قدمت السلطات السودانية مؤخرًا شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي تتهم فيها الإمارات بتجنيد المرتزقة لإشعال الحرب الأهلية في السودان، وهي خطوة تراها المعارضة السودانية انعكاسًا لسعي أبوظبي لتوسيع نفوذها في المنطقة على حساب استقرار الدول الأخرى.
هذه الاتهامات ليست جديدة، إذ جاءت بعد توجيه السلطات السودانية شكاوى مماثلة في مارس الماضي، ولكن التصعيد الأخير يبرز تفاصيل جديدة عن التدخل الإماراتي.
أوضحت السلطات السودانية في رسالتها لمجلس الأمن أن الإمارات تواصل دعم ميليشيات “قوات الدعم السريع” المتمردة عبر تزويدها بالسلاح والذخيرة. تضمنت الرسالة أيضًا تفاصيل حول العثور على صناديق ذخيرة مدفعية ثقيلة وأسلحة تحمل اسم الإمارات، تم الاستيلاء عليها من قبل الجيش السوداني بعد معارك “جبل موية”.
إلى جانب ذلك، تم توثيق وجود شاحنات لنقل الأسلحة والذخائر بأرقام ترخيص إماراتية.
كما كشفت السلطات عن أن الإمارات تقوم بعلاج مقاتلي الميليشيا المصابين في مستشفى زايد العسكري في أبوظبي، وأرفقت صورًا لهم أثناء تلقيهم العلاج كدليل على تدخل أبوظبي المباشر في الصراع. يشير ذلك إلى أن الإمارات لا تكتفي بدعم غير مباشر لهذه الميليشيات، بل تشارك بفعالية في تأجيج الصراع السوداني.
مؤامرات أبوظبي
إن هذه الاتهامات تتجاوز مجرد دعم مادي، حيث ذكرت الرسالة أن الإمارات تتبنى مشروعًا استعماريًا في السودان يقوم على التفوق العرقي لبعض المجموعات. هذا المشروع يهدف إلى تقسيم السودان وخلق حالة من الفوضى تمنح أبوظبي القدرة على فرض نفوذها. ترى المعارضة السودانية أن الإمارات تسعى عبر هذه التدخلات إلى زعزعة استقرار البلاد لتحقيق مصالحها التوسعية في المنطقة.
ووفقًا لتقارير موثوقة، فإن الإمارات لم تكتفِ بتجنيد المرتزقة في السودان، بل وسعت عملياتها لتشمل عدة دول أخرى لتجنيد المزيد من المقاتلين. وقد وثقت منظمات حقوقية، مثل منظمة “مراقبة الإبادة الجماعية”، وجود شحنات أسلحة متكررة تُرسل من الإمارات إلى السودان عبر الحدود التشادية، مما يعزز الدور الإماراتي في استمرار القتال.
لذلك في ظل تصاعد الأدلة حول تورط الإمارات، دعت السلطات السودانية المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى اتخاذ موقف صارم ضد هذه الأنشطة. الرسالة السودانية شددت على ضرورة محاسبة الإمارات على جرائمها، ووصفتها بأنها “دولة مارقة” تتحدى القانون الدولي وتعمل على زعزعة استقرار الدول الأخرى.
طالبت السودان مجلس الأمن بإدانة التصرفات الإماراتية بأشد العبارات، وتحميلها المسؤولية القانونية عن الفظائع التي يتعرض لها المدنيون السودانيون بسبب دعمها لقوات الدعم السريع. هذه القوات، التي ترتكب جرائم حرب بحق الشعب السوداني، تستمد قوتها واستمراريتها من الدعم المالي والعسكري الذي توفره الإمارات.
الأهداف الإماراتية الخفية
تتجاوز الطموحات الإماراتية مجرد النفوذ العسكري، فهي تسعى للسيطرة على موارد السودان، وخاصة الأراضي الزراعية والمائية. هذا التوجه الاقتصادي يتماشى مع السياسات الإماراتية في عدد من الدول الأفريقية، حيث تستغل الفوضى الداخلية لتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب الشعوب.
وقد أشار تقرير منظمة “مراقبة الإبادة الجماعية” إلى أن الإمارات تلعب دورًا محوريًا في دعم الميليشيات السودانية بالسلاح والوقود عبر دول الجوار مثل ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما يعد انتهاكًا مباشرًا للحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على تسليح الأطراف المتنازعة في دارفور منذ 2005.
مع تصاعد هذه الاتهامات، يبدو أن العلاقات بين السودان والإمارات تشهد توترًا غير مسبوق. السودان، الذي يمر بفترة انتقالية حساسة، يحتاج إلى استقرار داخلي أكثر من أي وقت مضى، لكن التدخلات الخارجية، وخاصة من الإمارات، تجعل هذا الاستقرار بعيد المنال. تعتقد المعارضة السودانية أن الدور الإماراتي في السودان لا يهدف إلى دعم الشعب، بل إلى استغلال موارده وزعزعة استقراره لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية ضيقة.
من المتوقع أن يشهد المجتمع الدولي ضغوطًا متزايدة لاتخاذ موقف واضح ضد التدخلات الإماراتية في السودان. ومنظمات حقوق الإنسان قد تلعب دورًا كبيرًا في تسليط الضوء على هذه التدخلات، وتقديم أدلة موثقة إلى مجلس الأمن والهيئات الدولية الأخرى.
الخلاصة يبدو أن الدور الإماراتي في السودان يذهب إلى أبعد من مجرد التدخل العسكري. تسعى أبوظبي إلى فرض نفوذها وتوسيع سيطرتها على موارد الدول الأفريقية، وفي هذا السياق، تتعارض مصالحها مع مصالح الشعوب التي تسعى إلى تحقيق الاستقرار والتنمية.
اقرأ أيضًا : كيف ينتقم محمد بن زايد من معارضيه ونشطاء الرأي؟
اضف تعليقا