العدسة – جلال إدريس

في الثامن والعشرين من فبراير الماضي، تهيأت إحدى ساحات تنفيذ الإعدام بمنطقة “تبوك” السعودية لتنفيذ حكمي الإعدام بحق شابين؛ أحدهما “لبناني الجنسية، والآخر أردني”، بعد القبض عليهما واتهامهما بتهريب كمية من حبوب الإمفيتامين المحظورة، الأمر الذي استدعى الحكم عليهما بالإعدام.

هذا الحكم هو واحد من مئات الأحكام بالإعدام التي تصدر وتنفذ سنويا بالمملكة العربية السعودية، والتي تحتل المركز الثالث عالميا في تنفيذ أحكام الإعدام بعد الصين وإيران، وفقا لأحدث تقرير صدر عن منظمة العفو الدولية.

وغالبا ما تجاهلت “السعودية” الانتقادات الخاصة بحمى أحكام الإعدام التي تطبقها، خصوصا أنها تتم في ظل محاكمات تفتقد لكثير من معايير العدالة.

لكن المثير في الأمر، أن السعودية لا تواجه القضايا الجنائية فقط بأحكام الإعدام القاسية، لكنها أيضا تواجه المعارضين سياسيا بكثير منها، حتى أصبح الإعدام أحد أبرز أدوات القمع في السعودية.

(العدسة) ومن خلال التقرير التالي، يواصل اقتحام الملفات المسكوت عنها في مملكة الصمت، ويرصد حقيقية جريمة التوسع في تنفيذ أحكام الإعدام بالسعودية:

المملكة الثالثة عالميا

وفقا لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية عام 2015، فإن السعودية ظلت إحدى أكثر بلدان العالم قاطبةً تنفيذًا لأحكام الإعدام.

واحتلت المملكة القمعية ثالث دولة بين دول العالم أجمع، من حيث عدد أحكام الإعدام التي تنفذها، ولا يسبقها في ذلك إلا الصين وإيران.

تقرير منظمة العفو، أكد أن المملكة أعدمت 2208 أشخاص من يناير 1985 إلى يونيو 2015، كما أوضحت أنه تم إعدام 102 شخص، خلال الفترة ما بين يناير ويونيو 2015، كما أوضحت الإحصائية أنه تم إعدام 90 شخصًا خلال عام 2014 فقط.

ولا يتم الإعدام في السعودية عن طريق أحبال المشانق كما هو متبع في كثير من دول العالم، ولا عن طريق الرمي بالرصاص أو الحقن بحقن قاتلة، حيث إن الإعدام بحد السيف هو الأسلوب الشائع في تنفيذ عقوبة الإعدام في السعودية، ولكنها تنفذ بعض الأحكام رميًا بالرصاص أيضًا.

وتطبق عقوبة الإعدام في السعودية بما يخالف أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعاييره، وغالبًا ما تُعقد محاكمات القضايا التي تصل عقوبتها إلى الإعدام سرًّا ونادرًا ما يُسمح للمتهمين بالاتصال بالمحامي.

إعدام الأجانب والمواطنين

ووفقا لإحصائيات حقوقية فإن الأجانب يمثلون ما نسبته 48.5%، أو 1072 شخصًا من إجمالي عدد الذين اُعدموا ما بين يناير 1985 ويونيو 2015، علمًا بأن الأجانب يشكلون بدورهم 33% من إجمالي عدد سكان السعودية البالغ 30 مليون نسمة.

وارتفعت نسبة أحكام الإعدام المنفذة على خلفية جرائم تتعلق بالمخدرات من 4% من إجمالي عدد الإعدامات في عامي 2010 و2011 إلى 28% في عام 2012، و32% في عام 2013، كما ارتفعت هذه النسبة مجددًا لتصل إلى 47% في عام 2014 والنصف الأول من عام 2015.

ويعني ذلك أن ما يقرب من نصف عدد أحكام الإعدام المنفذة في عام 2014 وحتى نهاية النصف الأول من عام 2015 قد جاءت على خلفية جرائم غير مميتة.

كما رصدت التقارير الحقوقية تنيفذ السعودية أكثر من 100 حكم إعدام خلال عام 2017، وسط توقعات بأن يرتفع هذا الرقم خلال العام الجاري 2018.

انتزاع الأدلة بالتعذيب ومحاكمات غير عادلة

ووفقا لتقارير حقوقية، فإنه قد يُدان الشخص دون أدلة، وبالاعتماد حصريًّا على “اعترافات” انتُزعت منه تحت التعذيب وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة، أو عن طريق التحايل عليه وخداعه.

يُعاقب بالإعدام على جرائم غير مميتة من قبيل الزنا والسطو المسلح والردة والجرائم المتعلقة بالمخدرات والاغتصاب والسحر والشعوذة.

تشكل الإعدامات على خلفية جرائم متعلقة بالمخدرات غالبية الأحكام المنفذة في السعودية في جرائم غير مميتة، على الرغم من أن العقوبة ليست واجبة التطبيق في هذا النوع من الجرائم وفق تفسير السلطات لأحكام الشريعة.

ويتم إعدام الأحداث المخالفين للقانون فيما يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة.

ولا يتم في بعض الحالات إعلام أقارب السجناء تحت طائلة الإعدام مسبقًا بقرب موعد إعدام ذويهم، ولا يتم تسليمهم الجثث في حالات أخرى، كما لا تشفع الإعاقة العقلية لصاحبها إذا كان محكومًا عليه بالإعدام.

الإعدام عقوبة تلاحق المعارضين

اللافت في تنفيذ أحكام الإعدام المتواصل في السعودية، أن تطبيق الإعدام ليس قاصرا على قضايا المخدرات والسحر والشعوذة والقتل، لكن الإعدام يمتد ليطال المعارضين السعوديين.

وتحت ذريعة “مكافحة الإرهاب” أو الولاء لإيران واعتناق المذهب الشيعي، توسعت السعودية في تنيفذ أحكام الإعدام بحق معارضين، إلى حد أن وصل لقيام المملكة القمعية بإعدام 47 فردا في يوم واحد.

كان ذلك في الثاني من يناير 2016، حيث استهلت السعودية عام 2016 بإعدام 47 رجلا، بعد عدة محاكمات شكك في نزاهتها مراكز حقوقية عدة، كما وصفت بإنها لم تحترم الحق في الدفاع، وقد ظهرت خلالها مزاعم عن تعرض المعتقلين للتعذيب.

ولم تشهد السعودية سلسلة من عمليات الإعدام بهذه الضخامة منذ 1980، وكان 158 سجينا قد أعدموا في 2015، بزيادة قدرها 68% عن العام السابق.

ومن بين المحتجزين الذين تم إعدامهم في 2 يناير 2016، رجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر من أبرز معارضي النظام السعودي، ومدافعا عن حقوق الأقلية الشيعية، وقائد التمرد الذي تشهده منطقة القطيف الشرقية منذ 2011.

وبخلاف العقوبات اللاإنسانية المفروضة على أشخاص متهمين بالانتماء إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة، فإن وزارة الداخلية السعودية تنسق قمعا لم يسبق له مثيل للمتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين والأقلية الشيعية، وهذا تحت ستار مكافحة الإرهاب.

فمنذ بدأ “الربيع العربي”، قامت قوات الأمن التابعة للوزارة باعتقال عشرات من المثقفين والصحفيين والأكاديميين والمحامين والنشطاء المطالبين بإصلاح نظام العدالة الجنائية وإقرار ملكية دستورية، وكذلك المئات من المتظاهرين الشيعة الذين تحركوا ضد ما يعانون منه من تمييز.

والتهم الرئيسية الموجهة إلى هؤلاء المعارضين هي “الخروج على ولي الأمر”، و”التحريض على الشغب”، و”إهانة السلطات القضائية والدينية”، و”محاولة قلب نظام الحكم”، و”إنشاء منظمات بدون ترخيص”، مع إحالتهم على نحو ممنهج إلى “محكمة الجزاء المتخصصة”، وهي محكمة مخصصة “لمكافحة الإرهاب”، أنشأتها الحكومة في 2008، فتميزت في واقع الأمر بإدانة العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان.