العدسة – منصور عطية

حظي الجدل الدائر بشأن إمكانية عودة لاعب الأهلي والمنتخب السابق محمد أبو تريكة إلى مصر، بنسبة كبيرة من المناقشات الشعبية وفرض نفسه على التغطيات الإعلامية وبرامج التوك شو.

هذا الجدل أشعلته تغريدة نشرها أبو تريكة عبر حسابه في تويتر، تشير إلى قرب عودته إلى مصر، بالتزامن مع التقارير التي تفيد بصدور توصية من نيابة النقض برفع اسمه من قوائم الإرهابيين.

فما هو الموقف القانوني الحالي له؟ وهل تمهد التوصية لإمكانية عودته إلى القاهرة دون ملاحقة قضائية، أم أن الأمر مجرد لعبة أو فخ تسعى السلطة إلى إيقاع اللاعب السابق فيه لأغراض مختلفة؟.

ترحيب وتهديد!

التغريدة التي نشرها الماجيكو تضمنت كلمة واحدة هي “قريبا”، بينما وضع بجوارها صورا لعلم مصر، الأمر الذي فسره ملايين المتابعين على أنه إعلان من أبو تريكة بقرب عودته إلى مصر.

أحد أبرز التعليقات والردود أكدت هذا التفسير، فقد علق الممثل الكوميدي الشهير “محمد هنيدي” على التغريدة، حيث كتب: “ترجع بالسلامة يا حبيب الناس”، ليرد أبو تريكة مازحا” “جهّز نفسك للمباراة عشان تتغلب زي ما هتتغلب في البلايستيشن”.

عشرات الآلاف من الإعجابات والتعليقات وإعادات التغريد، ضجت بها التغريدة وكان أبرزها تلك المرحبة الصادرة من أبرز نجوم الكرة المصرية داخل البلاد أو المحترفين خارجها، فضلا عن الإعلاميين الرياضيين والمحللين والمعلقين من مختلف أنحاء الوطن العربي.

في المقابل، كانت نغمة التهديد حاضرة أيضا، وتزعمها الإعلامي المقرب من السلطة “أحمد موسى” الذي أكد أن توصية نيابة النقض غير ملزمة، وأن أبو تريكة إذا عاد فسيتم القبض عليه من المطار.

وحرصت وسائل الإعلام الموالية للسطة على إبراز عدم إلزامية التوصية لمحكمة النقض في حكمها المرتقب بالجلسة التي تحدد لها 18 أبريل المقبل لنظر طعن أبو تريكة و1538 شخصا على حكم إدارجهم على قوائم الإرهاب.

كما تضمنت بعض التعليقات على التغريدة تهديدا للاعب، واستعارة للاتهامات التي وُجهت للاعب بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين ودعم التطرف والإرهاب، فيما حذر كثيرون اللاعب من العودة معتبرين أن الأمر مجرد فخ من قبل السلطة للإيقاع به.

حقيقة الموقف.. بلغة القانون

الجدل الإعلامي والجماهيري المصاحب لتغريدة أبو تريكة انسحب على جدل قانوني بشأن حقيقة موقف اللاعب وما تعني توصية نيابة النقض وكيفية سير القضية والسيناريوهات المتوقعة.

توصية النيابة التي تعتبر الهيئة الاستشارية لدى محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية في البلاد) متعلقة بالحكم الذي صدر في يناير 2017، بإدارج أبو تريكة و1538 شخصا آخرين على قائمة الإرهابيين، وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق محمد مرسي والمئات من قيادات الإخوان، وشخصيات أخرى من بينهم رجل الأعمال صفوان ثابت صاحب شركات جهينة، والأكاديمية باكينام الشرقاوي عضو الهيئة الاستشارية لمرسي.

ومن المقرر أن تنظر الدائرة “و” بمحكمة النقض الطعون جميعا بجلسة 18 أبريل المقبل، كقضية واحدة سيصدر فيها حكم واحد، لكن لن يسري على القضية القانون 11 لسنة 2017 الصادر في 27 أبريل الماضي، بشأن تصدي محكمة النقض للقضية من أول مرة حال قبولها الطعن.

وعليه، ستطبق محكمة النقض القانون قبل تعديله على الطعون في هذه القضية، أي أنه في حال قبول طعن واحد على الأقل من الطعون المقدمة، فسوف تقضي محكمة النقض بإلغاء قرار الإدراج، وإعادة القضية إلى دائرة أخرى بمحكمة جنايات القاهرة لإعادة نظر طلب النائب العام بإدراج المتهمين على قائمة الإرهابيين.

هذا الإدارج وفق المادة 7 من قانون الكيانات الإرهابية يترتب عليه عدة آثار هي: المنع من السفر وترقب الوصول، سحب جواز السفر أو إلغاؤه أو منع إصدار جواز سفر جديد، فقدان شرط حسن السمعة، والتحفظ على أموالهم جميعًا ومنعهم من التصرف فيها بواسطة لجنة حصر وإدارة أموال الإخوان.

ثمة جدل آخر طرحه “محمد عثمان” محامي أبو تريكة، الذي أشار إلى صدور حكم من محكمة القضاء الإداري في يونيو 2016 بإلغاء قرار التحفظ على أمواله، وإزاء امتناع لجنة التحفظ عن تنفيذ أحكام القضاء أقام الطاعن الدعوى رقم 872 لسنة 71ق أمام القضاء الإداري مطالبًا باستمرار التنفيذ، وقضي له بجلسة 10 يناير 2017 باستمرار تنفيذ حكم إلغاء التحفظ.

وقال “عثمان” إنه لا صحة لما تردد حول رفع اسم موكله من قوائم الكيانات الإرهابية، وأن مركزه القانونى مازال كما هو، أي مدرج بقائمة الإرهابيين ويسري عليه ما يترتب على الإدارج من آثار.

هل يقع في الفخ؟

وعلى الرغم من منطقية الطرح الذي يفضي إلى سلامة الموقف القانوني لأبو تريكة حال تصديق محكمة النقض على توصية النيابة ورفع اسمه من قائمة الإرهابيين، إلا أن كثيرين ألمحوا إلى إمكانية أن يكون الأمر برمته مجرد فخ للماجيكو.

فمن غير المستبعد، وفق هذا السيناريو، أن يقرر أبو تريكة النزول إلى مصر بعد زوال العوائق القانونية ويصل القاهرة فعلا ويخرج من المطار بلا أزمات.

لكنه قد يفاجأ خلال إقامته بمصر بأنه مطلوب مثلا على ذمة التحقيق في قضية أخرى، أو يقدم أحد المحامين الموالين للسلطة بلاغا وهميا للنائب العام يُستدعى أبو تريكة لأجله ويدخل في دوامة جديدة، لكنه سيكون حينها في قبضة النظام، وليس بعيدا في قطر، حيث يقيم منذ سنوات.

ولعل هذا الموقف يعيد إلى الأذهان ما حدث في فبراير 2017، عندما توفي والد أبو تريكة ولم يتمكن من النزول للمشاركة في جنازته وعزائه، حيث كان لافتا ما صرحت به مصادر أمنية حينها من إمكانية عودة اللاعب دون أية ملاحقة، لكن بعدما قرر عدم العودة لمصر، أكد كثيرون أن الاعتقال كان هو مصيره حال قرر العودة.

سيناريوهات تلاعب السلطة تبدو كثيرة ولا حصر لها، لكن يؤدي جميعها إلى نفس النهاية السعيدة لها والحزينة لتريكة والملايين من عشاقه، وهي وقوع الرجل في الفخ.

وقد يتساءل البعض لماذا قد تلجأ السلطة إلى هذه المكيدة من أجل شخص واحد قد يجر عليها غضبا شعبيا ونخبويا كبيرا، في ظل أنه حاليا غير مؤثر ولا يتناول ما يجري في مصر ولا يتحدث في السياسة مطلقا؟

الإجابة تكمن باختصار، في مبادئ تصفية الحسابات والانتقام، التي تنتهجها نظم الحكم القمعية بحق معارضيها، رغم أن هذا الوصف “المعارضين” لا ينطبق على أبو تريكة، حيث لم يسجل له موقف واحد يعارض فيها السلطة الحالية، كما تبين أن الاتهامات الموجهة ضده تخلو من أدلة إدانة حقيقية.

أمير القلوب صاحب المواقف

“الماجيكو”.. “الساحر”.. “أمير القلوب”، ألقاب عدة منحتها الجماهير لمحمد أبو تريكة، أحد أبرز الأسماء في تاريخ كرة القدم المصرية، المعتزل عام 2013، بعد مسيرة حافلة مع ناديه الأهلي ومنتخب مصر، كصانع للألعاب وهداف.

من أهم إنجازاته دوليا: الفوز مع منتخب مصر ببطولتي كأس أمم إفريقيا عامي 2006 و2008، والمشاركة في كأس العالم للقارات 2009، ومع الأهلي فاز ببطولة دوري أبطال إفريقيا 5 مرات، وكأس السوبر الإفريقي 4 مرات، والدوري المحلي 7 مرات، والكأس المحلية 3 مرات، وكأس السوبر المحلي 4 مرات.

حصل أبو تريكة على جائزة أفضل لاعب إفريقي داخل القارة 4 مرات، وهو الهداف التاريخي لدوري أبطال إفريقيا برصيد 33 هدفا، واختير سفيرا للكرة الإفريقية عام 2014، ثم اختاره الاتحاد الدولي لتاريخ وإحصاء كرة القدم ضمن أساطير هذه الرياضة الشعبية الأولى في معظم أنحاء العالم.

وتذكر جماهير الكرة المصرية والعربية لأبو تريكة مواقف كان سباقا فيها إلى التعبير عن رأيه في قضايا رئيسية، وفي مقدمتها موقفه المتعاطف مع قطاع غزة الفلسطيني، كما اشتهر بموقفه المطالب بمحاكمة المتورطين في ما عرف بمجزرة بورسعيد التي راح ضحيتها 72 من مشجعي الأهلي عام 2012، حيث رفض المشاركة في مباراة كأس السوبر المصري حينها.