عام 2017 حبس ولي العهد السعودي ما يقرب من 400 من أقوى الأشخاص في بلاده في فندق ريتز كارلتون في الرياض وجردهم من ثرواتهم، كانت هذه إحدى العلامات الأولية على النهج الذي سيتبعه هذا الأمير الشاب خلال فترة حكمه التي قد تمتد لثلاثة عقود من الزمان، وحسب مصادر مطلعة على الأحداث، استعان بن سلمان بشركة كليفورد تشانس – وهي شركة قانونية عملاقة مقرها لندن- لتسهيل كافة الإجراءات القانونية التي تمكنه من الاستيلاء على هذه الثروات.
استولى بن سلمان على أصول بقيمة 100 مليار دولار من هؤلاء المعتقلين، الذين شملوا منافسين سياسيين له، وحسب ما وُرد من تقارير فإن بعضهم تعرضوا للضرب والحرمان من النوم والاحتجاز في أوضاع مرهقة.
بعد سبع سنوات من هذه العملية، توسعت شركة كليفورد تشانس – التي ارتفعت إيراداتها العالمية بنسبة 9٪ إلى 2.3 مليار جنيه إسترليني في السنة المالية الماضية – في المملكة العربية السعودية لتصبح “قوة قانونية لا مثيل لها”، وفقًا لموقعها على الإنترنت.
تفتخر الشركة بعملاء حكوميين كبار، بما في ذلك الوزارات الرئيسية وصندوق الاستثمار العام السيادي. في عام 2023، بعد تغيير قانوني، أصبح فرعها في السعودية، AS&H Clifford Chance – – مشروع مشترك مع شركة محلية – واحدة من أولى الشركات الأجنبية المعتمدة لممارسة القانون، وقد حصلت على جائزة أفضل شركة محاماة الشهر الماضي.
الآن تواجه الروابط الطويلة الأمد للشركة مع النظام السعودي التدقيق بعد تكليفها بإعداد تقييم “مستقل” لسجل المملكة العربية السعودية في مجال حقوق الإنسان كجزء من محاولة البلاد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2034 – وهو التقرير الذي تم إدانته بشدة باعتباره “تغطية على جرائم النظام”.
حسب تحقيق أجرته صحيفة “ذا أوبزرفر”، فإن شركة محاماة أخرى تم الاتصال بها لإجراء هذا التقييم رفضت بسبب مخاوف تتعلق بالسمعة ومخاوف بشأن تضارب المصالح.
لكن الفرع السعودي لشركة كليفورد تشانس – الذي يشمل عمله أيضًا الإشراف على صفقة ملعب كرة قدم بمليارات الجنيهات الإسترليني لناديين في الدوري السعودي للمحترفين – وافق على إعداد هذا التقرير، كما وافقت الفيفا كذلك على هذه الشركة.
كان التقييم مطلوبًا كجزء من عملية تقديم العطاءات للفيفا، وكان من المفترض أن يعطي صورة مستقلة وغير متحيزة حول واقع حقوق الإنسان في المملكة، خاصة وأن المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة، التي تقول الفيفا إنها تلتزم بها، تنص على أن مثل هذه التقييمات يجب أن “تشمل جميع حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا كنقطة مرجعية”.
لكن الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة “ذا أوبزرفر” تظهر أن شركة كليفورد تشانس وافقت على تضييق نطاق مجالات البحث بعد طلب من الاتحاد السعودي لكرة القدم، والذي وافقت عليه الفيفا مرة أخرى.
تعني القيود أن التقرير نظر فقط إلى حقوق الإنسان المعترف بها في المملكة العربية السعودية – بدلاً من تلك المعترف بها عالميًا – والتي اعتبرها الاتحاد السعودي لكرة القدم ذات صلة.
في 39 صفحة، لا يوجد ذكر للضوابط المفروضة على حرية التعبير وحظر النقابات العمالية أو عمليات الإخلاء القسري، كما حدث أثناء بناء مدينة نيوم الضخمة. في ملاحظات منهجية للتقرير، تقول شركة AS&H Clifford Chance إن النطاق “حدده أعضاء الشركة بالاتفاق مع الفيفا”. تكشف الملاحظات أيضًا أن المراجعة اكتملت بعد ستة أسابيع فقط من العمل المكتبي واعتمدت فقط على المقابلات مع الوزارات الحكومية، إذ لم يتم التشاور مع جماعات حقوق الإنسان والمتضررين من الانتهاكات المزعومة، مثل العمال المهاجرين.
في الأسبوع الماضي، هاجم تحالف من 11 منظمة لحقوق الإنسان التقرير ووصفه بأنه “معيب بشكل قاتل”، مؤكدًا أنه قلل بشكل كبير من “الخطر الشديد” المتمثل في استضافة كأس العالم في المملكة العربية السعودية. قالت جوليا ليجنر، المديرة التنفيذية لمنظمة القسط لحقوق الإنسان، وهي منظمة سعودية في الشتات، إن القرار أعطى “منظورًا محدودًا ومضللًا وإيجابيًا بشكل مبالغ فيه”، في حين وصفه جيمس لينش من منظمة فيرسكوير، وهي منظمة غير ربحية للدفاع عن حقوق الإنسان، بأنه “تبرئة” للنظام السعودي من الجرائم التي ارتكبها ضد المعارضين.
وقال لينش إنه “أمر سيئ بشكل لا يصدق” و”غريب حقًا” أن تتجاهل شركة كليفورد تشانس – المعروفة بممارساتها في مجال حقوق الإنسان في المملكة المتحدة – المعايير الدولية للموافقة على المعايير التي وضعها الاتحاد السعودي لكرة القدم. وأضاف أن فشلها في إجراء مقابلات مع أصحاب المصلحة الخارجيين كان “جنونيًا تمامًا”.
وقال: “إنه انحراف كبير عن المنهجية السليمة. قد يقولون: “انظر، لم يكن لدينا وقت كافٍ”… حسنًا في هذه الحالة إما ألا تكتبه، أو لا تسميه تقييمًا مستقلًا لحقوق الإنسان – لأنه ليس كذلك”.
كما اتُهمت الشركة بانتقاء التعليقات من هيئات الأمم المتحدة، وتجاهلت التقارير الأكثر إدانة، مثل تلك المتعلقة بالنساء والفتيات اللاتي يواجهن إجراءات جنائية إذا تقدمن بشكاوى في قضايا الاعتداء الجنسي. ولم يتم تضمين أي تقارير من المقررين الخاصين للأمم المتحدة ولا يوجد ذكر لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ولا حملة اعتقالات ريتز كارلتون.
قال ستيف كوكبيرن، رئيس حقوق العمال والرياضة في منظمة العفو الدولية: “من غير المعقول أن شركة AS&H Clifford Chance أغفلت مثل هذه المخاطر الصارخة من تقييمها … أما التسهيلات التي قدمتها لهم الفيفا للقيام بذلك فهي فضيحة”.
تسبب الجدل حول التقرير، الذي نشرته الفيفا لأول مرة في يوليو/تموز، ولكن لم يحظ باهتمام كبير، في حدوث اضطرابات في المقر الرئيسي لشركة Clifford Chance في كاناري وارف.
تشتهر الشركة بعملها الخيري وحقوق الإنسان، ويرأس أحد شركائها جمعية محامي الأعمال وحقوق الإنسان، ولكن وفقًا لأشخاص مطلعين على التقييم، لم يتم التشاور مع الموظفين الرئيسيين ذوي الخبرة ذات الصلة، وحسب أحد المصادر فإن التقرير “خلق عاصفة داخلية”.
وقال آخر: “إنه عمل رديء… كان من الخطأ أن يتولى أي شخص موثوق هذه المهمة نظرًا لأن المعايير كانت محدودة للغاية… ونظرًا للشروط المرفقة، لم يكن هناك طريقة للقيام بذلك بطريقة أخلاقية”.
أثار التقرير كذلك أسئلة أوسع نطاقًا للفيفا حول نزاهة عرض المملكة العربية السعودية لاستضافة كأس العالم مع اقتراب التصويت لتأكيد المملكة كمضيفة لعام 2034 بعد العرض الذي قدمته المملكة قبل أعوام. هذا العرض تسبب في جدل واسع منذ البداية بعد أن اتخذ مجلس الفيفا، بقيادة رئيس المنظمة، جياني إنفانتينو، خطوات يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تساعد في تمهيد الطريق أمام المملكة العربية السعودية للنجاح، بما في ذلك اتخاذ قرار باستضافة بطولة 2030 في ثلاث قارات – مما يقيد أهلية الاستضافة لعام 2034 إلى آسيا -حيث توجد السعودية- أو أوقيانوسيا -التي لم تقدم أي بلد منها عرض- كانت هناك أيضًا عملية متسارعة أعطت البلدان 25 يومًا فقط للتعبير عن نواياها.
من المتوقع أن يتم التصديق على تعيين المملكة العربية السعودية كدولة مضيفة في اجتماع للفيفا في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل في زيوريخ، حيث سيصوت أعضاء المنظمة البالغ عددهم 211 عضوا، وقال متحدث باسم الفيفا إن “عملية تقديم العطاءات الشاملة” جارية وإنه لن يعلق حتى تنتهي.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا