حالة التوتر في الداخل الإسرائيلي وصلت إلى ذروتها، حيث باتت حكومة نتنياهو أمام ضغوط متزايدة من أجهزتها الأمنية، التي ترى ضرورة إتمام الصفقة بأي ثمن. 

وفقًا لمصادر إسرائيلية نقلها موقع واللا، فقد أكد رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار خلال اجتماع الكابينت أنه يجب بذل جهود عاجلة لإكمال المرحلة الأولى من الصفقة مع “حماس”، محذرًا من انهيار المفاوضات في ظل استمرار التعنت الإسرائيلي. 

فريق المفاوضات الإسرائيلي نصح بدوره بضرورة حل الأزمة مع المقاومة، وعدم السماح بانهيار الصفقة، في مؤشر واضح على أن المؤسسة الأمنية باتت ترى في التعنت السياسي تهديدًا مباشرًا للأمن الإسرائيلي.

الاحتلال لا يواجه فقط مقاومة صلبة على الأرض، بل يواجه غضبًا داخليًا متزايدًا من عائلات الأسرى الإسرائيليين، الذين صبوا جام غضبهم على نتنياهو، متهمين إياه بأنه يعرقل الصفقة ويرفض التقدم إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

أمام هذه الضغوط، اضطر نتنياهو إلى عقد مشاورات أمنية مكثفة في محاولة لإنقاذ موقفه، قبل أن يجتمع بمجلسه الأمني لبحث الخطوة المقبلة، وسط انقسامات عميقة داخل حكومته بشأن كيفية التعامل مع الملف.

وفي هذا السياق، كشفت مصادر عبرية عن أن رئيس الشاباك رونين بار شدد خلال الاجتماع مع الكابينت على أن “إتمام المرحلة الأولى من الصفقة أصبح ضرورة أمنية”، مؤكدًا أن أي تعثر قد يؤدي إلى “تدهور أكبر للأوضاع”. هذا التصريح يعكس حجم القلق داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي باتت تدرك أن استمرار التأخير في تنفيذ الصفقة سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاستقرار الداخلي، خاصة في ظل التوتر المتزايد بين عائلات الأسرى والحكومة.

المقـ ـاومة تفرض شروطها

رغم تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وابتزازات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تواصل المقاومة الفلسطينية فرض شروطها في ملف تبادل الأسرى، مستندة إلى موقف قوي يعكس سيطرتها على زمام الأمور.

الإعلان الذي أصدره الناطق العسكري باسم “كتائب القسام” مساء الاثنين، بتأجيل تسليم الأسرى الإسرائيليين بسبب الانتهاكات المتكررة للاحتلال، جاء كصفعة جديدة لحكومة الاحتلال، التي تحاول إنقاذ موقفها بعد أن وجدت نفسها عالقة في أزمة داخلية متفاقمة. 

تصريحات ترامب وتهديداته بإلغاء وقف إطلاق النار إذا لم تتراجع “حماس” عن تعليق الصفقة، تعكس حالة التخبط لدى الحلف الأمريكي-الإسرائيلي، الذي أصبح عاجزًا أمام صلابة موقف المقاومة.

لابيد: الرفض يقود إلى مستنقع الدماء

وسط هذه الأجواء المتوترة، هاجم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد معارضي الصفقة، محذرًا من أن رفضها “سيؤدي إلى إغراق إسرائيل في مستنقع من الدم والموت”، مؤكدًا أن هذا السيناريو هو أيضًا “ما تسعى إليه حماس”.

تصريحات لابيد تعكس حالة الفوضى والانقسام العميق داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية، حيث باتت الأصوات المعارضة لنتنياهو تتزايد، متهمة إياه بالمقامرة بأمن الإسرائيليين ومصير الأسرى عبر عرقلته لتنفيذ الاتفاق. 

في المقابل، فإن المقاومة تدرك أن الاحتلال يتخبط في قراراته، وتواصل إدارة الملف بذكاء، مستخدمة نفوذها الميداني والسياسي لإملاء شروطها.

معادلات القوة في المنطقة

ما يحدث الآن هو انتصار سياسي جديد للمقاومة الفلسطينية، التي استطاعت فرض قواعد جديدة للعبة رغم التهديدات الأمريكية والإسرائيلية، كذلك فإن موقف الاحتلال الضعيف والتخبط السياسي داخل حكومة نتنياهو، يقابله موقف ثابت من المقاومة، التي لم تعد تقبل بسياسات الابتزاز أو الضغوط الميدانية.

استخدام حماس لورقة الأسرى بذكاء، وتأجيلها تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة، يعكس إدراكها العميق لموازين القوى الحالية، حيث تدرك أن الاحتلال في موقف أضعف مما يحاول تصويره، وأنه لا يستطيع فرض شروطه كما كان يفعل في الماضي.

الأيام القادمة ستكون حاسمة في مسار هذه الصفقة، لكن ما هو واضح الآن أن الاحتلال يخضع مجددًا لقواعد جديدة تفرضها المقاومة، التي باتت تدير هذا الملف من موقع قوة، تاركة نتنياهو في مواجهة غضب الداخل الإسرائيلي وتهديدات الشركاء الدوليين الذين باتوا يدركون أن إملاءاتهم لن تغير الحقائق على الأرض.