العدسة _ منصور عطية

ربما لم يكن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقالة وزير الخارجية “ريكس تيلرسون” مفاجئًا، حيث سبق القرار بعدة أشهر تقارير وتسريبات ومؤشرات تقود إلى أن أيامه في الوزارة باتت معدودة.

كما كان خليفته – بعد مصادقة مجلس الشيوخ على قرار ترامب – “مايك بومبيو”، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) هو المرشح الأوفر حظا وفق تلك التقارير والشواهد، وتبقى التساؤلات المنطقية قائمة بشأن الدوافع والأغراض الحقيقية التي دفعت ترامب إلى اتخاذ هذا القرار.

خطة دُبرت بليل!

وربما أراد ترامب والبيت الأبيض معا، وضع المبررات التي تقطع الطريق على التحليلات التي تسعى لفهم الحقيقة الكاملة وراء إقالة “تيلرسون” وتعيين “بومبيو”.

حيث نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول بالبيت الأبيض قوله: إن “ترامب يريد فريقا جديدا قبيل المحادثات مع كوريا الشمالية”، ونقلت أيضا حاجة ترامب إلى فريق جديد “لخوض المفاوضات التجارية المتعددة”.

وكان لافتا تصريح ترامب عبر تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر، حيث أعلن عن قراراته، بأنه “اختلف مع تيلرسون بشأن الاتفاق النووي مع إيران”.

ولأن ترامب يرى بحسب تغريداته “أنه وبومبيو على نفس الموجة دائما”، فإن البيت الأبيض قال: إن “ترامب يثق بأن بومبيو الشخص الأنسب لتولي وزارة الخارجية في هذا المنعطف المفصلي”.

لكن تقصي الحقيقة وراء إقالة تيلرسون يحيل إلى مجموعة من التقارير الإعلامية لكبريات الصحف الأمريكية نُشرت خلال الأشهر الماضية، تحدثت عن نية ترامب إقالة تيلرسون وترقبه للوقت المناسب من أجل إعلان قراره بشأن بومبيو أيضا.

شبكة “سي إن إن” الإخبارية العملاقة، قالت إن التقارير الإعلامية “كانت عبارة عن جهود تصب في إطار الإعراب عن عدم رضى الرئيس دونالد ترامب العميق عن تيلرسون، والتشهير به علنا”.

جديّة خطوة الإدارة الأمريكية الرامية إلى استبدال تيلرسون، بدت واضحة في أحد تقارير صحيفة “الواشنطن بوست”، التي أشارت إلى أن “بومبيو” كان يستعد منذ فترة لإدارة وزارة الخارجية، عبر التواصل مع مرشحين محتملين لوظائف عدة، ومن خلال جمع أفكار في هذا المجال.

وقال مسؤول في البيت الأبيض للصحيفة، إن بومبيو “يدرس كيفية إعادة تنظيم الوزارة وجعلها فعّالة مجددا”، مضيفا أنه “يتصل بأصدقائه وبمختصين كبار في السياسة الخارجية، طالبا منهم المساعدة كي يصبح جاهزا ليكون الدبلوماسي الأمريكي الأول”.

الاتفاق النووي وكوريا الشمالية

ووفق ما هو معلن فإن مسألة الاتفاق النووي مع إيران كانت الأبرز في سلسلة الأسباب التي دفعت ترامب إلى إقالة تيلرسون، حيث صرح الرئيس بذلك ولم يخفِه، وربما رأى ترامب أن الرجل لا يتناغم بقوة وجدية مع رغبته في تمزيق الاتفاق، والحدة البالغة في تصريحات الرئيس المتكررة تجاه طهران.

على النقيض فإن “بومبيو” تعهد سابقا بإلغاء الاتفاق، واقترح في اجتماع مائدة مستديرة عقد في 2014 مع الصحفيين، أن تقصف الولايات المتحدة المنشآت النووية في إيران، وقال في أكتوبر الماضي، إن إيران “تقود مساعي حثيثة لتكون القوة المهيمنة في المنطقة”.

أما فيما يخص اللقاء المرتقب بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي، وما نقلته وكالة “رويترز” عن رغبة ترامب في فريق جديد يخوض به تلك المباحثات، فإن تصريح تيلرسون قبل أيام بهذا الشأن، كان لافتا ويعبر عن التباين بينه وبين ترامب.

تيلرسون قال إن قرار ترامب تلبية الدعوة التي وجهها له “كيم جونج أون” بإجراء محادثات مباشرة بينهما اتخذه الرئيس “من تلقاء نفسه”، الأمر الذي يكشف عما وصلت إليه الأمور من التنافر أو التباعد بينهما في مسألة دبلوماسية يختص بها وزير الخارجية بشكل مباشر.

الأزمة الخليجية ودور الإمارات

وبعيدا عما هو معلن، فإن ثمة أسبابًا أخرى قد تكون دفعت ترامب إلى إقالة تيلرسون، وفي مقدمتها الأزمة الخليجية وما أفرزته من تناقض شاسع بين موقفه وموقف ترامب.

المفارقة أنه قبل أيام فقط، حصلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” على رسائل بريد إلكتروني مسربة، تكشف جهودا إماراتية للإطاحة بوزير الخارجية الأمريكي من منصبه بسبب رفضه لحصار قطر.

إحدى الرسائل تظهر، بحسب التقرير، أن واحدا من أبرز جامعي التبرعات لحملة ترامب الرئاسية وهو رجل الأعمال اليهودي “إليوت برويدي”، التقى الرئيس الأمريكي في أكتوبر الماضي وحثّه على إقالة تيلرسون، وقد جرى هذا اللقاء عقب عودة “برويدي” من زيارة للإمارات العربية المتحدة، وفي رسالة أخرى يصف “برويدي” وزير الخارجية الأمريكي “بالضعيف”، ويقول إنه يستحق “الصفع”.

وتكشف رسائل البريد الإلكتروني أن “برويدي” كان قد أعد مذكرة بشأن اجتماعه مع الرئيس ترامب، وأنه حثه على مواصلة الدعم الأمريكي للإمارات والسعودية ضد قطر، في النزاع بينهما منذ أزمة حصار قطر في يونيو الماضي.

ويبدو يسيرا كشف التناقض بين مثقفي الرئيس والوزير من الأزمة الخليجية بتتبع تصريحاتهما الأولية في أعقاب قرار دول الحصار فرض حصارها على قطر في يونيو الماضي.

ترامب قال نصا: “من الجيد رؤية أن زيارتي للسعودية مع الملك سلمان بن عبدالعزيز و50 دولة تؤتي ثمارها، قالوا إنهم سيتخذون نهجا صارما ضد تمويل الإرهاب، وكل المؤشرات كانت تشير إلى قطر، ربما سيكون هذا بداية النهاية لرعب الإرهاب”.

وبشكل معاكس تماما قال تيلرسون: “إن الحصار الذي تفرضه دول خليجية على قطر غير مقبول، نعتقد أنه من المهم بقاء مجلس التعاون الخليجي موحدا”.

بومبيو وترامب.. على نفس الموجة

في المقابل، فإن أسبابًا أخرى دفعت ترامب لتعيين “بومبيو” خليفة لتيلرسون، وهو ما عبر عنه الرئيس بصراحة واختصار في قوله سالف الذكر: “إنه وبومبيو على نفس الموجة دائما”.

تخرج “بومبيو” من أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية العريقة بالترتيب الأول على دفعته مهندسا ميكانيكيا في 1986، ليلتحق بعدها بكلية الحقوق في جامعة هارفارد، التي صار لاحقا محررا لدوريتها القانونية “هارفارد لو ريفيو”.

عمل بالجيش الأمريكي مدة طويلة بعد تخرجه، غادر بعدها إلى دراسة القانون، ثم العمل في المجال القانوني لثلاث سنوات، انتقل بعدها إلى تأسيس شركة متخصصة في المجال الفضائي.

انتخب بومبيو عام 2010، نائبا عن مجلس النواب عن ولاية كنساس، وفي 24 يناير 2017، ثبت مجلس الشيوخ الأمريكي تعيينه مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية، ليكون ثالث عضو في إدارة ترامب يوافق الكونجرس على تعيينه.

ومنذ انضمامه إلى الحزب الجمهوري، اشتهر بومبيو بمواقفه المثيرة من قضايا متعددة بينها العلاقات مع الأقليات الدينية والعرقية، إذ له مشكلة مع المسلمين، ويؤخذ عليه اعتباره زعماء المسلمين في الولايات المتحدة “متواطئين” مع الجماعات المتطرفة.

ففي 2013، وعقب شهرين من هجمات بوسطن (وقعت في أبريل مخلفة ثلاثة قتلى وأكثر من 260 مصابا) أطلق بومبيو، خلال جلسة لمجلس النواب الأمريكي، تصريحات يجاهر فيها بهجومه على المسلمين.

وورد في تصريحاته: “عندما تأتي الهجمات الإرهابية الأشد إيذاءً للولايات المتحدة في العشرين عاما الماضية من قِبل أتباع دين واحد، ويتم تنفيذها باسم ذلك الدين، فإن هنالك التزاما خاصا يقع على عاتق قادة ذلك الدين، لكنهم بدلا من أن يردوا (بإدانة الهجمات)، فإن سكوت هؤلاء القادة الإسلاميين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة جعلهم متواطئين مع هذه الأفعال، والأهم من ذلك، الأحداث (الإرهابية) التي ستليها”.

وما يزيد الوضع سوداوية، الوعود التي أطلقها ترامب بترحيل ملايين المهاجرين من الولايات المتحدة، وتطبيق سياسة صارمة ضد المواطنين الأمريكيين من الديانة الإسلامية بالداخل، علاوة على منع استقبال اللاجئين، وبناء جدار على الحدود مع المكسيك، وهي وعود ينتظر أن تضطلع المخابرات المركزية بدور كبير في تنزيلها على أرض الواقع إذا مضى ترامب قدما في تطبيق وعوده الانتخابية.

وبالإضافة إلى ما سبق، يعد بومبيو من أشد الرافضين لإغلاق معتقل “جوانتانامو” الذي أقامه الرئيس السابق جورج بوش الابن في كوبا، عقب هجمات 11 سبتمبر 2001.

وقلل بومبيو من نطاق التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2016، وقال إن موسكو سعت للتأثير على الانتخابات الأمريكية لعقود.

كما ساند ما تقوم به الحكومة الأمريكية من جمع شامل للبيانات الخاصة باتصالات الأمريكيين، وفي مقال للرأي نُشر العام الماضي، دعا إلى “العودة إلى جمع البيانات الوصفية للمكالمات الهاتفية المحلية، وضمها إلى معلومات مالية وأخرى متعلقة بأسلوب الحياة، في قاعدة بيانات واحدة يمكن البحث فيها”.