تواصل الإمارات العربية المتحدة بذل جهود مكثفة في رسم صورة براقة عن نفسها كدولة متسامحة وتقدمية، متخذة من المشاهير وسيلة للترويج لهذا الانطباع، بينما تتجاهل وتواجه الانتقادات التي تثيرها منظمات حقوق الإنسان بشأن سياساتها القمعية.
ففي تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، تم تسليط الضوء على ازدواجية الصورة التي تحاول الإمارات تقديمها للعالم، حيث يظهر التناقض جلياً بين الترويج للتسامح وممارسات القمع المتواصلة ضد المعارضة والمهاجرين.
أثار الممثل الأسترالي كريس هيمسورث، المعروف بأدواره الشهيرة في أفلام “ثور”، موجة من الانتقادات بعد مشاركته في إعلان ترويجي لأبوظبي كوجهة سياحية، حيث ظهر برفقة زوجته عارضة الأزياء إلسا باتاكي في مقطع ترويجي قصير أُنتج بالتعاون مع حكومة الإمارات.
ويصور الإعلان الذي تبلغ مدته دقيقة واحدة، مقاطع وهمية تُحاكي تصوير مشاهد أكشن مكثفة، ثم يتخللها مشاهد ترفيهية لهيمسورث وعائلته وهم يستمتعون بمعالم سياحية في أبوظبي، مثل ركوب الخيل والتجديف في الصحراء. وجاء هذا الإعلان بالتزامن مع توقيع الإمارات لاتفاقية تجارة حرة مع أستراليا، والتي تهدف لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين.
رغم جاذبية المشاهد السياحية، لم يتم التطرق في الإعلان لأي من القضايا الحقوقية التي تثير الجدل حول الإمارات، مما أثار انتقادات من جمهور هيمسورث نفسه ومن منظمات حقوق الإنسان.
فقد اعتبرت البروفيسورة جوستين نولان، مديرة المعهد الأسترالي لحقوق الإنسان، أن الإعلان هو “استراتيجية متعمدة للغاية” تهدف لتلميع صورة الإمارات على الساحة الدولية، في حين أن الواقع يعكس معاناة الكثير من الفئات المجتمعية في الدولة، مثل النساء والعاملين المهاجرين.
اتفاقيات تجارية في ظل انتقادات حقوقية
في اليوم ذاته الذي نُشر فيه إعلان هيمسورث، أعلنت الحكومة الأسترالية عن إبرام اتفاقية التجارة الحرة مع الإمارات، والتي تسهل تصدير المنتجات الأسترالية إلى السوق الإماراتية بإعفاءات جمركية واسعة.
جاء ذلك وسط اعتراضات من مجلس النقابات العمالية الأسترالية، الذي أعرب عن مخاوفه بشأن تردي الأوضاع الإنسانية والعمالية في الإمارات، مشيراً إلى أنها “واحدة من أكثر الدول قمعاً”. وتُعرف الإمارات بمعاملتها القاسية للعمال المهاجرين، الذين يمثلون حوالي 90% من القوى العاملة، حيث تشهد ظروف عمل قاسية تقترب من العبودية الحديثة.
وبالرغم من ذلك، أكدت السلطات الأسترالية أن هذه الاتفاقية ستعزز صادراتها إلى الإمارات بمئات الملايين من الدولارات. لكن هذه الاتفاقيات تثير تساؤلات حول مدى التزام الحكومات الغربية بمبادئ حقوق الإنسان عند التعامل مع دول تُعرف بسجلها السيء في هذا المجال، حيث يتم تفضيل المصالح الاقتصادية على حقوق الإنسان الأساسية.
تلميع صورة بن زايد
تسعى الإمارات، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، إلى تلميع صورتها عبر استثمارها في حملات علاقات عامة واسعة النطاق، تهدف إلى إظهارها كدولة متسامحة وتحترم الحريات.
لكن الواقع، بحسب تقرير الغارديان، يظهر عكس ذلك تماماً، حيث تمارس الإمارات قمعاً شاملاً بحق المعارضة وتعتقل منتقديها السياسيين، بل وتتهم بتعذيبهم في بعض الحالات.
ولا يقتصر الترويج على هيمسورث وحده؛ ففي العام السابق، شاركت الممثلة ريبل ويلسون في حملة ترويجية للإمارات، مما أثار انتقادات مماثلة. يبدو أن الإمارات تستغل نفوذ مشاهير هوليوود لتعزيز حضورها الإعلامي عالمياً، بينما تواصل قمع حرية التعبير وحقوق الإنسان داخل البلاد.
اقرأ أيضًا : حقوق العمال الأجانب في السعودية بين واقع الاستغلال والإصلاحات الصورية
اضف تعليقا