العدسة _ جلال إدريس
من جديد كشف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن رأيه الشاذ والغريب في مسألة نقل السفارة الأمريكية للقدس واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي يتوافق تماما مع الموقف الأمريكي والصهويني في تلك المسألة.
“بن سلمان” الطامع في حكم أبيه، والذي يستعد حاليا للقاء مرتقب بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضمن جولته الخارجية، عبر ضمنيًّا عن موافقته على تهويد القدس، وجعلها عاصمة لدولة الاحتلال، بل وصل به الحال أن وصف قضية “القدس” بالقضايا التي تثير التوتر، والتي يجب إهمال النقاش فيها.
وقال “بن سلمان” في جزء من مقابلة مع قناة “CBS” الإخبارية الأمريكية، قبيل اجتماعهم المقرر بترامب، الثلاثاء المقبل، “إن الرئيس ترامب هو الرئيس المنتخب الأمريكي، والعلاقات السعودية الأمريكية تاريخية، وتعود لحوالي 80 سنة، وفي الواقع، السعودية هي أقدم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قبل أي دولة أخرى”.
تمهيد “بن سلمان” للتفريط في القدس لصالح إسرائيل، هو جزء لا يتجزأ من “صفقة القرن” التي يسعى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تنفيذ بنودها خلال الأسابيع المقبلة، والتي تستهدف تسوية القضية الفلسطينة، وإغلاف ملف القدس للأبد، عن طريق خلق وطن بديل للفلسطينيين، والإعلان عن عاصمة أخرى غير القدس، وكذلك إعادة هيكلة خريطة المنطقة العربية.
ماذا قال “بن سلمان”؟
وفي إطار تصريحاته المثيرة للجدل، حرص “بن سلمان” خلال لقائه مع قناة “CBS” الإخبارية الأمريكية، أن يقدم نفسه كمنفتح على أمريكا والغرب، ومتعاون مع “إسرائيل” لأقصى درجة، فأدلى بتصريحات تخلى فيها عن كل الثوابت العربية.
وفي رده على سؤال حول موقفه من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إنه لا يحاول التركيز على أي شيء قد يثير التوتر.
وحول موقف “ترامب” من السلام في الشرق الأوسط ومناقشة الملف مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، قال ولي العهد السعودي إن جاريد هو المكلف بالملف من قبل البيت الأبيض، وواجبنا كسعوديين هو تطوير علاقاتنا مع حلفائنا وكل ممثلي هذه المؤسسات.
وبشأن موقفه من قرار “ترامب” بشأن القدس، قال ولي العهد السعودي: “نحن نحاول التركيز على الجهود التي تحفز السلام للجميع، لا نحاول التركيز على أي شيء قد يثير التوتر، أنا بطبعي دائما إيجابي، ولذلك أحاول التركيز على الأشياء التي تدعم مصالح الشعب الفلسطيني ومصالح الجميع”.
وعن علاقة السعودية بـ”ترامب” واختياره لها كأول دولة يزورها كرئيس، قال محمد بن سلمان إن الرئيس “ترامب” هو الرئيس المنتخب الأمريكي، والعلاقات السعودية الأمريكية تاريخية وتعود لحوالي 80 سنة، وفي الواقع، السعودية هي أقدم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قبل أي دولة أخرى.
الخضوع لـ”ترامب” مقابل الحكم
علاقة “بن سلمان” و”ترامب”، هي علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة، إذ كشف الكاتب الأمريكي “مايكل وولف” في كتابه “نار وغضب” النقاب عن أن رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، “كان وراء صعود محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد السعودي”، بعد إعفاء الأمير محمد بن نايف من جميع مناصبه.
وذكر الكاتب أنه “عندما تولى “بن سلمان” ولاية العهد كان “ترامب” يتبجح قائلاً عنه وعن صهره جاريد كوشنر: “وضعنا رَجُلَنا في القمة”.
وأضاف الكاتب في كتابه المثير للجدل: إن “ترامب كان يقول لأصدقائه إنه هو وجاريد هندسا انقلابًا سعوديًّا”.
وبموجب قرار صدر في 21 يونيو 2017، فإن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، عيّن ابنه محمد وليًّا للعهد (بعد منصب ولي ولي العهد المستحدَث سابقًا)، مع احتفاظه بمنصب وزير الدفاع.
وهذا القرار الذي أثار ردود الفعل في البيت الملكي السعودي، جاء بعد زيارة أجراها “ترامب” إلى الرياض، ضمن جولته الأولى عقب توليه رئاسة البيت الأبيض مطلع 2017.
لكن دعم الإدارة الأمريكية لمحمد بن سلمان في معركته مع أبناء عمومته من الأمراء، جعل “بن سلمان” يتفوق حتى اللحظة في تلك المعركة ويمر منها بهدوء تام.
في المقابل قدم “بن سلمان” لـ”ترامب”، خلال زيارته لرياض، مئات المليارات من الدولارات، تم تقديمها لـ”ترامب” في صورة استثمارات سعودية في “البنية التحتية الأمريكية”، الأمر الذي ساعد “ترامب” على المرور بالمرحلة الصعبة الأولى من حكمه.
“بن سلمان” أيضا يقوم حاليا بدور “المستشار الخاص” بـ”ترامب” في منطقة الشرق الأوسط، حيث يلعب “بن سلمان” دورا ملحوظا في إقناع الأطراف العربية المختلفة بما يعرف بـ”صفقة القرن”.
الضغوط على “عباس”
وفي إطار محاولته تقديم نفسه كحليف إستراتيجي لـ”أمريكا” يسعى “بن سلمان” بكل ما أوتي من قوة لإرغام الفلسطينيين على خطة “صفقة القرن” التي يرى “بن سلمان” أنها إن تحققت ستكون أول انتصار دبلوماسي له في حياته.
ووفقا لما نشرته صحيفة “التايمز” البريطانية في “ديسمبر الماضي” فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فتح جبهة جديدة في مساعيه لتغيير الشرق الأوسط، وذلك عبر الضغط على الفلسطينيين للقبول بمبادرة جديدة للسلام مع الإسرائيليين.
وذكرت الصحيفة أن جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقود بالاتفاق مع “بن سلمان” مساعي لبدء عملية سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأضافت أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس -الذي استدعته السعودية في ديسمبر الماضي- قيل له إما أن توافق على هذه الشروط أو تستقيل، وذلك خلال لقائه “بن سلمان” في الرياض الأسبوع الماضي.
وأوضحت الصحيفة أنه في ظل رغبة ولي العهد السعودي في بناء علاقات طبيعية مع إسرائيل دون الوصول إلى حد اتهامه بخيانة القضية الفلسطينية، يسعى “بن سلمان” لعقد اتفاق بين الطرفين وفق خطة جديدة، بحسب الصحيفة.
وتتضمن الرؤية الجديدة للسلام الإقرار بحل الدولتين بلا جدول زمني محدد لإقامة الدولة الفلسطينية، ودون وعود بتجميد الاستيطان مع إفراج محدود عن الأسرى الفلسطينيين.
صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية، كشفت أيضا عن أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، طلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، دعم الخطة التي ترعاها الولايات المتحدة لإحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وكان “عباس” قد دعي إلى العاصمة السعودية الرياض قبل شهرين، حيث أجرى محادثات مع الملك سلمان ومع ابنه محمد.
وكشفت الصحيفة أن محمد بن سلمان حاول استخدام “الدبلوماسية الناعمة”، في سعي منه لإقناع الرئيس الفلسطيني بالعودة إلى عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية.
الإعلان من القاهرة
ولأن “القاهرة” هي الجار الملاصق لإسرائيل، فإن دورها في تلك الصفقة مهم وحساس، إذ أكدت تقارير دولية أن الرباعي العربي “الإمارات والسعودية ومصر والأردن” هما محاور “صفقة القرن” التي تقودها أمريكا لصالح “إسرائيل”.
ووفقًا لما كشفت صحيفة الشرق الأوسط اللبنانية، فإنَّ واشنطن تنوي عرض خطتها (صفقة القرن)، في إطار مؤتمر دولي يعقد في إحدى الدول العربية، ورجحت أن تكون مصر أو الأردن، ولن تكون السعودية بطبيعة الحال لأن “إسرائيل” سوف تدعى إلى المؤتمر باعتبارها الطرف الرئيسي، ولا يوجد بين الرياض وتل أبيب أية معاهدات سلام.
وتأكيدًا لما نشرته الصحيفة، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق “عبد الله الأشعل”: إن “لديه معلومات دبلوماسية تؤكّد إعلان تفاصيل ما تسمى بخطة بـ”صفقة القرن” في شهر أبريل المقبل بالقاهرة”.
“الأشعل”، أشار إلى أن ذلك سيتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” للمنطقة في شهر أبريل المقبل، بسبب مشاركته في الأعياد الإسرائيلية، وفق ما أورد موقع “العرب بوست”.
ولعل ذلك كان أحد أسباب زيارة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” (غير المبررة) للقاهر للقاء “عبدالفتاح السيسي”.
و”صفقة القرن” هو الاسم الذي أطلقه “ترامب” على ذلك الاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإحلال السلام بين الطرفين، وتتبناها الولايات المتحدة، وفي أكتوبر الماضي، كانت كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، جانبًا من الخطة، وقالت إن هناك خطة لفصل وعزل الفلسطينيين عن القدس المحتلة، وذلك لضمان أغلبية يهودية في المدينة، عبر بناء جدار فاصل يعزل التجمعات والأحياء السكنية الفلسطينية.
تفاصيل الصفقة
وتتضمن “الصفقة” تسليم الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية- ضمن تسوية أو صفقة مستقبلية- جميع الأحياء السكنية الفلسطينية في القدس الشرقية، على أن تخضع هذه المناطق في المرحلة الأولى إلى تصنيف مناطق “ب” الذي تتولى فيه السلطة الفلسطينية المسؤولية المدنية وتتولى إسرائيل المسؤولية الأمنية.
وفي المرحلة النهائية يتم تحويل هذه المناطق إلى تصنيف “أ” لتصبح خاضعة للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، ومن ثم تعمل السلطة على ربط هذه المناطق بمدن بيت لحم ورام الله.
وفيما يخصّ القدس القديمة والأماكن الدينية، تقترح الخطة إعداد بنية تحتية تضمن عدم احتكاك اليهود بالفلسطينيين، وذلك عبر حفر شبكة أنفاق وشوارع مغطاة وطرقات التفافية حول البلدة القديمة، وتحصل السلطة الفلسطينية على مساعدات مالية سخية من الإدارة الأمريكية.
ومن أبرز تداعيات هذه الصفقة، أن وضع القدس وقضية عودة اللاجئين سيؤجلان لمفاوضات لاحقة، ما يعني مماطلة إسرائيلية أمريكية ستؤدّي في نهاية المطاف إلى إبعاد القدس تمامًا عن أية مفاوضات لتكون إسرائيلية بالأمر الواقع.
وتشمل مفاوضات حول محادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والدول العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية، والهدف من تلك المفاوضات سيكون التطبيع مع دولة الاحتلال ما يخدم الأخيرة وذلك بحجة أنها ساعدت الفلسطينيين على إقامة دولتهم ومنحهم حقوقهم، في حين أنها ستكون دولة فلسطينية منزوعة المزايا والحقوق.
اضف تعليقا