في تصريحٍ مثير للجدل، أفاد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بأنه لا يهتم شخصياً بالقضية الفلسطينية، وذلك خلال حديثه مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن.
وقد أثار هذا التصريح نقاشات واسعة حول موقف المملكة من القضية الفلسطينية، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة والتوترات المستمرة في المنطقة ويأتي هذا الحديث في إطار جهود الولايات المتحدة للتوسط في تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، التي شهدت تعقيدات كبيرة بعد اندلاع الحرب في غزة.
التقرير الذي نشرته مجلة “ذا أتلانتيك” يُظهر أن الولايات المتحدة قد بذلت جهوداً حثيثة خلال الـ 11 شهراً الماضية للتفاوض في المنطقة. اللقاء الذي جرى في يناير الماضي في مدينة العلا السعودية بين بلينكن وولي العهد كان يهدف إلى استكشاف إمكانية تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، وسط تصاعد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات تُظهر بعض التقدم، جاء اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول ليعقد الأوضاع ويدفع بالمناقشات إلى طريق مسدود.
خلال هذا الاجتماع، عبر ولي العهد عن رغبته في تحقيق الهدوء في غزة، مشيراً إلى أهمية إيجاد حل دائم للنزاع. ولكن بلينكن تساءل عن مدى قدرة السعودية على قبول عودة الضربات الإسرائيلية إلى غزة بشكل دوري، ليأتي رد ولي العهد ليعكس توازناً بين المصالح الوطنية والرغبات الشعبية، حيث قال: “يمكنهم العودة بعد ستة أشهر أو عام، ولكن ليس في نهاية توقيعي على شيء كهذا”.
تناقض بن سلمان
الأسئلة التي طرحها بلينكن تعكس قلق الولايات المتحدة حول ردود الفعل الشعبية في العالم العربي، والتي يمكن أن تؤثر على المفاوضات. محمد بن سلمان أكد خلال حديثه أن 70% من سكان المملكة هم تحت سن الثلاثين، وأن هذه الشريحة لم تعش الكثير من الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
ما يعني أنهم يتعرفون عليها من خلال النزاع الحالي فقط. وأضاف: “هل أهتم شخصياً بالقضية الفلسطينية؟ أنا لا أهتم، ولكن شعبي يهتم، لذا فأنا بحاجة إلى التأكد من أن هذا الأمر له معنى”.
وعلى الرغم من التصريحات الشخصية لولي العهد، فإن موقف الحكومة السعودية يبقى ثابتاً فقد أعلن محمد بن سلمان في كلمته أمام مجلس الشورى أن المملكة لن تطبع العلاقات مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية ذات عاصمة في القدس الشرقية.
هذا التصريح يوضح أن هناك تناقضاً بين المصالح الشخصية للقيادة السعودية ومتطلبات الشعب السعودي، الذي يبدي دعماً كبيراً للقضية الفلسطينية.
الساعي وراء التطبيع
بحسب تقرير “ذا أتلانتيك”، فإن المملكة تسعى، مقابل اتفاق التطبيع مع إسرائيل، إلى الدخول في معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة. هذا الاتفاق يتطلب تصديق ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو ما أشار إليه ولي العهد بأنه قد يتم تحت إدارة بايدن. ويُعزى ذلك جزئياً إلى الرغبة الأمريكية في كسب دعم التقدميين إذا تم تضمين إقامة دولة فلسطينية كجزء من الصفقة.
لكن محمد بن سلمان لم يخفِ مخاوفه من العواقب التي قد تترتب على سعيه للتطبيع. فقد أشار إلى أن الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل قد يكلفه الكثير من المال الشخصي، مُستشهداً بمثال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات الذي اغتيل بعد سنوات من توقيعه اتفاق سلام مع إسرائيل.
وأبدى قلقه بشأن المخاطر السياسية والاجتماعية التي قد تواجهه في حال مضى قدماً في هذه المفاوضات، قائلاً: “نصف مستشاري يقولون إن الصفقة لا تستحق المخاطرة، وقد ينتهي بي الأمر إلى الموت بسبب هذه الصفقة”.
التضامن الشعبي مع فلسطين
استطلاعات الرأي خلال مراحل الحرب أظهرت أن أكثر من 90% من السعوديين يعتقدون أنه ينبغي على الدول العربية قطع علاقاتها مع إسرائيل. هذا الوضع يعكس عمق المشاعر الشعبية تجاه القضية الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، وُجهت انتقادات للحكومة السعودية بسبب الحملة الصارمة على أي تعبير عن التضامن مع فلسطين، حيث وردت تقارير عن اعتقالات لأشخاص عبّروا عن آرائهم حول النزاع على وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى لارتدائهم الكوفية الفلسطينية في الأماكن العامة.
الخلاصة أنه بين التصريحات الشخصية للقيادة والمطالب الشعبية، يبدو أن السعودية تواجه تحديات كبيرة في موقفها من القضية الفلسطينية. التصريحات الأخيرة لمحمد بن سلمان تعكس مدى تناقضه ونفاقه وخوفه أيضًا من ردة فعل الشعب السعودي الذي يرفض النهج المطبع ولا يخشى القبضة الأمنية.
اقرأ أيضًا : اللعنة والنعمة.. ما هي دلالات كلمة رئيس الاحتلال نتنياهو أمام الأمم المتحدة؟ وما علاقة بن سلمان؟
اضف تعليقا