شهدت بريطانيا مؤخرًا تصاعدًا في الدعوات لاعتقال رئيس منظمة الشرطة الدولية “الإنتربول”، الإماراتي أحمد ناصر الريسي، على خلفية اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان. 

يأتي هذا التحرك بعد تقديم مواطنين بريطانيين، تعرضا للتعذيب في الإمارات، بشكاوى رسمية إلى الشرطة الاسكتلندية تطالب باعتقال الريسي خلال زيارته الحالية لمدينة غلاسكو. 

هذه الشكاوى تسلط الضوء على تجارب مريرة مر بها ماثيو هيدجز وعلي عيسى أحمد، المواطنان البريطانيان اللذان يزعمان أنهما تعرضا لتعذيب قاسٍ بسبب اتهامات واهية. 

تم القبض على هيدجز بتهمة التجسس لصالح الحكومة البريطانية، بينما تعرض أحمد للاعتداء الجسدي لمجرد ارتدائه قميص المنتخب القطري، وذلك في فترة تصاعد التوترات بين الإمارات وقطر.

يأتي تحرك هذين المواطنين في إطار محاولتهما لتطبيق مبدأ “الاختصاص العالمي” والذي يتيح مقاضاة الأفراد عن جرائم خطيرة مثل التعذيب بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو جنسية الضحية. 

ومن خلال هذه الشكاوى، يسعى هيدجز وأحمد إلى محاسبة الريسي أمام القضاء البريطاني، مما يضع منظمة الإنتربول في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، خصوصًا مع تزايد الانتقادات لدورها في تعيين مسؤولين متهمين بارتكاب انتهاكات حقوقية.

التعذيب والآثار النفسية الدائمة

تحدث ماثيو هيدجز وعلي عيسى أحمد عن تجاربهم القاسية في الإمارات وما تركته من آثار نفسية وجسدية لا تزال تطاردهم حتى اليوم. عبر هيدجز عن خيبة أمله واستيائه من إهمال السلطات البريطانية لقضيته حين كان محتجزًا، حيث تعرض لتعذيب قاسٍ وحرم من العلاج والرعاية الطبية اللازمة خلال فترة اعتقاله، مما دفعه إلى الاعتماد على الأدوية حتى يومنا هذا. وتسبب هذا الإهمال في تدهور صحته الجسدية والنفسية، تاركًا ندوبًا عميقة أثرت على حياته بشكل كبير.

أما علي عيسى أحمد، فقد أشار إلى أن حادثة اعتقاله والاعتداء عليه جسديًا بسبب ارتدائه قميص المنتخب القطري خلال فترة تصاعد التوترات بين الإمارات وقطر قد تسببت له بصدمة نفسية قوية وشعور دائم بعدم الأمان، خصوصًا عند تنقله وسفره. لم تُتخذ أي إجراءات من جانب السلطات الإماراتية للتحقيق في ما جرى أو محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وهو ما زاد من شعور المواطنين بالظلم وعدم الحصول على العدالة. 

دفعت هذه التجارب المؤلمة المواطنين للتوجه إلى الشرطة الاسكتلندية طلبًا للعدالة، ومطالبةً بإجراء مقابلة وتحقيق مع الريسي خلال زيارته. يراهما البعض بأنهما يقودان معركة لفضح الانتهاكات الحقوقية في الإمارات من خلال تسليط الضوء على تلك الانتهاكات أمام العالم، خصوصًا بعد تزايد الاهتمام الإعلامي والدولي بالقضية.

تصاعد الضغط الدولي

من الجدير بالذكر أن الشكاوى المقدمة ضد أحمد ناصر الريسي لم تكن المرة الأولى التي يُتهم فيها مسؤول إماراتي رفيع بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. حظيت هذه الشكاوى بدعم قانوني من محامي الضحايا، رودني ديكسون، الذي أكد على ضرورة إجراء تحقيق مستقل وشامل حول دور الريسي المزعوم في الإشراف على عمليات تعذيب ممنهجة داخل الإمارات. 

ديكسون أشار إلى أن الريسي، بصفته مسؤولًا بارزًا في الأجهزة الأمنية، كان بإمكانه التدخل لوقف هذه الانتهاكات أو على الأقل الشروع في التحقيق فيها، لكنه اختار التغاضي عنها. هذا الدور المزعوم يجعل الريسي موضع انتقادات شديدة ويعرضه لمزيد من المساءلة القانونية.

لم تكن هذه الشكاوى الأولى من نوعها ضد الريسي؛ إذ سبق أن تقدم عدد من الضحايا بشكاوى مماثلة في فرنسا، حيث يُطالب بتقديمه للعدالة عن تهم مشابهة. كما أن السلطات الاسكتلندية أكدت تلقيها للشكوى، موضحة أنها ستنظر في الاتهامات الموجهة ضد رئيس الإنتربول الإماراتي.

يضع هذا الضغط المتزايد الإنتربول في موقف حرج على الساحة الدولية، حيث تتصاعد الأصوات المطالبة بمراجعة سياساتها في تعيين المسؤولين والتأكد من عدم تورطهم في انتهاكات حقوقية. 

تخضع منظمة الإنتربول، التي تروج لالتزامها بسيادة القانون وحقوق الإنسان، لتدقيق متزايد نظرًا للانتقادات المتتالية التي طالت بعض المسؤولين في المنظمة. من خلال هذه الشكاوى المتكررة، يتجدد الجدل حول دور الإنتربول في تعيين مسؤولين متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة، وهو ما قد يهدد سمعتها ويعرضها لمزيد من الانتقادات الدولية.

الجدير بالذكر أن العديد من منظمات حقوق الإنسان طالبت بمحاسبة الريسي، حيث ترى هذه المنظمات أن ترك مثل هذه القضايا دون محاسبة يرسل رسالة خاطئة حول جدية الالتزام الدولي بحقوق الإنسان ومبدأ العدالة.

اقرأ ايضًا : أموال الإمارات في أوروبا.. استثمارات تُلطخها دماء الأبرياء