تواجه القاضية الأوغندية ونائبة رئيس محكمة العدل الدولية، جوليا سيبوتيندي، اتهامًا خطيرًا يتعلق بالانتحال الأدبي، ما أثار عاصفة من الجدل في الأوساط القانونية والدبلوماسية الدولية. تأتي هذه الاتهامات على خلفية تحفّظها بتاريخ 19 يوليو 2024 بشأن الآثار القانونية للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من جانبه، كشف الباحث زاكاري فوستر، المختص بتاريخ دراسات الشرق الأدنى والحاصل على الدكتوراه من جامعة برينستون، أن سيبوتيندي اقتبست بشكل مباشر أجزاءً من مقال دوغلاس جي فايث المنشور عن معهد هدسون عام 2021، دون الإشارة إلى المصدر.
فوستر أشار في منشور له على منصة “إكس” إلى أن القاضية نسخت عبارات من مقال فايث مع إدخال تعديلات طفيفة على النصوص، خاصة في الأقسام المتعلقة بالتاريخ والاستخدام السياسي لمصطلح “فلسطين”.
هذه الاتهامات التي وُصفت بأنها “غير مسبوقة” وضعت سيبوتيندي في موقف حرج، حيث دعا فوستر إلى عزلها من منصبها نظرًا للمساس بسمعة محكمة العدل الدولية، التي يُفترض أن تكون نموذجًا للنزاهة والاحترافية. وعلى الرغم من خطورة الادعاءات، لم تقم القاضية حتى الآن بإصدار رد رسمي يوضح موقفها، ما يزيد من الشكوك حول مصداقيتها.
انعدام النزاهة القضائية
هذه الحادثة لم تكن الجدل الوحيد المحيط بسيبوتيندي. فقد أثارت مواقفها في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل تساؤلات واسعة حول تحيزها وموضوعيتها.
في قرارات التدابير المؤقتة الصادرة في 26 يناير 2024، رفضت القاضية جميع النقاط الست التي قدمتها جنوب أفريقيا، بينما صوت القاضي الإسرائيلي أهارون باراك لصالح نقطتين من القضية.
موقف سيبوتيندي بدا متناقضًا بشكل لافت، خاصة في ظل كون القضية تتعلق بمنع الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة. في 24 مايو 2024، واصلت القاضية موقفها المعارض برفضها جميع التدابير المؤقتة الإضافية التي دعت إليها المحكمة.
أثارت هذه المواقف ردود فعل غاضبة، ليس فقط من جنوب أفريقيا التي تقدمت بالدعوى، ولكن أيضًا من دول أخرى مثل تركيا ونيكاراغوا وكولومبيا التي انضمت لاحقًا إلى القضية.
ما يزيد الأمور تعقيدًا هو تصريح أوغندا الرسمي الذي تبرأت فيه من مواقف سيبوتيندي في المحكمة، مؤكدة أن هذه المواقف لا تمثل الدولة الأوغندية. هذا التصريح يُعد إدانة ضمنية للقاضية التي باتت تمثل عبئًا على سمعة بلادها في المحافل الدولية.
أين محكمة العدل الدولية؟
حادثة الانتحال والقرارات المثيرة للجدل تُعتبر “سابقة” في تاريخ محكمة العدل الدولية، كما وصفها أستاذ القانون الجنائي الدولي سيرغي فاسيلييف، وأكد أن مثل هذا الانتحال في أطروحة طالب جامعي كان ليؤدي إلى إلغاء النتائج وفرض عقوبات أكاديمية صارمة. هذه المقارنة تفتح الباب للتساؤل حول معايير المحاسبة داخل المؤسسات الدولية الكبرى، ومدى جدية التعامل مع تجاوزات كهذه.
تُعَدُّ محكمة العدل الدولية أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، ومن المفترض أن تكون قراراتها مبنية على النزاهة والحياد التام ومع ذلك، فإن استمرار وجود قاضية تواجه اتهامات خطيرة مثل الانتحال، إلى جانب قراراتها المثيرة للجدل التي تتعارض مع المواقف الإنسانية والأخلاقية، قد يُضعف من مكانة المحكمة الدولية ومصداقيتها.
تأتي هذه التطورات في وقت حرج بالنسبة للقضية الفلسطينية. فقد أصدرت محكمة العدل الدولية في 26 يناير 2024 قرارات تدابير مؤقتة تُلزم إسرائيل باتخاذ خطوات لمنع الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني في غزة، المحاصرة منذ أكثر من 17 عامًا. ومع ذلك، لم تلتزم إسرائيل بهذه التدابير، ما يعكس استمرار فشل المجتمع الدولي في فرض إرادته على الاحتلال الإسرائيلي.
الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا، والتي تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، حظيت بدعم دولي واسع، ما يُظهر تحوّلًا في الرأي العام العالمي نحو محاسبة إسرائيل على ممارساتها. انضمام دول مثل تركيا ونيكاراغوا وكولومبيا إلى القضية يعكس تنامي الوعي الدولي بأهمية التصدي للجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
في ظل هذه المعطيات، تُطرح تساؤلات حول مدى تأثير حادثة القاضية سيبوتيندي على مسار القضية الفلسطينية في محكمة العدل الدولية. هل ستؤدي الاتهامات إلى إضعاف جهود المحكمة في محاسبة إسرائيل؟ وهل يمكن لهذه الفضيحة أن تستغل سياسيًا لتشويه سمعة المحكمة وتقويض قراراتها؟
الخلاصة تُبرز قضية جوليا سيبوتيندي الحاجة الماسة لإجراء إصلاحات جذرية في محكمة العدل الدولية. يجب أن تشمل هذه الإصلاحات تعزيز آليات المحاسبة داخل المحكمة، وضمان نزاهة القضاة واستقلاليتهم. إن بقاء قاضية تواجه اتهامات بالانتحال في منصب حساس كهذا يُعتبر تهديدًا خطيرًا للنظام القضائي الدولي.
اقرأ أيضًا :مطار آل مكتوم.. جسر نظام بن زايد لإسرائيل في قلب المأساة الفلسطينية
اضف تعليقا