العدسة – منصور عطية
وكأنها صفعة تلقتها دولة الإمارات العربية التي رأت في المساجد سببًا لانتشار الإرهاب والتطرف، بعد دعوات ومطالبات رسمية عدة بتشديد الرقابة على المسلمين في ألمانيا على مدار الأعوام الماضية.
تقرير ألماني رد بقوة على مزاعم الإمارات، وكشف أن المسلمين هناك ضحايا معتدى عليهم، وليسوا إرهابيين كما ترى أبو ظبي دوما.
الأرقام تفضح الإمارات
وثّقت السلطات الألمانية 950 هجومًا على الأقل على مسلمين ومنشآت إسلامية مثل المساجد في عام 2017، وفق تقرير نقلته صحيفة “نويه أوسنابروكنر تسايتونغ” عن بيانات لوزارة الداخلية الألمانية.
الاعتداءات التي كانت بمعدل 2.6 اعتداء يوميا، قالت وزارة الداخلية الألمانية إنها أسفرت عن إصابة 33 شخصا في الهجمات التي كان 60 منها موجها ضد مساجد ونُفذ بعضها بدماء خنازير.
وأظهرت البيانات أن كل مرتكبي تلك الهجمات تقريبا من المتطرفين اليمينيين، بينما قال “أيمن مزيك” رئيس المجلس المركزي للمسلمين إن “عدد الهجمات على الأرجح أعلى من ذلك بكثير؛ نظرا لعدم إبلاغ الضحايا في أحيان كثيرة عنها”.
وعلى الرغم من المسؤولية الواضحة وفق التقرير الرسمي للمسيحيين اليمينيين المتطرفين، إلا أن أحدا لم يسمع لقادة ومسؤولي دولة الإمارات صوتا يدين الإرهاب المسيحي، كما علا صوتهم دوما في إدانة ومحاربة الإرهاب المرتبط بالمسلمين.
ليس هذا فحسب، بل إنهم دأبوا على التحريض ضد المسلمين في أوروبا والدعوة إلى تشديد مراقبتهم ومراقبة المساجد التي يرتادونها باعتبارها مفرخة للإرهاب والإرهابيين.
آخر ملامح تلك المؤامرة الكبرى على المسلمين ووصمهم بالإرهاب من دولة يفترض أن الإسلام دينها الرسمي ويعتنقه مواطنوها جميعا، كانت تصريحات صحفية لوزير التسامح الإماراتي نهيان مبارك في نوفمبر الماضي.
المفارقة أيضا أن تلك التصريحات كانت لوكالة الأنباء الألمانية، انتقد خلالها الوزير “إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا مما أدى إلى وقوع هجمات إرهابية”، مشددا على ضرورة إقرار تراخيص لأئمة المساجد فلا أحد “يذهب إلى كنيسة ويخطب فيها ببساطة”.
وربط بين تطرف بعض المسلمين في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا بـ”عدم وجود رقابة كافية من السلطات على المساجد والمراكز الإسلامية”، متابعا: “الدول الأوروبية كانت حسنة النية عندما سمحت لهؤلاء الناس بإدارة مساجدهم ومراكزهم الخاصة”، لكنه وفي المقابل “يتعين تدريب القادة الدينيين وأن يكونوا على دراية جيدة بالإسلام وأن يحملوا ترخيصا بإلقاء خطب في المساجد”، مشيرا في ذلك إلى أنه لا يمكن لأحد في أوروبا أن يذهب إلى كنيسة ويخطب فيها ببساطة.
لكن الطامة الكبرى ليست في حديث مسؤول بمستوى وزير، لكن وردت على لسان رأس الدولة وحاكمها الفعلي ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، قبل الآن بثلاثة أعوام.
نائب المستشارة الألمانية ووزير الاقتصاد “زيجمار جابرييل” – الذي يشغل حاليا منصبب وزير الخارجية – قال في تصريحات إن ولي عهد أبو ظبي طلب منه “عدم التغافل عن الشباب المسلم في المساجد الألمانية”، ونصح بتشديد الرقابة عليهم.
ونقل عن “ابن زايد” قوله: “يتعين على المجتمع الألماني أن يكون متيقظا لمن يخطب في المساجد، وماذا يخطب، ولا يجوز أن يكون خطباء من باكستان أو أي دولة معينة في الأرض هم الخيار الوحيد أمام المسلمين في ألمانيا للاستماع إليهم”.
وعلى هذا النحو تبين أن الحقيقة التي كشفها التقرير ترد بمنتهى القسوة على ابن زايد وأتباعه، بلسان حال يقول إن المسلمين في ألمانيا ضحايا وليسوا جناة، ومعتدى عليهم لا إرهابيين.
ألمانيا تطبق النصيحة!
التطبيق العملي السريع لنصائح ولي عهد أبو ظبي، أسفر عن ارتفاع موجة انتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين في ألمانيا، متزامنة مع حملات أمنية غير مسبوقة.
“هيئة حماية الدستور” في ألمانيا، أعلنت في مايو 2016، أنها بدأت بمراقبة نحو 90 مسجدًا في أنحاء البلاد، وأعرب رئيسها “هانز ماسن”، عن قلق بلاده “من وجود جمعيات إسلامية متشددة تتبعها مساجد معينة”.
ووفق تقارير إعلامية، فإن مؤسسات حقوقية حذرت من تداعيات انتشار خطاب الكراهية ضد المسلمين في الغرب وخاصة ألمانيا، واتساع رقعة الإسلاموفوبيا وتأثيرها على المسلمين في أوروبا.
يتزامن الإعلان مع استطلاع حديث للرأي أظهر أن حظر ارتداء الحجاب للفتيات المسلمات في المدارس الألمانية “سيكون محل ترحيب أكثر من نصف المواطنين الألمان”.
الاستطلاع، الذي أُجري بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية الرسمية (د.ب.أ) كشف أن 51 % من الألمان يرون أنه “يتعين بصورة مبدئية حظر ارتداء الحجاب لأسباب دينية في المدارس”.
وفي المقابل، رأى 30 % ممن شملهم الاستطلاع الذي أجراه معهد “يوغوف” لقياس مؤشرات الرأي، أنه ينبغي الاستمرار في السماح بارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس.
أبو ظبي تعبد “رام”!
مفارقة أخرى ليست في سياسة الإمارات الخارجية بهذا الشأن بل في عمق سياستها الداخلية، فبينما افتتحت خلال فبراير الماضي أول معبد هندوسي في أبو ظبي، تمارس تضييقات واسعة ضد المساجد ومرتاديها.
حفل الافتتاح شهد فضيحة من العيار الثقيل، حين استهل الكاتب الإماراتي “سلطان بن سعود القاسمي” ممثل حكومة الإمارات كلمته خلال الحفل بقوله “أعبد رام”، وهو إله الهندوس، وقال إن بلاده هي “دولة المحبة والسلام للجميع”.
في المقابل، تمارس السلطات تضييقا بنكهة القانون على المساجد، تحولت معها إلى مجرد متاحف يُمنع الاقتراب منها، فقط وقت الصلاة، وتتم الصلاة بحذر، حيث أقر المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي (البرلمان) في نوفمبر الماضي، مشروع قانون خاص بتنظيم ورعاية المساجد، وذلك بحجة مواجهة الفكر المتطرف والأفكار الهدامة.
المشروع يحظر قيام غير المؤهلين وغير المأذون لهم بالتدريس فيه، ويحظر على الموظفين العاملين في المساجد الانتماء إلى أي جماعة غير مشروعة، أو ممارسة أي نشاط سياسي أو تنظيمي ممنوع، أو القيام بمهام الوعظ أو الإفتاء أو إلقاء الدروس أو تحفيظ القرآن الكريم خارج المساجد أو الجهات المصرح بها من قبل السلطة المختصة، والمشاركة بأية أنشطة إعلامية دون الحصول على إذن مسبق من السلطة المختصة، وجمع التبرعات أو المساعدات المالية أو العينية لشخصه أو للغير.
ووفقا لمشروع القانون فتختص السلطة المختصة بتنظيم المساجد في دولة الإمارات بما يلي: توفير احتياجات المساجد ومصليات الأعياد، والإشراف على نظافتها وصيانتها وتأثيثها، وتحديد مواقيت رفع الأذان وإقامة الصلاة، وآلية وضع مكبرات الصوت الداخلية والخارجية، وضوابط وشروط استخدامها، وتنظيم الدروس والمحاضرات الدينية وأي فعاليات أخرى، وإعداد الموضوعات الموحدة لخطب الجمع والأعياد والمناسبات الدينية، وتحديد الأشخاص المكلفين بها، والإشراف على تنفيذها، وتحديد مواقيت فتح وإغلاق المساجد، وضوابط وشروط الاعتكاف فيها.
اضف تعليقا