في وقت سابق من هذا الأسبوع انعقدت الجمعية العامة الثانية والتسعين للإنتربول في غلاسكو وسط أزمة مصداقية كبيرة تعاني منها المنظمة الدولية بسبب السمعة السيئة التي تلاحق رئيسها السابق الإماراتي أحمد ناصر الريسي.
ومع تأكيد الوفود على تعيين فالديسي اوركيزا من البرازيل كأمين عام للمنظمة، دعا مواطنان بريطانيان يقولان إنهما تعرضا للتعذيب في دبي إلى اعتقال رئيس الإنتربول الإماراتي اللواء أحمد ناصر الريسي بسبب تواطئه وإشرافه بشكل مباشر على تعرضهما للتعذيب الجسدي والنفسي خلال فترة اعتقالهما.
إن الإنتربول لا يُعتبر فعليًا قوة شرطة، بل مركز عالمي لتبادل المعلومات، فهو لا يقوم بالاعتقالات أو التحقيقات، لكن يعمل كلوحة إعلانات متطورة تتبادل من خلالها 196 دولة عضو المعلومات الاستخبارية الجنائية، هذه المهمة التي تبدو واضحة يتستتر خلفها نفوذًا غير عادي حيث يمكن أن يؤدي تنبيه واحد من الإنتربول لدولة ما إلى اعتقال الشخص داخل تلك الدولة.
وفي قلب هذه القوة يوجد نظام النشرة الحمراء، والذي يمكن قوات الشرطة من تحديد واحتجاز المجرمين الخطيرين عبر الحدود، عندما تعمل بشكل صحيح، تكون الإشعارات حاسمة في مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية.
ومع ذلك، النفوذ القوي الذي يتمتع به الإنتربول جذب عدد من الأنظمة الديكتاتورية للمحاولة للسيطرة عليه وإساءة استخدامه، حيث استخدمت الأنظمة الاستبدادية الإشعارات الحمراء كسلاح لتوسيع نطاقها خارج حدودها، واستهداف المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين. وقد استخدمت روسيا النظام بشكل سيئ السمعة لملاحقة المنتقدين، وحذت الصين والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى حذوها.
مشاكل الإنتربول الآن أصبحت أعمق من إساءة استخدام الإشعارات الحمراء، حيث يواجه أحمد ناصر الريسي اتهامات خطيرة بالتواطؤ في تعذيب المواطنين البريطانيين ماثيو هيدجز وعلي عيسى أحمد، إذ يمتد التلاعب السياسي إلى ما هو أبعد من نظام الإشعارات الحمراء.
كان صعود الريسي إلى رئاسة الإنتربول في عام 2021 مثيرًا للجدل، مما أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
بصفته مفتشًا عامًا لوزارة الداخلية في الإمارات العربية المتحدة، اعتبر الكثيرون انتخابه رمزًا لنفوذ دول الخليج المتزايد في المنظمات الدولية. كما أثار التبرع بمبلغ 50 مليون يورو (42 مليون جنيه إسترليني) للإنتربول من مؤسسة الإنتربول الممولة من الإمارات العربية المتحدة “من أجل عالم أكثر أمانًا” في الفترة التي سبقت الانتخابات – وهو ما يعادل تقريبا ثلث الميزانية السنوية للمنظمة – مخاوف تفاقمت مع اتهامات التواطؤ في التعذيب.
لقد أدى استبعاد تايوان من الإنتربول، بإصرار من الصين، إلى خلق نقاط عمياء خطيرة في التعاون الشرطي العالمي، وكما قال ممثل تايوان لدى المملكة المتحدة الأسبوع الماضي، فإن المجرمين الخاضعين لإشعارات الإنتربول الحمراء يمكنهم فعليا العثور على ملاذ آمن في الجزيرة، مما يقوض الغرض الأساسي للنظام في مثال صارخ يوضح كيف أن الضغوط الجيوسياسية تعرض المهمة الأساسية للإنتربول للخطر.
إن تعيين أوركيزا يمثل فرصة للإصلاح وبداية جديدة، لكنه يواجه قضايا خطيرة – يجب عليه الموازنة بين الحفاظ على الدور الحاسم للإنتربول وتنفيذ الضمانات ضد الانتهاكات. إن هذه المهمة معقدة بسبب محاولة الريسي المتوقعة لتغيير القواعد وتمديد فترة رئاسته، على الرغم من الجدل المحيط به وبسمعته.
إن فعالية الإنتربول تعتمد على الثقة – الثقة التي تتآكل بسرعة تحت وطأة التلاعب السياسي والتسوية المؤسسية، كما أن الإنتربول يحتاج إلى آليات قوية لدعم أعلى معايير النزاهة. والأمر الحاسم هو أنه يجب عليه أن يؤسس لاستقلال حقيقي عن التدخل السياسي.
لم يعد بإمكان الإنتربول أن يكون لعبة في أيدي الأنظمة الاستبدادية، إذ يجب على المندوبين في غلاسكو أن يدركوا أن مستقبل الإنتربول لا يعتمد فقط على قدرته على تبادل المعلومات، بل وعلى استعداده لحماية هذا النظام من الإساءة. إن العالم يراقب، في انتظار أن يرى ما إذا كانت هذه الجمعية تمثل بداية لإصلاح حقيقي، أو فرصة ضائعة للتغيير.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا