في خطوة تعكس مدى ضعف نظامه وهشاشته أمام الضغوط الخارجية، ألغى عبد الفتاح السيسي زيارته المرتقبة إلى واشنطن، متجنبًا مواجهة مباشرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. 

هذه الخطوة لم تكن مفاجئة لمن يعرف أسلوب السيسي في إدارة الأزمات، فهو لا يجيد سوى الاختباء خلف البيانات الدبلوماسية الجوفاء، بينما يهرب من أي موقف يتطلب شجاعة المواجهة أو الدفاع عن مصالح بلاده.

صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن مسؤولين مصريين أن السيسي قلق بشأن الصورة العامة للقاء، خاصة مع ترويج ترامب لمخطط خطير حول غزة ترفضه الغالبية العظمى من المصريين، ويراه الجيش تهديدًا أمنيًا مباشرًا.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يخشى السيسي المواجهة؟ ولماذا يتجنب مجرد الجلوس على طاولة مع ترامب؟

جبن سياسي.. واختباء وراء البيانات

السيسي، الذي يدعي دائمًا امتلاك رؤية لحماية الأمن القومي المصري، اختار مرة أخرى الطريق الأسهل “الهروب” بدلاً من اتخاذ موقف واضح أو الضغط دبلوماسيًا لصالح موقف مصر، اكتفى بإصدار بيان للخارجية لا قيمة له، يتحدث عن “استقرار المنطقة” ودعم الفلسطينيين دون أي آلية واضحة لمواجهة خطة التهجير.

البيان الذي نشرته وزارة الخارجية المصرية والذي تحدث عن إعادة الإعمار بغزة كان مجرد محاولة بائسة لحفظ ماء الوجه، لكنه لم يكن كافيًا لإخفاء حقيقة أن الرجل الذي يعتقل معارضيه داخل مصر، ويرسل قواته لقمع الاحتجاجات، يفتقر إلى الجرأة عندما يتعلق الأمر بمواجهة قوى كبرى مثل واشنطن.

السيسي يخشى مصير ملك الأردن

السيسي لم يكن يخشى فقط الإحراج أمام الكاميرات أو الظهور بموقف ضعيف أمام الرأي العام، بل كان هاجسه الأكبر هو أن يواجه نفس المصير الذي تعرض له ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي اضطر لتغيير موقفه تحت ضغط ترامب في قضايا حساسة تتعلق بفلسطين.

العاهل الأردني وجد نفسه مجبرًا على التماشي مع تصريحات ترامب بعد ضغوط قاسية، وهو ما شكل صدمة للشعب الأردني وأثار حالة من الجدل في الأوساط السياسية هناك. 

السيسي، الذي يفضل دائمًا تجنب المواجهات المباشرة، أدرك أن لقاءه مع ترامب لن يكون مجرد لقاء بروتوكولي، بل سيكون ساحة ضغط حقيقية قد تجبره على تقديم تنازلات لا يستطيع تحمل تداعياتها داخليًا، لذلك، لم يجد مخرجًا سوى الهروب وإلغاء الزيارة، في مشهد يعكس مدى ارتعاش نظامه أمام أي تحدٍّ خارجي حقيقي.

تخبط وضعف أمام الخارج.. قمع في الداخل

قرار إلغاء الزيارة يكشف تناقضًا صارخًا في شخصية السيسي وسياساته، فهو في الداخل يمارس أشد أنواع القمع ضد المعارضين، ولا يتردد في استخدام الجيش والشرطة لسحق أي صوت معارض، لكنه أمام القوى الكبرى يظهر كقائد ضعيف، متردد، غير قادر على المواجهة. 

الجيش المصري، الذي يدرك خطورة أي تنازل أمريكي بشأن غزة، قد يكون هو من دفع السيسي إلى التراجع، لكنه لم يكن ليصل إلى هذه المرحلة من الضعف إلا بسبب سياساته العشوائية وانعدام قدرته على إدارة علاقات مصر الخارجية بشكل مستقل.

نظام مرعوب.. ومستقبل غامض

السيسي، الذي يدّعي أنه “يحمي مصر”، يثبت يومًا بعد يوم أنه مجرد دمية تتحرك وفق المصالح الدولية، لا يستطيع حتى الدفاع عن موقفه أمام البيت الأبيض، فكيف يمكن أن يدافع عن مصالح شعبه؟. 

انسحابه من لقاء ترامب ليس سوى دليل جديد على أن هذا النظام لا يمتلك استقلالية قراره، بل يخضع لمعادلات أكبر منه، ويرتكز فقط على القمع الداخلي للحفاظ على بقائه. السؤال الذي يجب أن يطرحه المصريون الآن: إلى متى يستمر هذا النظام في الهروب من المواجهة؟.