العدسة – جلال إدريس
من جديد عادت مواقع التواصل الاجتماعي لشغل نظام عبد الفتاح السيسي في مصر؛ حيث تسعى حكومة السيسي حاليا إلى إنشاء موقع تواصل اجتماعي على غرار “فيس بوك” خاص بالمصريين فقط، وذلك في محاولة من السلطة لإحكام الرقابة والسيطرة على الموقع الأزرق الذي طالما أزعج السلطة بتدوينات النشطاء المعارضين لها.
ووفقا لما أعلنه المهندس ياسر القاضي، وزير الاتصالات بحكومة السيسي، فإنه سيكون قريبًا جداً لدى مصر فيس بوك خاص بها، وبرامج أخرى لحماية البيانات والمعلومات”.
الوزير زعم أن مصر خطت خطوات إيجابية وفاعلة في مجال إنشاء وسائل تواصل مجتمعية مصرية خالصة، على غرار دول كثيرة في العالم، مشددا على أن مصر يجب أن تكون جزءا من التفاعل الدولي والعالمي في مجالات التواصل الاجتماعي وليست دولة مفعولا بها كما كنا قبل سنوات مضت”، بحسب ما قاله الوزير.
تصريحات الوزير، اعتبرها مراقبون تمهيدا للإعلان عن إغلاق موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” بهدف عزل المصريين عن العالم، لإحكام مزيد من السيطرة على الشباب المصري، وفرض مزيد من أساليب القمع السياسي.
تجربة صينية
وتعد تجربة مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة هي “تجربة صينية” تمكنت الصين من خلالها في إنشاء مواقع اجتماعية خاصة بها، بعيدة عن المواقع العالمية المعروفة.
ويؤكد مراقبون أنه انطلاقا من رغبة الصينيين فى أن تكون لهم خصوصية فى كل شيء، فى نظام الحكم، وفى التعددية، وحتى فى أكلاتهم، قاموا بإنشاء مواقع اجتماعية خاصة بهم.
فموقع فيسبوك يقوم بدوره فى الصين موقع “وى تشات” والذى يستخدم على نطاق واسع فى أنحاء مختلفة من آسيا كلها، وليس فى الصين وحدها، وهناك أيضا موقع “رن رن”، وهى كلمة بالصينية تعنى “كلنا”، وهو موقع دردشة أيضا، وهناك موقع “بايدو” الذى يقوم بدور محرك البحث الشهير “جوجل”، وهناك أيضا “إيكاشا” و”إيكسون” ويقومان مقام موقع “فليكر” لتبادل الصور، وهناك “كايشين” و”سينا” و”تيسينت”، وهى المواقع البديلة لتويتر ومواقع المدونات.
وحتى موقع “ويكيبيديا” الموسوعى لديه نظير آخر صينى هو “هودونج”، أما موقع يوتيوب للأفلام والفيديوهات، فله فى الصين ثلاثة بدائل منها “تودو” و”يوكو”.
لكن نشطاء ومعارضين أكدوا أن التجربة الصينية حين تنتقل إلى مصر لن يكون هدفها الاستقلالية بقدر ما يكون هدفها إحكام القبضة الأمنية على تلك المواقع، حيث تسعى السلطات المصرية منذ انقلاب يوليو 2013 إلى فرض القوة والقمع على تلك المواقع وقامت باعتقال مئات النشطاء بحجة التغريد والتدوين المعارض على تلك المواقع
تقنين اللجان إلكترونية
ما يؤكد أن الغرض من إنشاء مواقع تواصل اجتماعي مصرية، هو القمع وتكميم الأفواه وخدمة النظام، أنه وبالتزامن مع إنشائها دعا مؤيدون للسلطة إلى “كتائب إلكترونية” تكون تابعة للنظام بشكل رسمي ومعلن، تحاول السلطة من خلالها السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلا عن الكتائب الإلكترونية الحالية التي يستغلها النظام في الخفاء.
وتأتي هذه الدعوات بعد سنوات عدة من عمل تلك الكتائب التابعة للنظام بشكل غير معلن، بحسب تقارير صحفية وشهادات نشطاء سياسيين، للتأثير على توجهات الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي، والدفاع عن النظام وسياساته ومهاجمة معارضيه، وفق قولهم.
ودعا عضو لجنة الاتصالات في مجلس النواب، أحمد بدوي، إلى تكوين كتائب إلكترونية تكون لها مقرات تابعة للدولة في كل المحافظات، للرد على “الشائعات” التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي للإساءة للمؤسسات، أو التقليل من الإنجازات التي يتم تحقيقها، بحسب قوله.
وأضاف بدوي، في تصريحات لقناة “تن” الأسبوع الماضي، أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بنشر الشائعات من خارج مصر لإحباط المصريين، موضحا أن مطلقي الشائعات لا يتركون صفحة تابعة لقرية أو نجع على موقع “فيس بوك” دون نشر الأكاذيب والشائعات عليها.
وزعم أن معظم هذه الشائعات تكون عبر إعلانات ممولة بملايين الدولارات حتى تصل إلى أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت، مؤكدا أن لجان البرلمان رصدت خلال الشهر الماضي فقط 4800 شائعة تم إطلاقها بهدف زعزعة استقرار البلاد.
قانون الجرائم الإلكترونية
وبالإضافة لمشروع “فيس بوك المصري” الذي تسعَى السلطة من خلاله لتضييق الخناق على نشطاء مواقع التواصل، فقد وضعت الحكومة هي الأخرى اقتراحات وقيودا جديدة على مواقع التواصل، منها مشروع قانون جرائم الإنترنت الجديد الذي يتكوَّن من 59 مادة تَضمَن عقوبات رادعة لمرتكبي الجرائم عبر شبكة الإنترنت.
وأعلن وزير الاتصالات أنه تم الانتهاء من مشروع جرائم المعلومات الإلكترونية، بالتنسيق مع وزارة العدل لمكافحة الإرهاب، وحماية بيانات المواطنين وعدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنابر لنشر الفكر المتطرف”.
وقال القاضي، إنه تم الانتهاء من القانون في وزارة العدل، وتم عرضه على مجلس الوزراء الذي وافق عليه، وتمت إحالته إلى البرلمان لمناقشته، وإقراره، لحماية البيانات الشخصية للمواطنين والدولة.
وزعم أنه بعد ثورة 25 يناير تمكنت الجماعات المتطرفة التي تمولها دول في استقطاب أصحاب الفكر غير السوي، عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، وكان يجب على الدولة المصرية التصدي لذلك من خلال سن قوانين وآليات للتحكم في سوق الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي، ونتج عنه إنشاء مشروع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية”.
دخول الفيس بالبطاقة
ومن المعروف أن الانشغال الحكومي والبرلماني بمواقع التواصل الاجتماعي زادت حدّته في مصر بعد تطبيق قانون الطوارئ، حيث يسعى البرلمان لتقنين التعامل معها وإصدار تشريعات تُحكم قبضة الدولة عليها، قاربتْ حتى الآن إلى نحو 10 مشاريع بقوانين.
الدخول عن طريق تصريح رسمي من قبل الحكومة، كان أحد المقترحات التي تقدَّم بها نائب ببرلمان السيسي يدعى “رياض عبد الستار”.
ففي الثلاثين من أبريل الماضي اقترح رياض عبد الستار – عضو الهيئة البرلمانية لحزب “المصريين الأحرار” – على مجلس النواب مشروع قانون يقضي بعدم دخول الـ “فيس بوك” و”تويتر”، إلا من خلال بطاقة الرقم القومي؛ حتى يقع الجميع تحت طائلة القانون.
الاقتراح كان قد طرحه من قبل النائب عاطف مخاليف، حيث قدَّم مشروع قانون يقضي بأن يكون دخول “فيس بوك” عن طريق بطاقة الرقم القومي؛ لإحكام السيطرة عليه.
وطَالَبَ مشروع القانون بتطبيق عقوبة الحبس 6 أشهر وغرامة 5 آلاف جنيه على كل شخص داخل القطر المصري يقوم باستخدامه أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي بدون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة طبقاً للضوابط الواردة بهذا القانون أو اللائحة التنفيذية له.
اشتراك شهري
ولا يُعَدُّ مشروع قانون دخول موقع التواصل الاجتماعي بتصاريح حكومية هو الأول من نوعه في هذا الشأن فقد سبقه عدة مشاريع أخرى وصلت لنحو 10 مقترحات في عامين.
من بين تلك المقترحات أيضا هو اقترح عدد من النواب فرض اشتراك شهري 200 جنيه على رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
انشغال نواب البرلمان بمواقع التواصل الاجتماعي وصل إلى حَدّ إعلان الدكتور علي عبد العال – رئيس مجلس النواب – أن موقعيْ “فيس بوك” و”يوتيوب”، وغيرهما من المواقع التي تبُثُّ أخبارًا للتواصل بين “الإرهابيين” ستتمّ مراقبتها جيداً في ظل حالة الطوارئ، مؤكدًا أن هناك مواقع تعمل ضد مصلحة البلاد، وكانت تُقدّم التهاني على تفجيريْ كنيستي طنطا والإسكندرية.
“عبد العال”، أضاف في رَدِّهِ على مطالب بعض النواب بمراقبة الموقعين؛ لخطورتهما على الأمن القومي، خلال إحدى جلسات البرلمان: “أن كل الدول الأوروبية تُراقب تلك المواقع، خاصة إذا زاد عدد المشتركين في الموقع أكثر من 20 ألفًا، وهذا معمول به في بعض الدول، ولا تُوجد دولة في العالم ليس لها تنظيم للإعلام”.
قلق السيسي الدائم
كل تلك المشاريع والتضييقات تطرح سؤالاً هاماً: لماذا تشغل السلطة والبرلمان “بالها” بتلك المواقع إلى هذا الحَدّ؟
الإجابة الرسمية عن هذا السؤال تكون دائماً بأنها مواقع تدعم الإرهابيين، وأنها أصبحت خطراً على الأمن القومي، لكن يبدو أن “حجة الإرهاب” ليست سوى “شمَّاعة” تُعلِّق عليها الحكومة مسألة السيطرة على تلك المواقع.
“معارضة السيسي على تلك المواقع” هو الخطر الحقيقي لها بحسب مراقبين، حيث أكدوا أن التضييق الذي فرضته السلطة على النشطاء والمنع من التظاهر، جعلهم يهربون إلى فضاء تلك المواقع؛ وبالتالي أصبحت السخرية من السلطة ومعارضة النظام هي السمة الأساسية لها.
تلك الظاهرة تُزعج السيسي بشكل أو بآخر، لدرجة أنه حذَّر منها أكثر من مرة في خطاباته؛ وبالتالي فقد قرَّرت الحكومة ووسائل الإعلام المؤيدة لها وأعضاء مجلس النواب شَنَّ حربٍ على تلك المواقع.
وعلى هذا الأساس فمن المتوقع أن يسهم إنشاء الحكومة لـ”فيس بوك” مصري أو فرض دخول مواقع التواصل الاجتماعي بتصاريح رسمية سيحُدُّ بلا شك من معارضة السلطة عليها، حيث سيتخوّف كثير من المعارضين من تَتَبُّع الجهات الأمنية له إنْ قرَّر التغريد بعيداً عن هوَى السلطة.
اضف تعليقا