في خطوة تعكس النهج القمعي الذي باتت السعودية تتبناه بشكل علني، كشفت تقارير إعلامية عن ضغوط تمارسها السلطات السعودية ضد مواطنين مزدوجي الجنسية، حيث تم اعتقال أشخاص يحملون الجنسيات الأمريكية والبريطانية لمجرد آرائهم أو صلاتهم الاجتماعية.
ومن بين هذه الحالات، تعرض المواطن الأمريكي سعد الماضي البالغ من العمر 74 عامًا لاعتقال تعسفي بسبب منشورات انتقد فيها ولي العهد محمد بن سلمان، لتُضاف هذه الحالة إلى سلسلة من الممارسات التي تستهدف تكميم الأفواه وإرغام الأفراد على التخلي عن جنسيتهم.
ووفقًا لوكالة “أسوشيتدبرس”، أُجبر الماضي على محاولة التخلي عن جنسيته الأمريكية بعد احتجازه لأكثر من عام، في حين يواجه الآن حظر سفر يمنعه من العودة إلى الولايات المتحدة رغم وضعه الصحي المتدهور.
هذه الإجراءات القمعية لم تكن معزولة، إذ أشار المعارض السعودي عبد الله العودة إلى وجود ثلاث حالات أخرى على الأقل لأشخاص تعرضوا لضغوط مشابهة.
معاناة مزدوجي الجنسية
حالة الماضي لم تكن الوحيدة، فقد برزت قضية الناشطة السعودية الحاصلة على البطاقة الخضراء الأمريكية عزيزة اليوسف، التي لا تزال تواجه حظر السفر بعد مشاركتها في احتجاجات سلمية عام 2018.
هذه الحوادث وغيرها تؤكد محاولات النظام السعودي استخدام القوانين كأداة قمعية للتضييق على مزدوجي الجنسية والمواطنين الذين يعبرون عن آرائهم، ولو كانت الانتقادات بسيطة.
في هذا السياق، طالب نجل سعد الماضي الحكومة الأمريكية بالتحرك قائلًا: “هناك أمراء سعوديون يتنقلون بحرية لإجراء فحوصات طبية في الولايات المتحدة، فلماذا يُحرم مواطن أمريكي من العودة لأسباب صحية؟”
ورغم المناشدات، يبدو أن الإدارة الأمريكية تكتفي بإصدار تصريحات خجولة تؤكد فيها دعمها القنصلي للماضي، دون اتخاذ خطوات عملية للضغط على السعودية لإعادة النظر في سياساتها القمعية.
منهجية القمع
على صعيد آخر، كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن احتجاز المواطن البريطاني أحمد الدوش في السجون السعودية منذ أغسطس الماضي، حيث وُضع في الحبس الانفرادي دون توجيه تهم رسمية. هذه المعاملة السيئة، التي تضمنت منعه من الحديث مع زوجته يوم ولادة طفله الرابع، تعكس مدى الاستهانة بحقوق الإنسان داخل المملكة.
الدوش، الذي يعمل كمحلل أعمال في بريطانيا، تعرض للاستجواب حول منشورات محدودة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع الإشارة إلى أن هذه المنشورات لم تتناول الشأن السعودي، وإنما تضمنت تغريدة وحيدة عن السودان. رغم ذلك، يبدو أن السلطات السعودية استغلت صداقته مع أحد معارضي النظام، سعد الفقيه، كذريعة لتبرير اعتقاله.
الممارسات القمعية السعودية تُظهر تجاهلًا واضحًا للقوانين الدولية التي تضمن حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم. منظمة حقوقية قدمت شكوى رسمية للأمم المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الدوش، مؤكدة أن احتجازه تعسفي وغير قانوني. كما وصفت محاميته، هايدي ديكستال، معاملته بأنها انتهاك صارخ لحقوق المحاكمة العادلة.
في ظل هذه التطورات، يطرح السؤال نفسه: لماذا يستمر النظام السعودي في تجاهل الانتقادات الدولية؟ الإجابة تكمن في غياب ضغط حقيقي من الشركاء الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث يبدو أن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية تغلب على اعتبارات حقوق الإنسان.
فيما تتوالى الشهادات التي تفضح سياسات القمع في السعودية، مما يعزز الأصوات المعارضة التي تنادي بمحاسبة النظام على انتهاكاته. وفي حين يواصل النظام استخدام القوانين كأداة لتصفية الحسابات مع معارضيه، فإن المنظمات الحقوقية والنشطاء يؤكدون أن هذه السياسات لن تُسكت الجميع.
القضية هنا لا تتعلق فقط باعتقال مزدوجي الجنسية، بل تكشف عن توجه أوسع نحو تكميم الأفواه وقمع أي محاولة لانتقاد النظام أو سياساته، حتى لو كان ذلك عبر تغريدات بسيطة. وإذا استمر الصمت الدولي تجاه هذه الممارسات، فإن السعودية ستواصل استغلال هذا الفراغ لمزيد من القمع والاستبداد.
اقرأ أيضًا : نظام بن سلمان والثورة السورية.. بين ادعاء الدعم وخيانة المبادئ
اضف تعليقا