العدسة – باسم الشجاعي

يبدو أن بطولة كأس العالم هذه المرة ستكون أكثر سخونة عن الدورتين السابقتين، ليس من الناحية الفنية وحسب، بل من الناحية السياسية أيضا.

فروسيا تقع في مشكلة قد تعرقل مهمتها في استضافة المونديال، والاستفادة منه في تلميع صورتها أمام العالم وخاصة أنها تقترب من إجراء انتخابات رئاسية.

وبسبب توتر العلاقات الذي يسود الأجواء بين موسكو وبريطانيا، فإن إنجلترا تدرس الانسحاب من كأس العالم 2018 هذا الصيف في روسي، بسبب قضية الجاسوس المزودج.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تستعد إنجلترا للمشاركة في المونديال، وتسعى للمنافسة على اللقب بعد غياب استمر لـ52 عاما عن منصة التتويج في كأس العالم.

المتحدث الرسمي باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، “إدوين سموأل” قال: إن “بلاده ستدرس مقاطعة كأس العالم 2018 في روسيا بجدية، في حال ثبوت تورط الحكومة الروسية في تسميم الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال في بريطانيا”.

وأضاف “سموأل”، في مقابلة مع CNN، “علينا أن نحقق في التفاصيل والدلائل الخاصة بهذه القضية، وإذا وجدنا دلائل ملموسة على تدخل الأيادي الروسية في هذه الجريمة، سندرس بجدية مقاطعة كأس العالم”.

فالعلاقات الرياضية بين روسيا وإنجلترا لا تمر بمرحلة جيدة على الإطلاق، وخاصة منذ الاشتباكات العنيفة التي اندلعت بين جماهير البلدين خلال بطولة كأس أمم أوروبا الصيف الماضي في فرنسا.

الجاسوس المزدوج

واشتعلت أكثر هذه المرة؛ بسبب الجاسوس المزدوج؛ حيث كانت أعلنت وسائل إعلام بريطانية، أن رجلًا يُدعى “سيرجي سكريبال” (66 عامًا) وابنته “يوليا” (33 عامًا) قد تعرضا لعملية تسمم بواسطة فنتانيل (مادة أفيونية قوية جدًا) في جنوب إنجلترا وحالتهما “حرجة”، بعدما عُثر عليهما فاقدي الوعي بأحد المجمعات التجارية يوم الأحد الماضي.

والجاسوس الروسي سكريبال، هو عقيد سابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، عمل لصالح بريطانيا وسلمها أسماء جواسيس روس كانوا يعملون في بريطانيا، وبعد إدانته بتهمة الخيانة في موسكو عام 2006 حكم عليه بالسجن لمدة 13 عامًا، قبل أن يفرج عنه بعد 4 سنوات مع 3 عملاء آخرين سلموا إلى المخابرات البريطانية عام 2010، مقابل عشرة جواسيس روس قُبض عليهم في الولايات المتحدة بموجب اتفاق لتبادل الجواسيس بين الطرفين.

أيادٍ روسية

وتعيش الحكومة البريطانية في هذا الوقت تحت ضغوطات كبيرة بانتظار نتائج التحقيقات التي تجرى حاليًا، وخاصة أن حادثة “سكريبال” أعادت إلى الأذهان حادث مقتل الجاسوس الروسي “ألكسندر ليتفيننكو”، بمادة البولونيوم المشعة التي وضعت له في الشاي بلندن، والتي أسفرت تحقيقاتها في 2016 إلى أن عملية القتل تمت بموافقة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”.

كما أن لروسيا تاريخا طويلا من عمليات الاغتيال السياسي في لندن؛ حيث سبق وأن قتلت “سكوت يونغ”، مساعد بيريزوفسكي، في تبييض الأموال، في ديسمبر 2014، والذي عثر على جثته على الرصيف، بعد وقوعه من الطابق الرابع من مبنى وسط لندن.

وتشير أصباع الاتهام نحو روسيا كونها المتضرر من المعلومات التي قدمها “سكريبال” عن الجواسيس الروس في بريطانيا، وذلك خلال الفترة التي كان يعمل فيها ضابط اتصال بين الجيش الروسي وجهاز الاستخبارات العسكرية الروسي.

ونظرًا للتداعيات السياسية الطويلة لقتل الضابط الروسي السابق “ليتفيننكو”، فمن غير المحتمل أن تخاطر أجهزة الاستخبارات بمثل هذه المغامرة، دون أن تحصل على موافقة على أعلى مستوى.

عدوى الانسحابات تنتشر

وبعد حادثة “سكريبال” تداولت وسائل إعلام بريطانية عن احتمال انسحاب المنتخب الإنجليزي من بطولة كأس العالم 2018، إذا ما ثبت تورط موسكو في محاولة اغتيال الجاسوس الروسي.

فكرة مقاطعة البطولة، أيدها “توم توغندات”، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، وحث الدول الحليفة على الانضمام إلى إنجلترا في تأسيس حملة مقاطعة جماعية للمونديال، والوقوف ضد نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما أن دولا مثل “أستراليا وبولندا واليابان” قد تقف بجانب إنجلترا وتقاطع المونديال الروسي، إذا ثبت مسؤولية روسيا في محاولة قتل الجاسوس المزدوج، بحسب ما أعلنت صحيفة “ديلي ميل”.

وأستراليا عضو في استخبارات “الأعين الخمس”، وهي تحالف استخباراتي يجمعها ببريطانيا والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا، وهو ما يعني أنها كانت من المستفيدين من عمل “سكريبال”، ويُرجح أن تتخذ موقفًا مشابها لإنجلترا في المونديال، بينما أكدت مصادر بريطانية أن بولندا واليابان من الدول المُرشحة لمقاطعة المونديال.

ماذا لو تمت المقاطعة؟

وفي حال حدثت المقاطعة، فإن ذلك سيؤدي إلى حرمان إنجلترا من المشاركة بمونديال 2022 في قطر، وفقًا للوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم”الفيفا”، التي تُلزم مشاركة المنتخبات في جميع مباريات البطولة حتى الخروج منها، أو التعرض للحرمان في البطولة التي تليها.

وسيتوجّب على إنجلترا في هذه الحالة دفع غرامة لا تقل عن 190 ألف جنيه إسترليني، شرط أن يحدث ذلك قبل 30 يوماً من انطلاق البطولة، وإلا سيتضاعف المبلغ مباشرة.

الطريقة الهندية

ويبدو أن إنجلترا قد تضطر لاستحضار الطريقة الهندية في مقاطعة كأس العالم والتي كانت أكثر “فكاهة” في التاريخ، وذلك حينما رفض اتحاد كرة القدم “فيفا” عام 1950 طلب الفريق باللعب “حُفاةً”.

ففي عام 1950، كان “فيفا” يستعد لاختيار الفرق المؤهلة للمشاركة في كأس العالم، وقرر أن سبعة من تلك الفرق ستأتي من أوروبا، وستة ستأتي من الأمريكتين، وواحد سيأتي من آسيا. والمشكلة أن المنتخبات الآسيوية الأربعة التي دعيت إلى نهائيات كأس العالم، ثلاثة منهم (الفلبين وإندونيسيا وبورما) انسحبوا من البطولة قبل جولة التأهيل.

ولذلك، حصلت الهند على قرعة الوصول التلقائي للمشاركة في نهائيات كأس العالم، لتكون هذه هي المرة الأولى لها، لكن العجيب في الأمر أن الهند أعلنت انسحابها.

وتردد وقتها في وسائل الإعلام أن السبب الرئيسي وراء انسحاب الهند، هو رفض الفيفا طلب الفريق الهندي باللعب دون أحذية -كما اعتادوا- لذلك لم يسمح لهم باللعب في كأس العالم لكرة القدم 1950.