العدسة _ جلال إدريس
لا تتوقف دولة “الإمارات” عن ألاعيبها الحقوقية المفضوحة، عن طريق الإعلان عن تشكيل “جبهات أو مبادرات” وهمية، في عدد من الدول الأوروبية، تستغلها دائما في إصدار بيانات موجهة لخدمة أهداف سياسية معينة، دون أن يكون لها أي وجود حقيقي على أرض الواقع.
“الحرب على الإرهاب ومكافحته” هي أبرز القضايا التي تتبناها “الشخصيات والمنظمات الوهمية” الممولة إماراتيا، والتي غالبا ماتزج بأسماء دول معارضة لسياستها في تلك البيانات كـ”قطر وتركيا” وغيرهما.
آخر تلك المبادرات الوهمية على الإطلاق، هي ما أعلنت عنه ما تعرف بـ “مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، التحالف الدولي للسلام والتنمية”، حيث أعلنت عن تدشين مبادرة تحت شعار “اتحدوا من أجل السلام”، تحت مزاعم فضح الدول الراعية للإرهاب والجماعات المتطرفة، وعرض أفلام تسجيلية قالت إنها تكشف تقديم عدد من دول المنطقة مثل قطر وتركيا وغيرهم، الدعم للجماعات الإرهابية، سواء عبر المال، أو الدعم اللوجستي، أو تكريس منابر إعلامية لخدمة أفكارهم المتطرفة.
وزعمت “مؤسسة ماعت” أن نحو 40 منظمة حقوقية وتنموية من 23 دولة، انضموا لهذا التحالف المزعوم، وقاموا بتنظيم وقفات احتجاجية، أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف، على هامش اجتماعات الدورة 37 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف.
وبحسب مراقبين، فإن المنظمات الوهمية والمبادرات الخادعة التي تتبناها الإمارات وترعاها أسفل الطاولة، ليست في حقيقة الأمر، سوى منظمات أمنية استخباراتية في ثوب منظمات حقوقية.
منظمات وهمية
ومع تتبع دقيق لهذا التحالف، تبين وهمية المبادرة من الأساس، فضلا عن وهمية التحالف الذي انبثق عن المبادرة، وكذلك وهمية الوقفات الاحتجاجية التي نظمها التحالف.
كما تبين أنه تم الزج بأسماء لمنظمات وهمية غير موجودة على أرض الواقع، وكذلك الزج بأسماء منظمات حقيقية، لكن دون أن يتم أخذ موافقتها على دعم تلك المبادرة.
فعلى سبيل المثال، فإن “الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان” التي ادعت “مؤسسة ماعت” أنها مشاركة في التحالف الحقوقي لفضح الدول الراعية للإرهاب، لم توقع أصلا على مبادرة “التحالف”.
وأكدت مصادر بالجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، أنها لم تشارك في نشاطات تلك المؤسسة، ولم توقع على بيانات حقوقية تدين دعم “قطر أو تركيا” للإرهاب، بحسب مزاعم “مؤسسة ماعت”.
أيضا فإن كثيرا من أسماء المؤسسات الحقوقية الداعمة لتلك المبادرة، هي منظمات وهمية لا أصل لها كـ “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا”، وهي مجرد منظمة وهمية أنشأتها الإمارات بغرض استخدامها لأهداف سياسية ومهاجمة خصومها، مستغلة في ذلك اسم المنظمة الحقوقية الشهيرة “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا”، وذلك بإضافة كلمة أوروبا إلى الاسم الأصلي بهدف التضليل.
وقفات احتجاجية كاذبة
فضيحة أخرى تورطت فيها “مؤسسة ماعت”، وكشف عنها المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، حيث تبين أن “ماعت” روجت لوقفة احتجاجية وهمية قالت إنه تم تنظيمها أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف ضد قطر وتركيا.
وزعم تحالف “ماعت” المزعوم، أنه نظم عددا من الوقفات الاحتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة بجنيف، على هامش اجتماعات الدورة 37 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف بوصفه أحد أهم المنتديات الأممية المعنية بقضايا السلام وحقوق الإنسان، والمنعقدة حاليا وتستمر حتى منتصف مارس المقبل.
ومع تتبع دقيق لحقيقة ما جرى، تبين أن عبدالرحمن نوفل -رئيس ما تعرف باسم “المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وأوروبا، وهي منظمة وهمية كما ذكر سابقا- قام بخداع الإمارات عن طريق ادعائه تنظيم وقفة احتجاجية مزعومة ضد قطر وتركيا في جنيف.
وقال “المجهر الأوروبي” في بيان له، إن “نوفل” وهو سوري الجنسية، استغل وقفة لعدد محدود من المواطنين الأكراد ضد النظام التركي، وعمد إلى رفع لافتتين ضد قطر، ليدعي أن الوقفة مناهضة للدوحة وأنقرة معا.
وذكر المجهر أن “نوفل” استغل الوقفة لتنظيم “بي بي كي” الكردي، حضرها عشرة أشخاص، وحمل لافتة ضد قطر، ملتقطا صورة له، ثم وزع خبرًا بوقفة احتجاجية ضد قطر، علما أنه اختلس مبلغ 50 ألف يورو، دفعتها له الإمارات لتنظيم فعاليات ضد الدوحة.
وأشار المجهر إلى أن ذلك جاء بعد فشل ندوة نظمها “نوفل” أول أمس الخميس في جنيف بالتعاون مع الأكراد لإصدار مواقف مهاجمة لكل من قطر وتركيا، لكنها منيت بفشل ذريع، بحيث لم يحضرها سوى ثلاثة أشخاص.
مؤسسة “ماعت” وتمويل أبو ظبي
وبعيدا عن “المنظمات الوهمية” التي ترعاها “مؤسسة ماعت”، فإن المؤسسة نفسها بات يدور حولها كثير من الشبهات، بعدما سخرتها الإمارات للمشاركة في “حصار قطر” وتبيض صفحة دول الحصار، كمصر والسعودية والإمارات والبحرين.
ورغم أن “مؤسسة ماعت” تأسست في مصر، مطلع 2005، كمنظمة مجتمع مدني غير حزبية وغير هادفة للربح، إلا أن المنظمة أصبحت بوقا من أبواق الإمارات في أوروبا، بعد شرائها لصالح اللوبي الإماراتي.
الحقوقي المصري البارز “جمال عيد” مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، كان قد فضح في تصريحات سابقة علاقة الإمارات بمؤسسة ماعت، حيث اتهم “عيد” أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت، بالتورط في الحصول على تمويل إماراتي مشبوه، كون الشبكة الدولية هي الشريك المحلي لمؤسسة ماعت.
“عيد” وصف “ماعت”، بأنها “ليست منظمة صاحبة مصداقية كبيرة؛ لسبق تعاملها مع نظام مبارك، الذى من شأنه وضع علامات الاستفهام حولها”، فضلاً عن أنها “غير واضحة التوجهات، بالإضافة إلى تمويلاتها غير المعروفة، سواء من خلال تعاملها مع الشبكة الدولية أو غيرها”، على حد تعبيره.
فضائح “عقيل” التي لا تنتهي
ويعد مؤسس ورئيس “ماعت” واحدًا من أكثر المثيرين للجدل في اللوبي الإماراتي، حيث استطاع الشاب الصاعد بسرعة الصاروخ في مجال حقوق الإسان، أن يصنع لنفسه مكانة في اللوبي “الإماراتي الدولي”، ليحل محل “أساتذته” من المغضوب عليهم في مقصلة المجتمع المدني، ومن انتهى دورهم بفضيحة المجلس الدولي.
المحامي بالنقض، الذي بدأ بداية متواضعة لمؤسسته الناشئة، كان طموحًا إلى حد كبير، وساعدته الظروف في اختفاء شخصيات لطالما كان لها الثقل في هذا المضمار، ليبرز اسمه بقوة في الفترة الأخيرة، فيما بدا وكأنه إعداد لما هو قادم.
“عقيل” فتحت له “الإمارات” أبواق الأذرع الإعلامية في كل من “القاهرة وأبو ظبي” حيث أصبح “عقيل” نجما في وسائل الإعلام، وبات يسلط اتهاماته الوهمية لزملائه الحقوقيين في مصر ويشكك في نزاهتهم واتهامهم بالعمالة لقطر وللإخوان.
المضحك في الأمر أن “عقيل” نفسه، اعترف في تصريحات سابقة أنه يتلقى تمويلًا أجنبيًّا من 18 جهة دولية لكن بموافقة أمنية.
وإلى جانب دعمه “أبو ظبي” في الملفات الحقوقية بالأمم المتحدة، فإن الرجل لايتوقف عن دعم وتأييد السيسي ونظامه، وتبرير انتهاكات نظام الانقلاب العسكري في مصر.
ولذلك كان الرد من قبل السلطة على كل تلك القرابين غير المجانية، باستثناء “ماعت” من مقصلة المجتمع المدني؛ كونها المنظمة الوحيدة التي تم حفظ التحقيقات معها في قضية التمويل الأجنبي، رغم ورودها في لائحة الاتهام.
وكان “عقيل” على موعد مع فضيحة، عندما تعرضت الشبكة الدولية للحقوق والتنمية، ومقرها النرويج، لحملة أمنية في يونيو 2015، أسفرت عن اعتقال رئيسها “لؤي محمد ديب” فلسطيني الجنسية، بتهمة غسيل الأموال.
خيوط المعادلة تتشابك وتتضح بصورة جلية، عندما تكشف تقارير إعلامية فلسطينية، أن “ديب” مقرب من القيادي الفتحاوي المفصول “محمد دحلان” الذي يعمل كمستشار أمني لولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد.
اضف تعليقا