أمريكا تهاجم العدالة الدولية: عقوبات صارمة ضد الجنائية الدولية في خطوة تعكس الهيمنة الأمريكية على المؤسسات الدولية، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس، مرسومًا يقضي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، متهمًا إياها بمباشرة “إجراءات قضائية لا أساس لها” ضد الولايات المتحدة وحليفتها المقربة إسرائيل. 

بموجب هذا المرسوم، يحظر دخول مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها إلى الولايات المتحدة، كما يشمل أقرب أفراد عائلاتهم وكل من يتعاون مع المحكمة. إضافة إلى ذلك، فإن المرسوم يقضي بتجميد أصول جميع هؤلاء الأشخاص في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل تصعيدًا خطيرًا ضد مؤسسة دولية يفترض أن تعمل باستقلالية تامة بعيدًا عن الضغوط السياسية.

وتأتي هذه العقوبات بعد فتح المحكمة تحقيقات في جرائم حرب مزعومة ارتكبها جنود أمريكيون في أفغانستان، إضافة إلى تحقيقات أخرى تتعلق بجرائم ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. 

إسرائيل، التي لا تعترف بسلطة المحكمة تمامًا كما هو الحال مع الولايات المتحدة، سارعت إلى الترحيب بالقرار، حيث وصف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو المحكمة بأنها “لاأخلاقية”، مشيدًا بخطوة ترامب التي اعتبرها دفاعًا عن إسرائيل ضد ما وصفه بـ”الاضطهاد القضائي”. هذا الموقف يكشف بوضوح كيف تستغل إسرائيل الغطاء الأمريكي للإفلات من المحاسبة القانونية الدولية.

قانون لاهي: ترخيص أمريكي لغزو المحكمة الجنائية الدولية

لم تكتفِ واشنطن بفرض عقوبات على المحكمة، بل تمتلك أيضًا تشريعًا يسمح لها باستخدام القوة ضدها، وهو ما يُعرف بـ”قانون لاهاي”. تم إقرار هذا القانون في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عام 2002، وهو يمنح الولايات المتحدة الحق في استخدام القوة العسكرية لإطلاق سراح أي مواطن أمريكي أو حليف محتجز من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية. هذا التشريع يعكس مدى استهتار واشنطن بالقانون الدولي واستعدادها لتقويض أي مؤسسة قد تشكل تهديدًا لمصالحها.

يمثل هذا القانون سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الدولية، إذ يمنح واشنطن الحق في مهاجمة مؤسسة قضائية مستقلة في قلب أوروبا، الأمر الذي يفضح ازدواجية المعايير الأمريكية عندما يتعلق الأمر بمحاسبة الآخرين، بينما تُحصّن نفسها من أي مساءلة قانونية. فبدلًا من الالتزام بالقوانين الدولية، تواصل الولايات المتحدة استخدام نفوذها لإفشال أي مساعٍ لمحاسبة مرتكبي الجرائم، سواء أكانوا من مواطنيها أم من حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل.

حماية مطلقة لإسرائيل: واشنطن شريك أساسي في جرائم الاحتلال

لم تكن خطوة ترامب ضد المحكمة الجنائية الدولية إلا امتدادًا لسياسات أمريكية ثابتة تقوم على حماية إسرائيل من أي مساءلة قانونية. فمنذ تأسيس الكيان الصهيوني، دأبت الولايات المتحدة على استخدام نفوذها داخل المؤسسات الدولية لتعطيل أي قرارات تدين الاحتلال الإسرائيلي، سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما أن واشنطن لم تتردد في عرقلة أي تحقيقات تتعلق بجرائم حرب ارتكبها الاحتلال في فلسطين المحتلة، مستخدمة في ذلك سلاح العقوبات والتهديدات لكل من يحاول المساس بإسرائيل.

وفي هذا السياق، لم تقتصر الحماية الأمريكية لإسرائيل على تعطيل العدالة الدولية فحسب، بل امتدت إلى تسهيل القمع والجرائم التي يمارسها الاحتلال يوميًا بحق الفلسطينيين. حيث تقدم واشنطن الدعم العسكري والمالي السخي لتل أبيب، وتستخدم الفيتو في مجلس الأمن لإجهاض أي محاولات لتمرير قرارات تدين جرائم الاحتلال. هذا الموقف العدائي تجاه العدالة والقانون الدولي يعكس حجم الشراكة بين واشنطن وتل أبيب في انتهاك حقوق الفلسطينيين وفرض سياسة الإفلات من العقاب.

تهديدات إسرائيلية للمحكمة الجنائية الدولية

لم يقتصر التصعيد ضد المحكمة الجنائية الدولية على العقوبات الأمريكية فحسب، بل مارست إسرائيل تهديدات مباشرة بحق المدعي العام للمحكمة كريم خان وقضاتها، في محاولة واضحة لعرقلة عمل المحكمة ومنعها من استكمال التحقيقات الجارية بشأن جرائم الاحتلال. 

هذه التهديدات تعكس مدى الخوف الإسرائيلي من أي محاسبة دولية، خاصة بعد أن أصدرت المحكمة أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين بارزين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يؤاف غالانت.

ورغم هذه الضغوط، أصرّت المحكمة الجنائية الدولية على مواصلة عملها، مؤكدة في بيان رسمي أنها “تقف بحزم إلى جانب موظفيها، وتتعهد بمواصلة تحقيق العدالة ومنح الأمل لملايين الضحايا الأبرياء”. 

كما حثّت الدول الأعضاء على الوقوف ضد محاولات تقويض القضاء الدولي. من جانبها، أعربت دول أوروبية عن قلقها من الخطوة الأمريكية، حيث اعتبر الاتحاد الأوروبي أن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية “يهدد استقلالية القضاء الدولي”، في حين أكدت هولندا، التي تستضيف مقر المحكمة، أن عمل المحكمة “ضروري لمكافحة الإفلات من العقاب”.

لكن أمام الضغط الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا، تبدو المحكمة الجنائية الدولية أمام اختبار حقيقي. فهل ستتمكن من الصمود أمام هذه الضغوط أم ستخضع لمنطق القوة الذي تفرضه واشنطن وتل أبيب؟ الأكيد أن هذه التطورات تكشف بوضوح أن العدالة الدولية ما زالت رهينة لمصالح القوى الكبرى، وأن العالم ما زال بعيدًا عن تحقيق مفهوم العدالة الحقيقية التي لا تميز بين الجناة، سواء كانوا أقوياء أم ضعفاء.

 

اقرأ أيضًا : رئيس وزراء إسرائيلي سابق يرى خطة ترامب عبثية ..”إسرائيل لا تملك غزة حتى تمنحها لأحد”