العدسة – جلال إدريس

هل قررت السعودية والإمارات ابتلاع اليمن السعيد؟ هل قررت الدولتان السيطرة على مقدرات البلد الاقتصادية؟ هل خططتا لنهب مقدراته النفطية، هل سعيا للهيمنة على موانئ اليمن البحرية؟

تساؤلات تطرح نفسها، مع اقتراب الذكرى الثالثة لانطلاق عاصفة الحزم السعودية التي بدأت في 25 مارس 2015، والتي سرعان ما يتضح أنها ليست لأغراض عسكرية فحسب، لكن أيضا لأخرى اقتصادية كبيرة بدأت في الظهور شيئا فشيئًا.

ونظرًا للصراع على النفوذ الاقتصادي في اليمن، فإن تقارير عدة تؤكد انعكاس هذا الصراع على الوضع العسكري والسياسي، حيث تسعى كل من “الرياض وأبو ظبي” على امتلاك أكبر قدر ممكن من المقدرات الاقتصادية لليمن، لتعويض خسائر الحرب ضد الحوثيين.

السيطرة على الموانئ والممرات

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة إيكونوميست الشهر الماضي، فإن لكل من “السعودية والإمارات” دوافع اقتصادية من الحرب في اليمن، وتسعى كلتا الدولتين للسيطرة على مناطق غنية بالثروات الطبيعية والاقتصادية، مشيرة إلى أن السعودية في سبيل ذلك سعت دائما للاستيلاء على ممر إلى بحر العرب، أما الإمارات فقد عملت على السيطرة على الموانئ التي تمر بها أكثر خطوط الملاحة نشاطًا في العالم لصالح ميناء جبل علي.

وقالت المجلة: إن اليمن اليوم مقسم بين ثلاث قوى: الحوثيون الذين يسيطرون على خُمس مساحة البلاد، فيما تخضع سيطرة أغلب المساحة المتبقية للسعودية والإمارات.

وعلقت إيكونوميست في تقريرها بأن المسؤولين السعوديين والإماراتيين يقولون إن نشر قوات عسكرية لهما في اليمن يجيء في إطار جهود الحرب، لكن إذا ربطنا بين النقاط سنجد أن المملكة تعبّد ممرًا جديدًا إلى الساحل لطالما حُلم به السعوديون.

وسيطرت الإمارات على سلسلة من الموانئ الجنوبية والغربية باليمن، مثل المكلا وعدن والمخا، كما استولت على محطة تسييل الغاز الطبيعي اليمنية الوحيدة في ميناء بلحاف بمحافظة أبين، ومحطة تصدير البترول في الشحر بحضرموت.

ويقول محللون إن هدف الإمارات من سيطرتها على الموانئ اليمنية هو تحسين وضع ميناء جبل علي، إما بكبح منافسته أو بتوجيه الملاحة إليه.

كما تسيطر قوات سعودية وإماراتية على مينا “الحديدية” وتتحكم في مرور الشاحنات والسفن، بما يخدم مصالحهما فقط.

سرقة الغاز اليمني

وفي إطار مساعيها لوضع يدها على منابع النفط بشكل أساسي في المناطق المحررة باليمن، تقوم الإمارات بإنشاء ودعم ميليشيات عسكرية لتحقيق تلك الأهداف، من بينها “قوات النخبة الشبوانية” وهي القوات العسكرية الممولة مباشرة من “أبو ظبي”.

ووفقًا لتقارير عدة فقد أكد مهندسون يعملون في حقل “بلحاف”، لتصدير الغاز بمحافظة شبوة -أكبر منشآت نفطية في اليمن- أن الإمارات تسيطر الآن بشكل كامل على المنشأة بعدما أرسلت كتيبة من نحو ثلاثمائة جندي تابعين لها لتولي السيطرة على الحقل النفطي.

ويعكس الهدف الرئيسي من عملية نشر الإمارات قوات “النخبة” خطط أبو ظبي للاعتماد على الغاز الطبيعي اليمني لسد حاجتها من الغاز، دون تنسيق مع الحكومة الشرعية في اليمن، وكانت شركة “توتال” الفرنسية التي تمتلك حق التنقيب وتصدير الغاز المسال باليمن، قد أعلنت خلال الأسابيع الماضية، استئناف عملها لتصدير الغاز بعد أن تلقت ضمانات من الإمارات بتأمين العمل والإنتاج.

كما تبين من توغل الإمارات في “شبوة” أن جميع المعسكرات الرئيسية تقع بالقرب من منابع النفط وموانيه، حيث تسيطر قوات “النخبة الشبوانية” على معسكرين رئيسيين؛ أهمهما يقع في ميناء “بلحاف” الإستراتيجي المخصص لتصدير الغاز المسال، والذي بات منطقة عسكرية مغلقة يديرها ضباط إماراتيون وقوات النخبة التي يشتبه في تسهيلها مرور أسلحة لقوات “صالح” والحوثيين عبر الميناء، بالتنسيق الكامل مع الإمارات.

شراء أراضٍ وعقارات

وفي أكتوبر الماضي كشف المغرد الشهير “مجتهد الإمارات”، عن مخططات خبيثة أعدتها الإمارات للسيطرة على اليمن ونهب ثرواته النفطية وغيرها، واستخدام رجال أعمال إماراتيين أمثال “خلف الحبتور” كواجهة لهذه الأعمال المشبوهة.

وقال مجتهد الإمارات آنذاك في تغريدة دونها عبر نافذته الشخصية بتويتر :”تقوم قواتنا المسلحة بنهب خيرات اليمن عن طريق تعيين عناصر موالية لها في المناطق الغنية بالنفط والغاز تقوم بتهريبه عبر البحر إلى دول الجوار.”

وعن دور رجل الأعمال الإماراتي الشهير خلف الحبتور في تنفيذ مخططات “ابن زايد” في اليمن، أضاف: ”شخصيات متنفذة مثل رجل الأعمال خلف الحبتور قامت بشراء آلاف الدونمات من مواطنين يمنيين في المناطق الساحلية  بمدينة المهرة و عدن في اليمن.”

وأوضح مجتهد الإمارات أن الأراضي الساحلية التي قام  “الحبتور” بشرائها في المهرة وعدن تم تسجيلها بأسماء عقارية يمنية.

وفي مفاجأة أخرى، كشف مجتهد في تغريدته الأخيرة أن هناك شخصيات قيادية يمنية متورطة في صفقات بيع الأراضي الساحلية اليمنية إلى رجل الأعمال خلف الحبتور من بينهم أبناء الرئيس اليمني.. حسب قوله.

ودعا مجتهد الإمارات الكتاب والإعلاميين في اليمن لتفعيل قضية بيع الأراضي الساحلية لجهات أجنبية حفاظا على وحدة اليمن وثرواته الاقتصادية.

وتتهم الإمارات بإدارة قوة خارج إطار السلطات اليمنية لتنفيذ مشاريعها التَّوَسُّعِيَّة في المحافظات الجنوبية.

احتلال جزيرة سقطري

في وقتٍ يفرض التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات حصارًا خانقًا على اليمن، على وقع إغلاق معظم المطارات والموانئ البحرية، لا يجد المواطن الإماراتي أي صعوبة في السفر من جزيرة سقطرى اليمنية وإليها، ففندق “سمرلاند” أشهر فنادق الجزيرة، لا يكاد يخلو من النزلاء الإماراتيين بغرض السياحة، بعد تحوّل الجزيرة إلى ما يشبه مقاطعة إماراتية خارج الحدود.

وفي وقت انشغلت فيه الحكومة الشرعية والرأي العام في البلاد، بالحرب أواخر عام 2015، فقد قامت الإمارات بأشبه ما يكون لـ”الاحتلال” لجزيرة سقطرى البعيدة تمامًا عن مناطق المواجهات.

وتحولت جزيرة سقطرى اليمنية الإستراتيجية إلى قاعدة إماراتية، فضلا عن أن الإمارات تدير معسكرين بحضرموت حيث أكملت قواتها تدريب حوالي 25 ألف مقاتل محلي.

كما شرعت الإمارات في بناء نفوذ لها في محافظة أرخبيل سقطرى، تحت لافتة العمل الخيري مستغلة إعصاري “تشابالا” و”ميغ” اللذين ضربا الجزيرة وأحدثا دمارًا هائلًا في بنيتها التحتية.

وإلى جانب لافتة العمل الخيري، استغلت الإمارات ضعف الحكومة المركزية والسلطات المحلية، لإحكام قبضتها على الجزيرة، بدءاً من الأمن مروراً بالخدمات والاتصالات وصولاً إلى القطاع السياحي.

صراع سعودي إماراتي

ورغم أن السعودية والإمارات يبدو هدفهما واحدًا وهو السيطرة على مقدرات وثروات اليمن، إلا أن شواهد عدة تؤكد أن صراعًا قويًا اندلع بينهم داخل اليمن، خصوصًا وأن تقارير مختلفة تؤكد أن الإمارات أكثر سطوة على مقدرات اليمن الاقتصادية رغم أن الحرب على الحوثيين تتصدرها وتديرها السعودية.

وتسببت التحركات الإماراتية المنفردة في اليمن، في إثارة حفيظة القوات السعودية، ما أدى لاشتباكات مسلحة بين قوات التحالف في اليمن خلال شهر سبتمبر ويناير الماضيين، كادت أن تعصف تلك الاشتباكات بالمحافظات والقرى المحررة من قبضة الحوثيين.

ويتزايد حاليا التوتر بين وكلاء السعودية ووكلاء الإمارات، ففي الوقت الذي يسعى فيه وكلاء السعودية لإحياء الجيش اليمني القديم في الشمال بقيادة علي محسن، تقوم الإمارات بتدريب الجنوبيين الذين يفضِّل كثير منهم الانفصال باليمن الجنوبي.

وقد استولى الانفصاليون في الجنوب- المدعومون من الإمارات- على مدينة عدن الشهر الماضي، وهناك من يعتقد أن هذا الاستيلاء حصل على موافقة السعودية كجزء من إستراتيجية لتقسيم اليمن وبسط سيادة الدولتين عليه.

كما تبيّن من سعي أبو ظبي لحصر مجنديها في مديريات المحافظة، أنها تسعى لتحقيق عدة مكاسب؛ أهمها التحكم في الخط الدولي الرابط بين “شبوة” والسعودية، لإضعاف الدور السعودي في المحافظة، بسبب تحالف الرياض مع الحكومة اليمنية الشرعية، وتجاهلت بذلك قبيلة “العوالق”، واكتفت بالتنسيق مع قوات النخبة والمشايخ الموالين لها.