العدسة – جلال إدريس
لا شك أن هاجس “العنوسة” بين الإناث يشكّل أحد أكثر الأزمات التي تؤرّق النساء في العالم العربي، إلا أنها حدة تلك المخاطر قد تزيد في بعض الدول التي تضاعف فيها نسب العنوسة بشكل غير مسبوق.
“السعودية” هي أحد تلك الدول التي ترتفع فيها نسب العنوسبة بصورة كبيرة؛ حيث كشفت دراسة أجراها عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية الدكتور علي الزهراني، أن نسبة العنوسة بالمملكة ارتفعت عام 2015 إلى 4 ملايين فتاة، مقارنةً بقرابة الـ1.5 مليون فتاة في العام 2010، ما يؤكّد أن السنوات الخمس المقبلة، ربما تشهد تضاعف هذا العدد.
وفي مقابل هذا الارتفاع المهول، لا تعترف الإحصاءات الرسمية بالحقيقة كاملة؛ حيث تكتفي الهيئة العامة للإحصاء في السعودية عن الإعلان عن نسب قليلة للعوانس بالمملكة، إذ تقول آخر إحصائية للهيئة: إنَّ عدد العانسات في السعودية بلغ “227.860” أنثى سعودية تجاوزت عمر 32 سنة.
وبعيدًا عن التباين بين الأرقام والإحصاءات الرسمية وغير الرسمية، فإنَّ كثيرًا من المراقبين يؤكدون أن “العنوسة” هو الخطر الداهم الذي يواجه الإناث في المملكة، خصوصًا في ظل موجة الانفتاح التي يتبناها ولي عهد المملكة “محمد بن سلمان”، حيث ستؤدي تلك الموجة إلى مزيد من العزوف عن الزواج في المملكة، بين الشباب والفتيات، كما أنَّ تدهور الأوضاع الاقتصادية للسعوديين، ستزيد من الأزمة، وتضاعف أعداد العوانس بصورة غير مسبوقة.
“العدسة” ومن خلال التقرير التالي تسلط الضوء على أبرز أسباب انتشار العنوسة في المملكة:
الغلاء والأوضاع الاقتصادية
وفقًا لتقارير عدة فإنَّ أحد أبرز أسباب انتشار العنوسة وتوسعها في المملكة هو تردي الأوضاع الاقتصادية في البلد النفطي الكبير؛ حيث بات المواطن السعودي يشكو من أوضاع معيشية صعبة تمامًا مثلة مثل سكان البلاد الفقيرة.
ويعاني الشباب السعودي من ارتفاع كبير في نسب البطالة التي تزيد عن الـ 20 %، وفي المقابل يعاني الشباب أيضًا من ارتفاع كبير في أسعار الشقق، وأسعار الإيجارات.
ومع إعلان “بن سلمان” عما أسماها بخطة الإصلاح، وبداية تطبيق رؤيته في المملكة ظهرت سياسة التقشف واتخذت الحكومة حينها قرارات جريئة، لكنها كانت في الوقت نفسه صادمة جعلت السعوديين يتجرعون ألم تخفيضات الرواتب وفرض الضرائب وإلغاء العلاوات وفصل الآلاف من وظائفهم.
كما اتجهت السعودية إلى إصدار عدد من القرارت الصعبة التي أرهقت المواطنين، كفرض ضريبة القيمة المضافة، ورفع الدعم عن المحروقات “البنزين والسولار والغاز” ورفع أسعار الغاز والمياه والكهرباء، الأمر الذي زاد من مسؤولية الأعباء الأسرية وجعل كثير من الشباب السعودي يفكر مرارًا وتكرارًا في عملية الزواج قبل الإقدام عليه، ما زاد من أعداد العنوسة بين الرجال والنساء في المملكة.
وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة أصبحت متطلبات الزواج وتجهيزاته صعبة المنال في السعودية، خصوصًا مع ارتفاع أسعار المجوهرات والذهب، وكذلك قيمة المهور وارتفاع ايجارات الشقق والمساكن والأراضي والسيارات بشكل أدَّى إلى إحجام الشباب عن الزواج.
الانفتاح الذي يقوده بن سلمان
خطة “الانفتاح” التي يقودها بن سلمان، والتضييق على التدين، والتوسع في الترفيه بصورة فجّة، أصبح أحد عوامل انشار العنوسة في المملكة بصورة غير مباشرة؛ حيث باتت تتفشى ظاهرة اجتماعية في أوساط الشباب والفتيات السعوديين تتمثل في العزوف عن الزواج؛ بسبب المتطلبات الخاصة “المودرن” التي تبحث كل من النساء والشباب فيها عن الآخر دون الالتفات إلى عوامل التدين التي كانت متجذرة في المجتمع السعودي.
وبحسب مقال للكاتب السعودي “جاسر الحربش” فإنَّ من “تأثير جرعة الانفتاح على العنوسة” في المملكة، أن الشاب ذا السوابق التسيبية يطلب من والديه العثور له على زوجة صالحة مستقيمة لم تحترق صورتها في السنابات وحكاوي السياحة الخارجية، وكذلك الشابة من نفس النوع تشترط في الزوج أن يكون تقيًا ملتزمًا لا يسهر ولا يدخن ولم يتعرض لمغريات السياحة الخارجية أو السهرات الداخلية‘‘.
وأوضح أنه بسبب هذا التوهم في احتمال فساد الطرف الآخر، بناءً على القياس الذاتي، ارتفعت نسبة العنوسة والطلاق في مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة وتحولت إلى مشكلة ومعاناة اجتماعية واسعة.
وبيّن أنه ومع الانفتاح الثقافي والاجتماعي الجديد يبدو أن البعض “دون تحديد نسبة” من الذكور والإناث فهموا مقاييس وجرعات الحريات الشخصية المقبولة بطريقة خاطئة وطائشة، مما سوف يشكل بالتأكيد ارتفاعًا إضافيًا في نسب العنوسة في السنوات القادمة، مشيرًا إلى أنَّ من يعتقد أن الأوضاع المادية وغلاء المهور وندرة السكن هي الأسباب الوحيدة لا يرى الأوضاع سوى بعين واحدة فقط.
وحذّر الكاتب من تأثير الفعاليات التي تكون مفتوحة للجمهور بمختلف أعماره في غياب الرقابة والسيطرة الرادعة، والتي يسمح فيها بالمبالغات في الملابس والعطور والمساحيق والاقتراب لدرجة الالتصاق والاحتكاك، والتعبير عن الانتشاء المتعدي فوق درجات الإعجاب بالفعاليات نفسها؛ حيث أكد أنه سيترتب عليها انزلاقات أخلاقية بعد انتهاء التجمعات، كما ستساعد على انتشار الانطباع العام الذي سوف يبقى في عقل الذكر والأنثى عن مدى استقامة الطرف الآخر، وهو ما قد يسبب من تعميم سلبي إضافي عن الحصانة الأخلاقية، بناءً على ما تعرضت له الحواس من الجنسين من روائح وحركات وإيحاءات؟.
أيضا فإن انفتاح الفضاء الإلكتروني ودخول الشباب في علاقات طويلة الأمد بهدف الزواج وعدم تحقق ذلك غالبًا، والتوسع في سفر بعض الشباب للخارج في سنّ حديثة يعزّز من وجود فكرة نمطية عن الفتاة السعودية لدى البعض ويزيد من نسب العنوسة في المملكة.
العادات الاجتماعية الخاطئة
“المبالغة في المهر والذهب وولائم العرس، وتكاليف الزفاف وقاعة الأفراح، وتجهيزات المنزل وغير ذلك من اللوازم والطلبات” جميعها عادات اجتماعية خاطئة زادت من أزمة الزواج في المملكة، ونشرت نسبة العنوسة بصور غير مسبوقة.
ويؤكد مختصون أنّ غلاء المهور وتكلفة المعيشة ومحدودية أجور فئة كبيرة من الشباب، أصبح أحد أبرز الأسباب التي تطيل أمد جمع تكلفة الزواج وتجعل الكثير من الشباب السعودي يعزف عن فكرة الزواج، أو يضطر للبحث عن الزواج من غير سعودية.
وإلى جانب ذلك فإن تزايد موجة التفاخر بفخامة الزواج مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة التفاخر في ولائم العرس زاد أيضًا من نسب العنوسة في المملكة، وصعّب الزواج على الكثيرين.
وتشير بعض التقارير إلى أنَّ تكلفة الزواج في المملكة أصبحت تتخطى في بعض الأحيان المليون ريال لمن هم متوسطو الحالي، وتتخطى النصف مليون ريال لمن هم أقل دخلًا.
هذه الأرقام لا شك أرقام باهظة على متوسط شباب المملكة، خصوصا في ظل عدم تمكن كثير من الأباء من مساعدة أبنائهم بشكل فاعل في تكاليف الزواج لزيادة عدد الأبناء وانخفاض دخولهم، كل ذلك عزّز من انتشار العنوسة.
ارتفاع نسب الطلاق
ارتفاع نسب الطلاق في السعودية بشكل غير مسبوق، أدى أيضًا إلى ارتفاع نسب العنوسة في المملكة؛ حيث تتخوف كثير من الفتيات من أن تمر بتجربة زواج فاشلة يكونها مصيرها في نهاية الأمر الطلاق، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة للشباب.
وباتت ظاهرة الطلاق في السعودية، هاجسًا يؤرق الشارع السعودي، ليعبر الكثير من المسؤولين والمثقفين السعوديين عن مخاوفهم من تفاقم الأزمة ومعدلاتها المرتفعة، خلال الأعوام الأخيرة.
ووفقا لإحصاءات رسمية فإنَّ نسب الطلاق في السعودية تزيد عن نسب الزواج بنسبة 40 %، حيث تتخطى حالات الطلاق في المملكة حو 5 آلاف حالة طلاق شهرية بما يعادل 3 حالات طلاق كل دقيقة.
وتتنوع أسباب تزايد الطلاق في السعودية ما بين أسباب اقتصادية وأخرى اجتماعية، ويعود بعض حالات الطلاق إلى غياب الثقافة الزوجية وعدم تأهل الطرفين على تحمل المسؤولية، في ظل غياب واضح لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات والمؤسسات المدني التي تقوم بدورها التوعوي للمقبلين على الزواج.
اضف تعليقا