العدسة – إبراهيم سمعان

الحرب الدائرة في سوريا والصراع المستمر بين الأطراف من أجل السيطرة على المنطقة، سمح بانتشار الإرهاب، وأصبح ساحة لتصفية الحسابات بالوكالة، وفي ظل الوضع الحالي لن يستطيع الرصاص أن يقتل أيديولوجيا “داعش”، تماما مثل السلام الذي لن يحل بـ”الكلاشنيكوف” أو مقاتلات “إف 16” الروسية أو “ميج” الروسية.

الصراع الجاري في قلب الشرق الأوسط يعيد تشكيل النظام العالمي، حيث أصبحت سوريا مركزا له، من خلال حروب الوكالة التي أودت بحياة أكثر من 340 ألف ضحية، وحكمت على ملايين الأشخاص بالفرار، بحسب “هاف بوست” في نسخته الفرنسية.

هذا النزاع الذي دمر سوريا، والمنطقة بأكملها، تسبب في تصعيد خطير بين الدول، وسمح بانتشار الإرهاب، وزعزع استقرار أوروبا، فالفوضى السورية تتغذى على العديد من الحروب المترابطة التي يتم فيها تشكيل العالم الجديد.

كل طرف محارب على أرض سوريا، يتم دعمه من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية، ما يعني ضمنيًّا أن القوى الدولية التي تتصارع على أرض مجزأة، وفي لعبة الشطرنج الدموية هذه تصبح القضايا الخارجية متشابكة مع القضايا الداخلية، في واحدة من المناطق الزلزالية الرئيسية للعلاقات الدولية.

حرب الجميع ضد الجميع

إن صراع القوى المتنافسة على القيادة في المنطقة يخلق جوًّا شديد الاشتعال، ومن خلال الغارات الجوية المتكررة، تريد إسرائيل إطالة أمد الحرب مع جارتها لإضعاف تأثير الدومينو “محور الشر” الذي ينتمي إليه حزب الله وطهران.

أما في لبنان، فيتفاقم خطر اندلاع الصراع بسبب التوترات بين طهران والرياض حول حزب الله، لكن سوريا واليمن تشكلان ساحة المعركة بين إيران والمملكة العربية السعودية.

والواقع أن المحور السياسي الذي يربط دمشق بطهران، سمح لإيران بتوسيع نفوذها بمساعدة متعددة الأشكال للنظام السوري، وفي الوقت الذي تتشاطر فيه الرغبة في إسقاط الحكومة السورية برعاية جماعات المعارضة المسلحة، تجد قطر نفسها في صراع مع الرياض ودول الخليج، متهَمة بدعم الإرهاب.

تجدر الإشارة إلى أن المتمردين المقسمين بشدة، الذين شاركوا في الاقتتال الداخلي، قد خسروا منذ التدخل الروسي في سوريا، ولا يزالون نشطين في ضواحي دمشق في الجنوب وفي محافظة إدلب، التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة.

وعلى الصعيد السياسي، وبصرف النظر عن رغبتهم المشتركة في التخلص من الأسد، فإن قادة المعارضة مختلفون على أغلبية المواضيع، وتَجزُّؤهم يُثبت في الوقت الراهن عدم قدرتهم على حكم بلد حساس مثل سوريا.

تركيا التي تقوم بدعم بعض الفصائل مثل الجيش السوري الحر، ولعبت دورا نشطا في تشكيل المعارضة المسلحة، وحلمت بـ”تغيير النظام”، لها أولوية أخرى، وهي منع تشكيل كيان كردستاني مستقل، ومع ذلك، فإن مشاركة الميليشيات الكردية السورية ووحدات حماية الشعب في معركة “داعش”، جعلتهم حلفاء لواشنطن، وهذا يؤدي إلى توترات بين أنقرة وواشنطن، التي تدافع عن القضية الكردية لضمان أمن إسرائيل.

وفي هذا الصراع تظل احتمالات التوصل إلى حل سياسي قائمة، ولا يمكن لموسكو وواشنطن أن تكونا الجهات الفاعلة الوحيدة في الحل، حتى لو بقي مستحيلا بدونها.

وعلى الرغم من أن “داعش” هُزمت عسكريا في بلاد الشام، إلا أن القدرة المزعجة لهذه التنظيمات لا تزال حية ونشطة، فالرصاص لن يقتل الأيديولوجيا، تماما مثل “الكلاشنيكوف”، أو”إف 16” أو “ميج”، لن يجلب السلام.

فالسلام ينطوي على وضع إطار يتيح التمثيل السياسي العادل لجميع القوى، ويجب على الجميع أن يدعموا بطريقة موضوعية عملية السلام في الأمم المتحدة، على النحو المبين في القرار 2254، الذي ينص على وقف إطلاق النار الذي يسمح بمرحلة انتقالية، يليه وضع دستور جديد، مع انتخابات ترعاها الأمم المتحدة.