في خطوة تحمل أبعادًا سياسية واستراتيجية، أعلنت كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن استعدادها لتسليم ثلاثة أسرى إسرائيليين، السبت، في إطار الدفعة الخامسة من صفقة “طوفان الأقصى” لتبادل الأسرى.
وللمرة الأولى، سيتم تسليم هذه الدفعة من مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، في تغيير ملحوظ لمواقع عمليات التسليم السابقة، وهو ما يحمل دلالات تتجاوز البعد العسكري إلى رسائل سياسية واضحة تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
لم تخضع دير البلح لاجتياح كامل خلال الحرب التي شنتها قوات الاحتلال على القطاع منذ أكثر من 470 يومًا، وهو ما يعكس أن المقاومة لا تزال تحتفظ بمناطق نفوذها وتحكمها في الميدان، رغم الدمار والتنكيل الإسرائيلي.
منصة كتائب القسام التي حملت عبارة “نحن الطوفان، نحن اليوم التالي”، جاءت كرسالة مباشرة لحكومة الاحتلال التي روجت مرارًا بأن “حماس لن تكون جزءًا من مشهد اليوم التالي في غزة”، وهو ما يبدو أن المقاومة تسعى لنفيه عمليًا من خلال استمرار عملياتها المنظمة وتبادلها للأسرى وفق شروطها.
صفقة الأسرى.. تكتيك المقاومة في فرض المعادلة
أعلن الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، عبر حسابه في “تليغرام”، عن أسماء الأسرى الإسرائيليين الثلاثة المقرر الإفراج عنهم، وهم: إلياهو داتسون يوسف شرابي، وأور إبراهم ليشها ليفي، وأوهاد بن عامي، وذلك ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، والتي تنص على إطلاق سراح 33 أسيرًا إسرائيليًا سواء كانوا أحياءً أو أمواتًا، مقابل الإفراج عن عدد يتراوح بين 1700 و2000 معتقل فلسطيني.
المرحلة الأولى من الصفقة، التي تمتد لـ42 يومًا، كشفت عن تفاصيل تفاوضية متقدمة تفرضها المقاومة على الاحتلال، حيث نجحت القسام حتى الآن في الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، بينهم 111 من قطاع غزة، الذين تم اعتقالهم بعد 7 أكتوبر 2023. ومع كل دفعة جديدة من عمليات التبادل، تعزز المقاومة من حضورها كطرف رئيسي في معادلة الصراع، وتوجه ضربة للإعلام الإسرائيلي الذي حاول تصوير حماس ككيان مهزوم أو فاقد للقدرة على المناورة.
رسائل المقاومة.. الرموز والأسلحة في عملية التسليم
عمليات تسليم الأسرى التي تنفذها كتائب القسام تحمل في كل مرة رسائل رمزية واضحة، سواء من خلال اختيار مواقع التسليم، أو عبر الأجواء المصاحبة لها. وكما حدث في المرات السابقة، تحرص المقاومة على إظهار الأسلحة ورفع العلم الفلسطيني فقط خلال عمليات التسليم، في تأكيد على أن الأرض فلسطينية خالصة، وأن الاحتلال الإسرائيلي لا يستطيع فرض رموزه أو استعراض قوته في أي مرحلة.
لكن اللافت هذه المرة هو أن كتائب القسام اختارت منطقة ما زالت المباني قائمة فيها لإقامة عرضها خلال تسليم الأسرى الإسرائيليين، وهي خطوة لم تغب عن ملاحظة الصحافة الإسرائيلية. حيث قالت الصحفية الإسرائيلية دافنا ليئال إن حماس اختارت هذا الموقع تحديدًا “ربما كرسالة إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي ادّعى أن القطاع مدمر بالكامل وغير صالح للسكن”. هذه الرسالة تعكس جانبًا آخر من التحدي، فالمقاومة لا ترد فقط على الاحتلال الإسرائيلي، بل تتعمد إيصال رسائلها إلى اللاعبين الدوليين الذين ساهموا في التغطية على المجازر الإسرائيلية، وفي مقدمتهم إدارة ترامب التي أعطت إسرائيل ضوءًا أخضر للمضي في عدوانها.
كما أن احتشاد المئات من الفلسطينيين أثناء عمليات التسليم، ورفع صور القادة العسكريين الذين اغتالتهم قوات الاحتلال، يبرز مجددًا حالة الالتفاف الشعبي حول المقاومة، رغم الحرب الشرسة التي طالت كل مكونات الحياة في القطاع. في المقابل، تعكس مشاهد تبادل الأسرى حالة الإحباط داخل إسرائيل، حيث يظهر الأسير الإسرائيلي لحظة تسليمه في حالة من الصدمة، وسط استعراض عسكري من قبل المقاومة، يؤكد أن الاحتلال لم يحقق أهدافه، وأن “اليوم التالي” الذي تحدثت عنه حكومة نتنياهو، ليس كما تريده إسرائيل، بل كما ترسمه المقاومة على الأرض.
ختامًا.. معادلة القوة تتغير
يبدو أن كتائب القسام، من خلال عملية التسليم الجديدة، ترسم معادلة مختلفة في إدارة الصراع مع الاحتلال، ليس فقط بفرض قواعد اشتباك جديدة على طاولة المفاوضات، ولكن أيضًا بترسيخ وجودها كفاعل أساسي لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية لغزة. ومع استمرار تنفيذ صفقات تبادل الأسرى وفق شروطها، تؤكد المقاومة أن “اليوم التالي” في غزة لن يكون خاليًا من حماس، بل سيكون استمرارًا لحضورها المتجذر، سياسيًا وعسكريًا.
اضف تعليقا