لطالما كانت الأجواء السعودية مغلقة أمام الطيران الإسرائيلي، لكن في السنوات الأخيرة شهدنا تغيرات دراماتيكية تشير إلى تحول في السياسات السعودية تجاه إسرائيل.
هذه التحولات لم تكن وليدة اللحظة بل جاءت على مراحل وتدريجية، وسط تواطؤ واضح من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يعد أحد أكبر داعمي التطبيع العلني مع تل أبيب.
ورغم الرفض الشعبي الواسع في السعودية لهذا التطبيع، إلا أن محمد بن سلمان مضى قدمًا في إضفاء الشرعية على هذه العلاقة من خلال السماح للطيران الإسرائيلي باستخدام الأجواء السعودية.
التدرج السعودي في فتح الأجواء للطيران الإسرائيلي
لقد بدأت السعودية في فتح مجالها الجوي للطيران الإسرائيلي بشكل تدريجي، بدءًا من السماح برحلات سرية حتى الوصول إلى التصريحات العلنية. هذا التحول يمكن ملاحظته في الأحداث الأخيرة، مثل نشر الجيش الإسرائيلي لفيديو يظهر عملية تزويد طائرات F35 بالوقود في طريقها لقصف ميناء الحديدة اليمني في 29 سبتمبر. الفيديو أوضح بشكل لا لبس فيه أن الطائرات الإسرائيلية اخترقت الأجواء السعودية، حيث ظهرت قرية “الحميضة” السعودية على مسار الرحلة.
هذا الفيديو يعكس التعاون المتزايد بين الرياض وتل أبيب، وقد أكدت شبكة CNN الأمريكية أيضًا هذا الأمر من خلال تقرير لمراسلها نيك روبرتسون، الذي رافق طاقم الطائرة المسؤولة عن إعادة تزويد طائرات F35 بالوقود. التقرير كشف أن الطائرات كانت في طريقها لقصف ميناء الحديدة في اليمن، وكان مسارها يعبر عبر الأجواء السعودية. روبرتسون وصف المشهد قائلاً: “تمتد صحراء السعودية إلى يميني، والساحل المصري إلى يساري”، وهو ما يوضح المسار الجوي الذي اتخذته الطائرات الإسرائيلية عبر السعودية.
تواطأ بن سلمان
ما حدث في سبتمبر ليس الحادثة الأولى التي تشير إلى فتح السعودية لأجوائها أمام الطيران الإسرائيلي. ففي مارس 2018، سمحت السلطات السعودية للطيران الهندي بالعبور عبر أجوائها متجهاً إلى إسرائيل، وهي خطوة اعتبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “اختراقًا لأسواق ضخمة”، بينما وصفها وزير المواصلات والاستخبارات الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” بأنها رحلة “تاريخية”.
وفي نوفمبر 2020، كشف محرر التحقيقات في صحيفة “هآرتس”، أفي شارف، عن تحركات لطائرة خاصة من طراز T7-CPX، المفضلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو، من تل أبيب إلى مدينة نيوم السعودية. هذه الزيارة تزامنت مع تواجد وزير الخارجية الأمريكي حينها، مايك بومبيو، لعقد اجتماع ثلاثي مع محمد بن سلمان ونتنياهو، مما يؤكد عمق العلاقات بين الطرفين حتى على المستويات الرسمية.
وفي سبتمبر 2020، سمحت السعودية للطيران الإسرائيلي المتجه من وإلى الإمارات بالتحليق فوق أجوائها، بعد توقيع الإمارات اتفاق التطبيع مع إسرائيل. هذا الإعلان وُصف من قبل نتنياهو بأنه “إنجاز هائل”، وقد مرت أول رحلة من تل أبيب إلى أبو ظبي عبر الأجواء السعودية في أواخر أغسطس 2020، وهو ما يعد سابقة تاريخية.
موافقة سعودية على رحلات الطيران الإسرائيلي:
في أغسطس 2022، أعلنت السعودية عن موافقتها على السماح لثلاث شركات طيران إسرائيلية بالتحليق فوق أجوائها، وهي شركات “إل عال”، “يسرائير”، و”أركيع”. وجاء هذا القرار بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية، حيث رحب وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، يائير لابيد، بهذا القرار في تغريدة عبر تويتر، ووصفه بأنه “نتيجة دبلوماسية طويلة وسرية”.
وفي أغسطس 2023، عاد نتنياهو مرة أخرى ليشكر السلطات السعودية علنًا بعد أن سمحت لطائرة إسرائيلية محملة بالمسافرين بالهبوط اضطرارياً في مطار جدة. وصف نتنياهو هذه الخطوة بأنها دليل على “الموقف الدافئ” للسعودية تجاه إسرائيل، ما يعكس التحول التدريجي في العلاقة بين الطرفين.
رغم كل هذه التحركات الرسمية والتقارب المتزايد بين الرياض وتل أبيب، يبقى الرفض الشعبي السعودي للتطبيع مع إسرائيل واسع النطاق. حيث يُظهر العديد من السعوديين استياءهم من هذه الخطوات التي يتخذها ولي العهد محمد بن سلمان، خاصة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، والتي تعد نقطة جوهرية في الموقف السعودي الشعبي.
محمد بن سلمان يحاول دفع عملية التطبيع كواقع عملي لا يمكن التراجع عنه، مستخدمًا أدواته السياسية والدبلوماسية لتحقيق هذا الهدف. لكن يبقى التساؤل الأهم: هل ستتمكن هذه التحركات الرسمية من إقناع الشارع السعودي بقبول التطبيع؟ وهل ستستمر السعودية في توسيع تعاونها مع إسرائيل في مجالات أخري
في ظل ما نشهده من تسريبات وتطورات، يبدو أن العلاقة بين السعودية وإسرائيل تتجه نحو المزيد من التطبيع الرسمي، رغم التحديات الشعبية والسياسية. ولي العهد السعودي يسعى إلى تأكيد سيطرته على القرارات السياسية الخارجية للمملكة، بما في ذلك فتح الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي. لكن مع كل هذه التحولات، يبقى المستقبل مفتوحًا أمام احتمالات عدة، خاصة في ظل المواقف المتقلبة في المنطقة والصراع المستمر في فلسطين.
اقرأ أيضا: ما بعد الانتخابات الأمريكية.. هل تحدد موعد التطبيع السعودي الإسرائيلي؟
اضف تعليقا