العدسة – جلال إدريس

في أبريل 2016، زار الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز القاهرة، وألتقى حينها بالجنرال عبدالفتاح السيسي، ومكث بمصر ثلاثة أيام ليعود إلى بلاده بعد ذلك بجزيرتين مصريتين هما (تيران وصنافير) حيث تنازل السيسي عنهما لصالح السعودية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين.

بعد هذا الموعد بعامين، وتحديدا في مارس 2018، زار محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، ونجل الملك سلمان القاهرة، والتقى أيضا بالجنرال عبدالفتاح السيسي، ومكث بالقاهرة ثلاثة أيام، ليعود إلى بلاده بألف كيلو متر مربع من أراضي سيناء، منحها السيسي للسعودية، لتنضم إلى مشروع مدينة “نيوم السعودية”.

فماذا لو زار القاهرة أحد أحفاد الملك سلمان بعد عامين أيضا، هل يمكن للسيسي أن يمنحه مزيدا من الأراضي المصرية، أم أنه سيعطه أحد الأهرامات الثلاثة؟!

تهكم ساخر وافتراض سياسي، طرحه نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد قرار السيسي الأخير بمنح “بن سلمان” كل تلك المساحة من أراضي مصر، كاستئجار طويل الأمد لإقامة مشروع “بن سلمان” الجديد، الأمر الذي اعتبره النشطاء والسياسيون كاشفا عن حجم الهيمنة السعودية على مصر بعد انقلاب الثالث من يوليو، كما أنه يعد أيضا كاشفا عن استعداد السيسي للتفريط في أي شيء، مقابل استمرار تدفق الأرز الخليجي على سلطته.

تفاصيل الصفقة

صفقة الأراضي المصرية الممنوحة للسعودية، تأتي ضمن اتفاقيات استثمار وقعتها السعودية مع مصر لتطوير أراض مصرية جنوبي سيناء، لتكون ضمن مشروع «نيوم»، في أقصى شمال غربي السعودية، وتبلغ مساحتها أكثر من ألف كيلومتر مربع، حسبما ذكرت “سكاي نيوز” و”العربية”.

ووفقا لما نقلته وكالة “رويترز”، عن مسؤول سعودي (لم تسمه)، فإن مصر تعهدت بألف كيلومتر مربع من الأراضي في جنوب سيناء، لتكون ضمن مدينة “نيوم” السعودية.

وتعد هذه الأراضي الواقعة بمحاذاة البحر الأحمر جزءًا من صندوق مشترك قيمته عشرة مليارات دولار، أعلنت الدولتان تأسيسه في ساعة متأخرة من مساء الأحد، خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقاهرة.

وكان ولي العهد السعودي أعلن من قبلُ خطط إنشاء تلك المنطقة المعروفة باسم “نيوم” على مساحة 26500 كم، خلال مؤتمر دولي للاستثمار بالرياض في وقت سابق، وقال مسؤولون إن من المتوقع، في نهاية الأمر، أن يبلغ إجمالي الاستثمارات العامة والخاصة في المنطقة 500 مليار دولار.

وقال المسؤول السعودي إن بلاده ستعمل على إنشاء سبع نقاط جذب بحرية سياحية، ما بين مدن ومشروعات سياحية في “نيوم”، بالإضافة إلى 50 منتجعًا وأربع مدن صغيرة في مشروع سياحي منفصل بالبحر الأحمر، في حين ستركز مصر على تطوير منتجعي شرم الشيخ والغردقة.

وأشار المسؤول السعودي إلى أن السعودية ستتعاون مع مصر والأردن على استقطاب شركات الملاحة والسياحة الأوروبية للعمل في البحر الأحمر خلال الشتاء.

ماذا قال “بن سلمان” عنها؟

ولى العهد السعودى، محمد بن سلمان، أكد أن مشروع “نيوم” سيعمل على بناء عاصمة تجارية للمنطقة، سيصل عدد سكانها إلى ما يقرب من 3 ملايين نسمة، وكونها ستكون إلى جوار شرم الشيخ – تبعد عنها بـ 3 كيلو مترات فقط، وستؤدي لإنعاش الحركة السياحية فى المدينة المصرية الرائعة.

وأشار محمد بن سلمان، خلال لقائه مع مجموعة من الإعلاميين المصريين، إلى أنه تم التوقيع مع مصر على اتفاقية إنشاء صندوق استثمارى رأس ماله 10 مليارات دولار، حصة مصر فيها ستكون عبارة عن الأرض اللازمة لتنفيذ جزء من المشروع، وخمسة مليارات من الجانب السعودى.

“بن سلمان” حاول التقليل من خطورة استحواذه على ألف كيلو متر من الأراضي المصرية، حيث أكد أن “نيوم” استثمار بأموال سعودية على أرض مصرية، وأن المخاوف التى يرددها البعض عن حصول السعودية على ألف كيلو متر من الأراضي المصرية لا أساس له من الصحة بحسب زعمه.

“بن سلمان” زعم أيضا أنه يقدر دوافع أصحاب هذه المخاوف، مشددا على أن ما جرى على الأرض ليس كذلك على الإطلاق، ولكنه عملية استثمار واضحة، تقوم السعودية فيها بالاستثمار على الأرض المصرية.

تساؤلات تبحث عن إجابات

الخبير الاقتصادي والمستشار السابق في الأمم المتحدة، إبراهيم نوار، طرح عدة تساؤلات عن هذا المشروع المثير للجدل، خصوصا أن السعودية هي من بادرت بالإعلان عن منح مصر لها كل تلك الأراضي في سيناء.

تساؤلات الخبير الاقتصادي جاءت كالآتي:

لماذا أعلنت السعودية من جانب واحد، ولم تصدر مصر بيانًا رسميًّا يبين حقيقة هذا التنازل؟ وما معنى تعهد مصر بمنح هذه المساحة للسعودية؟ وما هي خريطة هذه المساحة؟ وهل توجد فيها حاليا أملاك خاصة للمصريين أم لا؟ وما هو الغرض من التنازل؟ وكيف ستدار المنطقة؟ وما هو التكييف القانوني لذلك التعهد؟ ومن بالضبط الذي تعهد للسعودية بمنح ألف كيلومتر مربع من أراضي مصر؟ وهل هذا جزء من صفقة القرن؟.

وعبْر موقع “فيسبوك” طالب “نوار” ببيان رسمي من الإدارة المصرية، وأكد أن “التصريح الخاص بتعهد مصر بأرض من جنوب سيناء لمشروع (نيوم) السعودي لم يصدر من مصر، ولكن من السعودية، وأظن أنه من اللائق أن يصدر من القاهرة بيان رسمي بهذا الخصوص لتوضيح الأمر”.

وأضاف أن “ثلاثة مسؤولين مصريين يمكن لأي منهم أن يعقد مؤتمرا صحفيا لتوضيح حقيقة الأمر، محافظ جنوب سيناء، ووزير التنمية المحلية، ووزيرة الاستثمار والتعاون الدولي.

وتساءل النشطاء عن عدم إصدار القاهرة أي بيان رسمي حول الإعلان، قائلين: “أين محافظ جنوب سيناء التي تقع فيها الأرض الممنوحة؟ أين وزير التنمية المحلية؟ أين وزيرة الاستثمار، بفرض أنه سيتم الاستثمار بتلك المنطقة، وبالتالي، فعليه أن يعلن التفاصيل؟

جزء من صفقة القرن

من جهة أخرى فإن مراقبين اعتبروا أن منح مصر للسعودية ألف كيلو متر من أراضي سيناء، ليس سوى جزء من “صفقة القرن”، التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية، وتنفذ مخططاتها كل من (مصر والأردن والإمارات وإسرائيل والسعودية والسلطة الفلسطينية).

وبحسب المحلل السياسي سيد أمين، فإن هذه الأرض جزء من (صفقة القرن) ومن مشروع (نيوم) السعودي، المقرر أن تعمل إدارته السعودية لصالح تل أبيب وازدهارها، مشيرا إلى اعتقاده بأن هذه المساحة ستكون المقابلة لجزيرتي (تيران وصنافير)؛ من أجل إبعاد يد مصر عن خليج العقبة وتفريغ الخليج لإسرائيل وسفنها”.

وحول احتمالات أن تمنح السعودية مصر مشروعات حقيقية مقابل هذا التنازل عن أراض بسيناء، أكد “أمين” أن “أي مشروعات تنموية في سيناء مرفوضة إسرائيليا، ولن تتم، ولو تمت ستتم بعد تنفيذ صفقة تبادل الأراضي بين مصر والكيان الصهيوني، وبعد أن يستقر هذا التبادل ويصبح واقعا مستقرا، أما قبل ذلك فلا”.

وعن إعلان السعودية من جانبها عن هذه الاتفاقية قال “أمين”، إن ذلك يأتي في إطار توريط السيسي وإجباره على تنفيذ وعوده مبكرا، بعد أن اعتقدت المملكة أن حكم الإدارية بمصرية (تيران وصنافير) كان لعبة من نظام السيسي لابتزازها بشكل أكبر”.

وأكد في تصريحات لـ”عربي 21″ “أن السعودية ربما اشترطت أن يصدر حكم المحكمة الدستورية العليا بسعودية الجزيرتين قبل تنفيذ أي اتفاقيات أخرى، ولذلك صدر حكم الدستورية قبل “بن سلمان” مباشرة للقاهرة”.

سياسيون: خيانة جديدة

في مقابل الصمت الرسمي على “التنازلات المصرية” عن أراضيها لصالح السعودية، سادت موجة من الغضب صحفات التواصل الاجتماعي، إذ أبدى النشطاء والمغردون استغرابهم من سهولة التفريط في أرض مصر في عهد السيسي.

الإعلامي هيثم أبو خليل، علق قائلا: “رويترز” تنشر خبرا مخيفا عن تعهد مصر بـ١٠٠٠ كم من جنوب سيناء للسعودية، ولا أعرف عن أي مصر يتحدثون؟

وأضاف: “مصر عسكر الخيانة” الذين يفرطون في الأرض من أجل الأمن القومي الإسرائيلي، أم مصر برلمان الطراطير الذين يبصمون على ما يأمرهم به سيدهم؟

أما الناشطة مي عزام فتساءلت: يا ترى محمد بن سلمان هيصارحنا بمكان الأرض المصرية التى ستدخل فى مشروع نيوم الذي أعلن عنه؟ ولا مخليين الموضوع مفاجأة.

الناشط السياسى إسلام الغمري غرد قائلا: “..السيسي خائن وعميل صهيوني، 1000 كيلومتر مربع فوق بيعة تيران وصنافير”.

أكبر من مساحة البحرين

وعن ضخامة الأرض الممنوحة للسعودية، قام الحقوقي “جمال عيد” بعمل حسبة رياضية عن مساحة الأرض قال فيها: (مساحة جزيرة تيران = 80 كيلومترًا مربعًا، خدتها السعودية + مساحة جزيرة صنافير = 33 كيلومترا مربعا، خدتها السعودية + 1000 كيلومتر مربع يمنحها السيسي للسعودية اليوم = 1113 كيلومترًا مربعًا!).

وأضاف معلقا: مساحة دولة البحرين = 934 كيلومترا مربعا، مصر منحت السعودية مساحة أكبر من مساحة دولة البحرين.

أما الناشط خميس صلاح فعلق قائلا: للأسف طلع واخد 1000 وليس 100 كيلومتر من جنوب سيناء، ويشملوا جزيرة محمد أجمل شعاب مرجانية فى العالم، عندي اقتراح ما الأفضل يعملوا اتحاد ويبقوا دولة واحدة وبلاها وجع القلب اللي احنا فيه.

ثم أضاف: رجع ومعاه 1000 كيلو من أرض سيناء لمشروع نيوم واحنا لسنا نيوم.