منذ إعلان الولايات المتحدة عن نيتها إبرام صفقة أمنية كبرى مع المملكة العربية السعودية، تزايدت الشكوك حول الغايات الحقيقية لهذه الصفقة وتأثيراتها المحتملة على مستقبل فلسطين.
وفقًا لتقرير نشره موقع *The Intercept*، تُظهر واشنطن مساعيها لتسليم فلسطين إلى السعودية، مستغلةً استشهاد قائد حركة حماس، يحيى السنوار، في إطار جهودها لدفع مسار التطبيع العلني بين الرياض وتل أبيب.
بعد استشهد القائد السنوار، الذي كان من أبرز العقول المدبرة لهجمات السابع من أكتوبر، في مواجهة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وسط مزاعم إسرائيلية بأنه كان يختبئ خلف “دروع بشرية”.
غير أن اغتياله لم يكن مجرد عمل عسكري يستهدف شخصية مقاومة، بل استُغل على المستوى السياسي من قبل مسؤولين أميركيين وأعضاء في الكونغرس، الذين استثمروا الحدث لتعزيز أجندة سياسية تهدف إلى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يتوافق مع المصالح الأميركية والإسرائيلية، تحت ستار “تحقيق السلام”.
لكن الحقيقة تكمن في أن ما يجري هو محاولة لفرض رؤية دولية جديدة على فلسطين، حيث يهدف المسؤولون الأميركيون إلى ربط إعادة إعمار غزة بتسليم فلسطين إلى نظام سعودي يخضع للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول مصير الشعب الفلسطيني في ظل هذه الصفقة.
مكافأة التطبيع
التقارير التي ظهرت تشير بوضوح إلى أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تحقيق عدالة للفلسطينيين أو دعم حقهم في تقرير المصير، بل هي تمضي في إبرام صفقة أمنية ضخمة مع السعودية.
جدير بالذكر أن هذه الصفقة تتطلب من واشنطن الدفاع عن النظام السعودي ضد أي تهديد، وهو ما يعتبره بعض أعضاء الكونغرس خطوة خطيرة تدخل المنطقة في حرب باردة جديدة مع الصين.
السياسي الأميركي البارز، السيناتور ليندسي غراهام، لم يخفِ أجندته المتعلقة بهذه الصفقة، حيث قال في مقابلة تلفزيونية أن السعودية والإمارات ستتوليان إعادة إعمار غزة، لكن تحت غطاء “إمارة” تتبع مصالح إسرائيل ولا تعكس طموحات الشعب الفلسطيني.
وهذا التصور لا يقتصر فقط على إعادة إعمار غزة، بل يُعتبر خطوة لتأسيس منطقة تسيطر عليها الأنظمة الخليجية الموالية للولايات المتحدة وإسرائيل، مما يعني تحويل فلسطين إلى مجرد مستعمرة اقتصادية وأمنية جديدة لخدمة أجندة الدول الكبرى.
تصريحات غراهام لم تكن سوى جزء من خطة أكبر، تهدف إلى تحقيق طموحات إسرائيل الجيوسياسية بالتطبيع مع السعودية، وهو الأمر الذي يُتوقع أن يعزز الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة ويضعف أي فرصة لقيام دولة فلسطينية مستقلة.
من الواضح أن المشروع الأميركي السعودي الإسرائيلي يقوم على أساس تجريد الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية، وتحويل القضية الفلسطينية إلى ملف أمني بحت يتعامل معه النظام السعودي كوسيط غير نزيه، يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي.
خطورة الصفقة
ما يجعل هذه الصفقة أكثر خطورة هو أنها تأتي دون أي اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرهم أو إجراء انتخابات تتيح لهم اختيار مستقبلهم. بينما يروج المسؤولون الأميركيون لفكرة “حل الدولتين”، فإن الواقع يشير إلى أنهم لا يهتمون بتلك الدولة الفلسطينية إلا كواجهة لتحقيق الأمن لإسرائيل.
حتى إن السيناتور الديمقراطي بن كاردين أشار إلى أن الحل يجب أن يتبنى “مستقبلاً يحقق السلام والأمن للإسرائيليين والفلسطينيين”، لكن بدون أي خطوات عملية لضمان حقوق الفلسطينيين في اختيار قادتهم أو صياغة مستقبلهم بأنفسهم.
وفي الوقت نفسه، فإن الحديث عن صفقة التطبيع السعودي الإسرائيلي يعكس حجم الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن لتحقيق هذا الاتفاق. الرئيس الأميركي وفريقه، الذي يعمل منذ بداية ولايته على تقوية علاقات الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، يرون في التطبيع خطوة حاسمة لإرث بايدن السياسي. لكن الحقيقة هي أن هذه الخطوة لا تخدم إلا مصالح أميركا وإسرائيل، بينما يتم إغفال أي دعم حقيقي للشعب الفلسطيني.
بحسب مصادر داخل الكونغرس، كانت الولايات المتحدة على وشك إتمام هذه الصفقة قبل أن تأتي هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول لتعطل هذا المسار. ولكن وفاة السنوار قدمت الفرصة المناسبة للمسؤولين الأميركيين لعودة النقاش حول الصفقة مجدداً.
السيناتور ليندسي غراهام كشف في تصريحات سابقة عن أن بايدن هو الرئيس الديمقراطي الوحيد القادر على إقناع الديمقراطيين بالتصويت لصالح “معاهدة دفاع” مع السعودية، مما يعني أن الولايات المتحدة قد تجد نفسها في حرب مستقبلية من أجل حماية النظام السعودي.
اقرأ أيضًا : يحيى السنوار.. الشجاع الذي قام بهندسة طوفان الأقصى
اضف تعليقا