في دراسة حديثة أصدرها مركز الحقوق والبحوث العربية “آراك”، تم تسليط الضوء على مجموعة من الإشكاليات الحادة التي تكتنف ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 2025.
تأتي هذه الميزانية في سياق يُظهر عجزاً مالياً متوقعاً وتوجهات اقتصادية مثيرة للجدل، وسط غياب واضح للشفافية والعدالة في توزيع الأعباء المالية للمملكة التي تعاني في ظل حكم بن سلمان.
كذلك أبرزت الدراسة عجزاً مالياً قدره 101 مليار ريال سعودي، في وقت تُقدر فيه النفقات الحكومية بـ1.285 مليار ريال والإيرادات بـ1.184 مليار ريال. ومع ذلك، تساءلت الدراسة عن مدى دقة هذه الأرقام، مشيرة إلى أن الحكومة السعودية لا تشارك التفاصيل الحقيقية لإيراداتها ونفقاتها مع الجمهور.
هذا الغموض يزيد من الشكوك حول مصداقية هذه الأرقام، خاصة مع اعتماد المملكة على مشاريع ضخمة مثل نيوم والبحر الأحمر، التي تتجاوز تكلفتها الدين العام.
غياب الشفافية
كما انتقد المركز تناقض الميزانية مع الهيكل الإداري الرسمي للدولة. حيث أشار إلى أن الميزانية تُغطي فقط تسع جهات حكومية، بينما يبلغ العدد الفعلي للوزارات والهيئات في المملكة 74 جهة.
كما أثار ذلك تساؤلات حول ماهية هذه الجهات المعلنة وما إذا كانت تغطي جميع الوزارات والهيئات أم أنها تمثل جهات مستحدثة بهدف خصخصة بعض القطاعات الحكومية أو تقليص نفقاتها.
ولفت التقرير إلى اعتماد الحكومة السعودية بشكل متزايد على الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية، والتي تُشكل حوالي 66% من الإيرادات الضريبية.
هذا التوجه يفرض أعباءً مالية كبيرة على الأفراد ذوي الدخل المحدود، ما يزيد من الشعور بعدم العدالة الضريبية في المملكة. وفي الوقت ذاته، تحظى الشركات الكبرى، وخاصة الأجنبية منها، بإعفاءات ضريبية تثير تساؤلات حول مدى توازن النظام الضريبي.
كما انتقد المركز فرض رسوم متزايدة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع الإشارة إلى أن هذه الضرائب الانتقائية تعيق تطور الاقتصاد المحلي، بينما يُعفى أصحاب الثروات الكبرى من هذه الأعباء. وأكد التقرير أن هذه السياسات تؤدي إلى تباطؤ في الحركة الاقتصادية وزيادة الضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة.
عبث اقتصادي
ركز التقرير على غياب الشفافية في إدارة المشاريع الكبرى، مثل مشروع نيوم وكأس العالم والمربع السكني، حيث لم تتضمن الميزانية أرقاماً واضحة حول تمويل هذه المشاريع. وأشار المركز إلى أن المملكة تعتمد بشكل متزايد على الاقتراض لتمويل هذه المشاريع، مما يؤدي إلى زيادة الدين العام ويهدد استقرار المالية العامة.
وأوضح المركز أن هذه المشاريع تُنفذ دون دراسة جدوى اقتصادية واقعية، مما يجعلها عرضة للفشل. فعلى سبيل المثال، تم الإعلان عن تراجع بعض خطط مشروع نيوم بسبب عدم واقعيته. هذه المشاريع تُشكل عبئاً إضافياً على موارد الدولة، حيث تُمول عن طريق الاقتراض المستمر وإلزام المؤسسات البنكية بالمشاركة فيها.
فيما خلصت الدراسة إلى أن المملكة تفتقر إلى سياسة اقتصادية مدروسة، حيث تُعلن عن مشروعات كبرى دون عوائد مادية ملموسة. هذه المشاريع تُخصص لفئة محدودة من الأشخاص، بينما تُهمل الدولة مراجعة أعمالها ومشاريعها السابقة. وأكد التقرير أن هذه السياسات تُسهم في تراكم الدين العام وزيادة الاعتماد على الضرائب غير المباشرة، مما يفاقم من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
فيما تُظهر ميزانية السعودية لعام 2025 نموذجاً لإدارة اقتصادية تفتقر إلى الشفافية والتخطيط الواعي، مع استنزاف للموارد العامة وزيادة في الأعباء على الفئات المتوسطة والفقيرة. في ظل هذه السياسات، تبدو المملكة مقبلة على تحديات مالية كبيرة تهدد استقرارها الاقتصادي والاجتماعي. ويبدو أن غياب الشفافية وإهدار المال العام دون محاسبة يُشكلان العقبة الأكبر أمام تحقيق أي تقدم حقيقي في الاقتصاد السعودي.
اقرأ أيضًا : انتشار الكبتاجون.. كيف يدفع المجتمع السعودي ثمن فساد محمد بن سلمان؟
اضف تعليقا