أنه في العام الماضي، نشرت أنا وطارق بانجا مقالًا في صحيفة نيويورك تايمز قدمنا فيه لمحة نادرة عن الصفقات الرياضية للمملكة العربية السعودية، مع التركيز على شراكتها مع أيقونة كرة القدم ليونيل ميسي، وكان أحد الاكتشافات الرئيسية في المقالة بندًا في عقد ميسي بقيمة 25 مليون دولار يحظر عليه الإدلاء بأي تصريحات من شأنها “تشويه” صورة المملكة العربية السعودية.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا