بعد أشهر من القتال المستمر، وجدت إسرائيل نفسها في أزمة مالية خانقة تهدد قدرتها على استئناف الحرب ضد غزة، وسط عجز متزايد في ميزانية الدفاع وانقسامات داخل الحكومة بشأن كيفية تمويل أي تصعيد جديد.
فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة “ذا ماركر” الإسرائيلية، فإن الحرب الطويلة استنزفت موارد الجيش بشكل غير مسبوق، مما جعل الاحتلال غير قادر على الاستمرار بنفس الوتيرة دون تداعيات كارثية على اقتصاده وتصنيفه الائتماني.
رغم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يزال يروج لخطاب القضاء على حركة حماس، فإن ميزانية 2025 وضعت بناءً على افتراض انخفاض حدة القتال، وهو ما يعني أن أي عودة للحرب بكامل قوتها ستدفع إسرائيل إلى أزمة تمويل خطيرة.
فحتى مع المساعدات الأميركية، فإن ميزانية الجيش تبلغ 107 مليارات شيكل (28.8 مليار دولار)، مع احتياطي إضافي بقيمة 10 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار) فقط، وهي أرقام غير كافية لمواصلة العمليات العسكرية بنفس الوتيرة السابقة.
نزيف مالي غير مسبوق.. والاستنزاف مستمر
التقرير كشف أن تكلفة الحرب في الأشهر الأولى وصلت إلى 1.8 مليار شيكل يوميًا (485 مليون دولار)، لكنها انخفضت لاحقًا إلى 300 مليون شيكل (81 مليون دولار) بسبب وقف إطلاق النار.
لكن أي تصعيد جديد ضد غزة أو جنوب لبنان سيعيد هذه الأرقام إلى مستوياتها المرتفعة، مما يهدد الاقتصاد الإسرائيلي المنهك بالفعل.
إضافة إلى ذلك، تواجه إسرائيل أزمة في القوى البشرية، إذ بلغ عدد جنود الاحتياط 60 ألف جندي، أي عشرة أضعاف المعدل الطبيعي، ويتوقع أن يرتفع العدد بين 5 إلى 10 آلاف جندي آخر في حال عادت الحرب. هذا الاعتماد الكبير على الاحتياط يرفع التكاليف العسكرية بشكل كبير، مما يزيد الضغط على الميزانية العامة.
وتواجه الحكومة صعوبات في تمرير قانون جديد لتمديد الخدمة العسكرية إلى 36 شهرًا، وهو ما قد يجبر الجيش على الاستمرار في استدعاء المزيد من جنود الاحتياط، ما يعني نفقات إضافية تُثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي، الذي بدأ يعاني من تراجع في التصنيف الائتماني وتراجع في الاستثمارات الأجنبية.
تخبط حكومي وتمويل أميركي متأخر
رغم أن إسرائيل تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأميركية، فإن تقرير الصحيفة أكد أن الاحتلال حصل في 2024 على 3.5 مليارات دولار فقط من أصل 8.7 مليارات دولار من المساعدات الطارئة التي خصصتها واشنطن لدعم العمليات العسكرية.
كما أن تأخير 5.2 مليارات دولار أخرى زاد من العجز المالي للحكومة الإسرائيلية، مما اضطرها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية لموازنة الإنفاق.
وتشير التقديرات إلى أن هذه المتأخرات سيتم دفعها تدريجيًا حتى عام 2026، ما يعني أن إسرائيل لن تستطيع الاعتماد على هذه الأموال لتمويل أي عمليات عسكرية وشيكة، مما يضع أي خطط مستقبلية للتصعيد أمام مأزق مالي خطير.
حماس تنجح في استنزاف الاحتلال.. ما السيناريو القادم؟
في ظل هذه التحديات المالية المتفاقمة، يبدو أن استراتيجية الاستنزاف التي تبنتها حماس منذ بداية الحرب بدأت تؤتي ثمارها، حيث أصبح الاحتلال عاجزًا عن الاستمرار في الحرب دون تداعيات اقتصادية ضخمة.
ومع تأخير المساعدات الأميركية وتراجع الاقتصاد الإسرائيلي، يجد نتنياهو نفسه أمام خيارين أحلاهما مر: إما التراجع عن التصعيد العسكري أو المجازفة بإغراق إسرائيل في أزمة مالية أعمق.
وفي ظل استمرار هذه الضغوط، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع إسرائيل تحمّل تكلفة حرب طويلة الأمد؟ أم أن الأزمة المالية ستجبرها على البحث عن مخرج سياسي بدلًا من الاستمرار في المواجهة؟
اضف تعليقا