العدسة – معتز أشرف
وفق مفوضية الانتخابات في بلاد الرافدين، فإن 24 مليون عراقي من بين 36 مليون نسمة هو عدد سكان العراق يحق لهم التصويت في الانتخابات المقبلة في مايو 2018، ولكن تبقى الحيرة تلاحق الناخب منذ أن ظهرت على الساحة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، عشرات التحالفات والكتل السياسية، ومئات الأحزاب بتنوعاتها السياسية والفكرية وتوجهات بعض الأحزاب القومية بين العربية والكردية والتركمانية، لتسود حالة الترقب لما ستسفر عنه المعركة الانتخابية، وهل تقدم جديدًا أما أنها محاولة غير مجدية للتغيير وهو السؤال الذي بات يشغل المراقبين.
خارطة المعركة!
وتدخل القوى الشيعية المعركة الانتخابية بما يقرب من71 حزبًا وتنظيمًا للانتخابات، وقد توزعت محاورها على المكونات الكبرى الثلاث في البيت الشيعي وخرج التيار الصدري عن الخيمة الشيعية بإعلانه تشكيل حزب الاستقامة، ليضع علامات استفهام حول وجود تيار “الأحرار”، بل وحتى وجود الكتلة الصدرية، فيما تشرذم مكونات البيت السني تفاقم بعد تحرير مناطق غرب العراق التي تمثل مراكز قواعده الانتخابية، وينزل المكون السني اليوم إلى الانتخابات بأكثر من 50 حزبًا وكيانًا سياسيًا…
وعمود خيمة الأحزاب والقوى السنية هو ائتلاف “الوطنية” وهو نفسه ما بات يعرف باسم “اتحاد تحالف القوى” الذي يقوده د.إياد علاوي، نائب رئيس الجمهورية، ومن أبرز الشخصيات المنضمة إلى الائتلاف سليم الجبوري رئيس الحزب الإسلامي العراقي (رئيس مجلس النواب حالياً)، وصالح المطلك رئيس القائمة العربية، وفصائل “الحشد السني المسلحة” التي شاركت في تحرير الأنبار، وصلاح الدين وديالى والموصل، والتي تحول بعضها إلى كيانات سياسية تدخل الانتخابات بقوائم مستقلة، بجانب التحالف الكردستاني التي هو الخيمة التي انضوت تحتها حتى الآن كل القوى الفاعلة في كردستان العراق، ويملك 60 مقعدًا في مجلس النواب، وعدة وزراء في الحكومة، وقد فقد بعد كارثة الاستفتاء حول استقلال الإقليم حتى مبررات وجوده بعد انسحاب الزعيم مسعود بارزاني عن المشهد واعتزاله العمل السياسي، وبعد وفاة الزعيم جلال طالباني. ولم يعد التحالف بشكله التاريخي قائمًا، وانسحبت منه أغلب مكوناته، وما تبقى هو الحزبان الكبيران الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، وهما غير متفقين قط، وهذا يعني أن الحديث عن تحالف كردستاني بات حديثا افتراضيًا.
الثابت والمفاجأة!
الثابت في انتخابات العراق إجراؤها في موعدها كل 4 سنوات، وبقاء الكتلة الشيعية والكتلة السنية والكتلة الكردية مكونات المشهد الرئيسة، أما المتغيّر فهو تفكك الأحزاب والتحالفات وقيام تحالفات جديدة تتنافس قانونيا على السلطة، والمشهد السياسي العام بحسب مراقبين لم يتغير، والخارطة احتفظت بحدودها الجغرافية وبقيت تحافظ على حقائق الديموجرافيا أيضًا، رغم أنّ قراءات عديدة طالما أكدت أن “عراق ما بعد داعش لن يكون عراق ما قبل داعش”، لكنّ حسابات النصر على التنظيم المتشدد فاقت حسابات كواليس السياسة رغم تشعبها.
ولكن كان للزعيم الشيعي مقتدي الصدر، سابقة فريدة من نوعها في تاريخ العراق؛ حيث تحالف مع حزب شيوعي لخوض الانتخابات، وقال قيادي بارز في التيار الصدري: “هذا التحالف هو الأول في العراق، إنه ثورة العراقيين من أجل الإصلاحات مع مدنيين أو تيار إسلامي معتدل، ونحن غير متعجبين من هذا التحالف، لأننا نقاتل سويا منذ أكثر من عامين ضد الطائفية في جميع المحافظات”.
ويشارك في هذا التحالف الذي يحمل اسم “سائرون نحو الإصلاح” 6 كتل بينها الحزب الشيوعي العراقي، الذي يشغل حاليًا مقعدًا واحدًا في مجلس النواب، وحزب “الاستقامة” الذي يضمّ تكنوقراط مدعومين من مقتدى الصدر الذي علق كتلة الأحرار (33 نائبا) التي تمثله في البرلمان وطلب من أعضائها عدم الترشح للانتخابات المقبلة.
تكرار للقديم
وبحسب دراسة بعنوان “الانتخابات العراقية المقبلة : وجوه جديدة أم تكرار للقديمة” نشرها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، فإنّ السؤال العراقي الاشهر هو: هل سيوصل الناخب العراقي وجوهًا جديدة ضمن القوائم الكبيرة التي تترأسها رموز، مثل حيدر العبادي، ونوري المالكي، وإياد علاوي، وهادي العامري، عن بغداد، وأسامة النجيفي، عن الموصل، كما حدث في انتخابات 2010، إذ حصلت الأسماء الكبيرة ” نوري المالكي، وإياد علاوي، وأسامة النجيفي” على أكثر من نصف مليون صوت، والتي وصل بواسطتها إلى البرلمان مرشحون جدد في تلك القوائم وغيرها.
وأكدت الدراسة أن عدد المترشحين الكبير، لا يتناسب مع عدد سكان العراق ومساحته مقارنة مع العديد من بلدان العالم التي يتجاوز عدد سكانها عدد سكان العراق بعشرات المرات، لكنّ الانتخابات فيها لا تُثير طمع الجماعات والاشخاص بمثل ما تُثيره الانتخابات العراقية، اما يحققه بعض النواب من مكاسب شخصية.
ويقول مراقبون بحسب الدراسة: “إن أكثر من 90%من شعارات الأحزاب والشخصيات السياسية، السنية والشيعية والكردية والمسيحية، وباقي طوائف العراق، تكرر نفسها منذ عام 2005 حتي اليوم، ما يعني “تكرار الفشل”، وعدم تحقيق ما يصبو إليه الجمهور من الانتخابات”، فيما أشارت إلى أن عدد التحالفات المترشحة للانتخابات المقبلة 2018 بلغ حوالي 30 تحالفًا أو ائتلافًا، من 304 أحزاب وحركات وجماعات سياسية، ستخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية المقبلة، فيما كشفت قوائم المرشحين للانتخابات المقبلة عن تكرار أسماء نحو 300 شخصية برلمانية وسياسية منذ 2003 فازت في الانتخابات الماضية بين عام 2005 و2014 المحلية والتشريعية، أو أنها حصلت على مناصب تنفيذية، بينما كرر أكثر من 30 تحالفًا وكتلة سياسية الشعارات والوعود نفسها التي رفعتها في انتخابات 2005 الخاصة بالجمعية الوطنية التي أنتخب فيها 275 عضوًا، وفي الانتخابات التشريعية للأعوام 2010 و2014 .
وأضحت الدراسة أنَّ الشعارات التي تكرر منذ عام 2005، لم تحقق للمواطن الأمن والسكن والقضاء على الفقر والبطالة، وإنهاء الطائفية والتمييز، وتوظيف الكفاءات والخريجين الجامعيين، وبناء المستشفيات والاهتمام بالشباب والرياضة، وتأهيل المدارس، وأضيف لها في هذه الانتخابات إعادة النازحين لمناطقهم وإعمارها، ولكن الأهم في العراق هو أن تبقى “الزعامات والشخصيات ثابتة”، بينما النواب باتوا كقطع الشطرنج يتم تحريكهم وفقًا لرأي زعمائهم” مؤكدة أن “الانتخابات المقبلة لا تختلف في شيء عن سابقاتها؛ لأنه حتى لو تغيرت بعض الوجوه تبقى سياسة الحزب واحدة لا تتغير، ما يسبب الخراب والدمار والتخلف للعراق”.
وشددت الدراسة على أنَّ 90 % من الأحزاب والمجموعات التي شكّلت نفسها كيانات سياسية لخوض الانتخابات المقبلة دافعها الوحيد هو الطمع في الوصول إلى السلطة للحصول على النفوذ والتمتّع بالمال الذي تتيحه السلطة، في مجلس النواب أو في الحكومة أو في مجالس المحافظات والحكومات المحلية.
تحالفات للمستقبل
ووفق دراسة حديثة للمركز الديمقراطى العربى للدراسات الاستراتيجية، فإنَّ تشكيل التحالفات الانتخابية بين تلك الأحزاب والقوى السياسية قد أثمرت عن خارطة جديدة لها، وإن كانت عبارة عن تغيير في أسماء الأحزاب والتحالفات الانتخابية مع بقاء أفكار وتوجهات معظمها على حالها، وكما كانت سابقًا، رغم أن تلك الانتخابات التشريعية مهمة، لأنها تأتي بعد مرحلة النصر على تنظيم داعش الإرهابي.
وأوضحت الدراسة أنَّ هناك انقسامًا واضحًا في كل المكونات الأساسية للشعب العراقي، والذي تمثله تلك القوى والأحزاب السياسية، ويبرز ذلك جليًا في دخول المكون الشيعي في ثلاث تحالفات رئيسة، وهي تحالف النصر بقيادة العبادي وتحالف دولة القانون برئاسة المالكي وتحالف الفتح بزعامة هادي العامري، بجانب انسحاب الانقسام الحزبي ليشمل المكون السني الذي توزعت خياراته هذه المرة بين تحالف الجبوري والمطلك وعلاوي من جهة وبين تحالف النجيفي والجميلي والزوبعي في محاولة لكسب وتأييد الشارع السني المتضرر من الأوضاع كلها، مع تواصل تشظي المكون الكردي وعدم توحدهم في قائمة واحدة، ربما تؤثر على القرار السياسي الخاص بهم، وذلك من خلال تداعيات عملية الاستفتاء التي عززت الانقسام داخليًا بين الأحزاب والقوى الرئيسة فيه، فضلًا عن احتمالية خوض قائمة الفتح بصورة منفردة، بعيدًا عن أي تحالف مع الأحزاب الأخرى بسبب إمكانية استثمار الشعبية المتنامية لقوى الحشد الشعبي ودورها في هزيمة داعش، مؤكدة أنه ربما ستكون التحالفات الانتخابية بعد إجراء الانتخابات في موعدها المقرر هي من ستقرر شكل وطبيعة التحالفات المقبلة.
اضف تعليقا