نشرت صحيفة “التلغراف” البريطانية تقريرًا يشير إلى الأوضاع المتدهورة التي يعاني منها عشرات الآلاف من المعتقلين في السجون ومراكز الاحتجاز السعودية، خاصة من العمال المهاجرين، رغم ما تروّجه السلطات من حملات علاقات عامة تهدف لإظهار السعودية كدولة تتبنى الإصلاحات. 

بعد مرور أربع سنوات على نشر تحقيق سابق للصحيفة يكشف عن انتهاكات حقوقية داخل هذه المراكز، يبدو أن شيئًا لم يتغير، حيث تكشف لقطات مسربة حديثة عن أوضاع إنسانية قاسية وغياب الإصلاحات الموعودة.

وعلى الرغم من تعهدات الحكومة السعودية بتحسين ظروف المهاجرين والعاملين من جنسيات مختلفة، لا يزال آلاف الأفراد يعانون من ظروف مأساوية في مراكز الاحتجاز. 

طبقًا لتحقيق *التلغراف*، تضم هذه المراكز، التي تعد سجونًا مكتظة وغير صحية، عشرات الآلاف من العمال المهاجرين الذين يواجهون قمعًا مستمرًا، مع نقص شديد في وسائل الراحة أو الحد الأدنى من حقوقهم الإنسانية. وبات من الواضح أن ما يُعرض للعالم من مشاريع إصلاحية وسعي لتقديم المملكة بصورة متقدمة ليس سوى واجهة، فيما يتم التغاضي عن الأزمات الإنسانية داخل الحدود.

الأوضاع المأساوية في مراكز الاحتجاز

توثق اللقطات المسربة، والتي ستُعرض قريبًا في فيلم وثائقي بعنوان “المملكة المكشوفة” على قناة ITV، الظروف الحياتية السيئة التي يعيشها المعتقلون تكشف اللقطات عن صور مأساوية، مثل مئات الأشخاص الذين يُجبرون على النوم متجاورين على الأرض في غرف مكتظة، مستخدمين أكياس القمامة كأغطية، بينما تتراكم الأوساخ في أماكن النوم والمرافق الصحية. 

وتظهر بعض اللقطات أشخاصًا يغطون أجسادهم بأكياس بلاستيكية في محاولة لتجنب الأوساخ وانعدام النظافة داخل المكان. كما تبيّن لقطات من مركز احتجاز النساء في الرياض مشاهد لمحاولة معتقلة تعاني من اضطراب عقلي الاعتداء على زميلتها، ما يعكس ضعف الاهتمام بالصحة النفسية للمحتجزين في هذه المراكز.

ومن الشهادات المؤلمة التي وثّقتها *التلغراف*، يروي زارو جبري، مهاجر إثيوبي كان محتجزًا في مركز جازان، كيف عاش ظروفًا لا إنسانية، حيث تم حبسه مع نحو 600 شخص آخرين في غرفة واحدة دون أي خصوصية أو عناية طبية. يقول جبري، الذي قام بتهريب لقطات فيديو من داخل مركز الاحتجاز في جازان: “نحن جميعًا محشورون في عنبر واحد دون مرافق صحية كافية. 

إن الوضع هنا قذر”. ويشير جبري إلى أن مئات المعتقلين الآخرين، ومعظمهم من العمال المهاجرين الإثيوبيين، يُجبرون على التعايش مع هذه الظروف القاسية، ما يترك آثارًا نفسية عميقة خاصة على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عامًا، والذين يعانون من صدمات نفسية نتيجة ما يعيشونه.

عانى جبري من الاحتجاز في مركز جازان لمدة تسعة أشهر قبل ترحيله إلى بلاده، واصفًا المكان بـ”الجحيم على الأرض”. في شهادته، أشار إلى أنه لم يُسمح لهم برؤية الشمس طوال مدة الاحتجاز، كما شهد على حالات انتحار بين المحتجزين.

يروي أيضًا أن بعض المحتجزين تعرضوا لأزمات نفسية حادة دفعتهم إلى التفكير بالانتحار، حيث قام زملاؤهم بتقييدهم لمنعهم من ذلك، مؤكدًا أن هذا الواقع المأساوي لم يُقابل بأي استجابة حقيقية من السلطات السعودية.

الهجرة والممارسات القمعية

لطالما اعتمدت السعودية على الأيدي العاملة الأجنبية، لا سيما من الدول الفقيرة في إفريقيا وجنوب آسيا، التي تشكل نسبة لا يستهان بها من سكان المملكة. ومع سياسات توطين الوظائف التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان ضمن خطط الإصلاح، اشتد القمع ضد العمالة الوافدة تحت ذريعة الالتزام بقوانين الهجرة الصارمة. 

وتشير التقارير إلى أن حوالي ثمانية ملايين شخص تعرضوا للاعتقال ضمن حملات قمعية تستهدف الهجرة غير الشرعية، حيث يتم اعتقال الأفراد وترحيلهم دون مراعاة ظروفهم أو أوضاعهم الإنسانية. 

ويُعد الإثيوبيون مثل زارو جبري من بين الفئات الأكثر تضررًا، حيث يُجبرون على اللجوء إلى المملكة هربًا من ظروف قاسية في بلادهم ليجدوا أنفسهم في وضع لا يقل بؤسًا.

التشدد السعودي في التعامل مع العمال المهاجرين يأتي في إطار سعي المملكة لتطبيق قوانين “سعودة” الوظائف، وهي سياسات تهدف إلى خفض نسبة العمالة الأجنبية في القطاع الخاص لصالح توظيف السعوديين. إلا أن هذا الأمر أثر سلبًا على حقوق المهاجرين، الذين يتعرضون للاعتقال التعسفي أو الحبس بسبب مخالفات بسيطة لقوانين العمل والهجرة. وبهذا، تحولت المملكة من ملاذ للمهاجرين الباحثين عن فرص اقتصادية إلى بيئة طاردة تستند إلى أساليب قمعية تسلبهم حقوقهم الأساسية.

فيما تسعى السعودية لتوسيع نفوذها الدولي وتحسين صورتها عبر استثمارات ضخمة في الرياضات والأحداث العالمية، لا تزال المنظمات الحقوقية تُصعّد من انتقاداتها للانتهاكات داخل المملكة. 

الخلاصة تستمر السعودية في تقديم نفسها للعالم كدولة عصرية تسعى للإصلاح، لكن ثمن هذه الصورة المدفوعة هو معاناة آلاف الأفراد الذين تتركهم السلطات يعانون بصمت داخل سجونها ومراكز احتجازها. 

وبينما تسعى المملكة للوصول إلى العالمية عبر “رؤية 2030″، يظل الواقع مختلفًا تمامًا، حيث يعاني المواطنون والعمال المهاجرون من قمع وغياب أبسط حقوق الإنسان، ما يعكس التناقض الصارخ بين الصورة الترويجية والواقع.

اقرأ أيضًا : إعادة تنشيط حساب سعود القحطاني: محاولة لإعادة تدوير وجه النظام القبيح