العدسة – ربى الطاهر

مثلهم مثل أطفال فلسطين، اعتادوا أن يخرجوا للعب واللهو فيعودوا بإصابات العجز أو يحملون جثث ذويهم، قصصهم تدمي القلوب، ولا تنتهي المأساة!.

فها هو “بسام”، ذلك الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره يحكي: “خرجت للعب مع إخوتي الصغار، ولكن بمجرد أن خرجنا صار الضرب بالطيران والمدفعيات، وضربوا البناية بجانبنا فأصيب أخي الصغير، وفقد إحدى ساقيه، وتوفي أبناء جيراني، وقررت أسرتي النزوح بعد ما أصاب إخوتي الصغار من رعب”.

ويستكمل “بسام” المأساة قائلا: “لم تتحسن أحوالنا بعد النزوح؛ فقد اضطررنا لبيع البسكويت لمساعدة أبي، ولكن رغم هذا لا نستطيع أن نجمع أنا أو إخوتي إلا مبلغًا بسيطًا لا يزيد عن 50 إلى 60 ليرة، وهو ما لا يكفينا، وتدهورت كل أحوالنا، فلم نعد نجد ملابس تكفينا ولا حتى الطعام، ففي المخيمات يطهون الأكل بملح زائد؛ حتى يتم طهوه بسرعة، ولا نجد بديلًا لأكله، ولكنه يمرضنا جميعا.. ووَضْعُنا على هذا الحال منذ ستة أشهر، ولا أحد يشعر بنا”.

هذه هي قصة أحد أطفال سوريا، يحكي ما عاشه في ظل تلك الحرب التي لا تتوقف، ولا أحد يعرف لها نهاية، وبالتأكيد ليست هذه هي القصة الوحيدة التي بدلت حياة أسرة بأكملها لتحول أطفالا منها إلى ذوي الإعاقة، وربما السماع لمزيد من القصص قد يؤدي إلى تكشف الأكثر ألمًا والأكثر بشاعة، فهناك الآلاف الذين مات ذووهم، ومن أصيبوا بالإعاقات، ومن شردوا في بلاد أخرى.. إلى غير ذلك من مآسٍ اختلقتها الحرب التي لا زالت دائرة حتى الآن.

2017 أسوأ عام بحياة أطفال سوريا

وسيظل “بسام” وأمثاله يحملون بين جوانحهم جروحًا غائرة لن يمحوها الزمن، وهذا ما أكده التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” الذي أوضح أن العام 2017، هو الأسوأ على الإطلاق في حياة الأطفال السوريين خاصة من تحول منهم إلى أصحاب الاحتياجات الخاصة من ذوي الإعاقة، والذين سيواجهون خطر الإقصاء والنسيان مع طول الحرب الدائرة في سوريا.

وأظهر التقرير أن العام الماضي قد أسفر عن مقتل أكبر عدد من الأطفال منذ بداية الحرب قبل سبع سنوات إلى الآن، وقد وصلت الزيادة في قتلاهم عن العام 2016 إلى 50 %، مشيرا إلى أن العام 2018 لا يبشر بأية تراجعات، ولن يكون أفضل، فلا أمل لنجاتهم، فهم بين شقي الرحى، إما القتل أو الإعاقة أوالصدمات النفسية.

وعلى الرغم من حجم المأساة التي يعانيها الشعب السوري بأكمله، والأطفال بوجه خاص يبقى الأطفال ذوو الإعاقة حالة استثنائية، فهم الأكثر عرضة لحوادث العنف، والأكثر معاناة في الحصول على الخدمات الأساسية بما تشملها من تعليم وصحة.

كما أوضح التقرير أن احتمالية تعرض هذه الشريحة من الأطفال السوريين للعنف والاستغلال وسوء المعاملة، تزداد مع وفاة أولياء أمورهم، أو مع تعرضهم لتفريق الشمل والتشريد، وأضاف أن اللجوء إلى حل النزوح لا يمثل توفير الأمان بنسبة أعلى فيما يخصهم، حيث إن وضعهم في مثل هذه الأماكن يجعلهم أقرب إلى المخاطر، مثل حوادث المرور والأنهار والقرب من مخلفات الحرب غير المنفجرة.

وتحت عنوان “سبع سنوات من الحرب في سوريا: الأطفال ذوو الإعاقات – مستقبل أكثر تمكينًا”، أطلق خيرت كابالاري، المدير الإقليمي للمنظمة في الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا، نداءً من بيروت لتأمين موازنة منظمته لعام 2018، والبالغة 1.3 مليار دولار أمريكي، وقال: إن “أطفال سوريا يعانون من الندوب الداخلية والخارجية التي لن تزول”.

وأضاف “كابالاري”: “في حالات النزاع، يكون الأطفال من ذوي الإعاقة من أكثر الفئات هشاشة (..)، وغالبًا ما يحتاج هؤلاء الأطفال إلى علاج وخدمات متخصصة، تختلف احتياجاتهم كأطفال عن احتياجات الكبار”، محذرًا من أنه “في حال عدم حصولهم على الخدمات والمدارس ووسائل المساعدة، مثل الكراسي المتحركة، فإن العديد من الأطفال ذوي الإعاقة يواجهون خطرًا حقيقيًّا بالإقصاء والإهمال والوصم مع استمرار هذا النزاع الذي لا ينتهي”.

كما أكد التقرير أن أكثر من 360 طفلًا سوريًّا قد تعرض للإصابة في العام 2017، وعدد كبير منهم تحولت إصابته إلى إعاقة دائمة، في حين يتواجد حتى الآن حوالي 3.3 مليون طفل داخل سوريا يعيشون تحت تهديدات ومخاطر المتفجرات، بما يشملها من ألغام أرضية والذخائر غير المنفجرة.

الأطفال يدفعون الضريبة

وقالت المنظمة الأممية أن استخدام المتفجرات بأنواعها وتعرض المناطق ذات الكثافة السكانية العالية للهجمات العشوائية بالقصف الجوي هو المسؤول الأول عن مقتل الأطفال والمراهقين في سوريا، فقد تسببت تلك الحرب إلى الآن في قتل 910 من الأطفال، إضافة إلى 360 غيرهم تعرضوا لإصابات خطيرة، بعضهم أصيب بعجز دائم خلال العام 2017 فقط، ومن المتوقع ألا تكون الزيادة في هذه الأعداد بسيطة خلال الفترة القادمة، بل المنتظر أن تكون هناك زيادة هائلة في تلك الأعداد في ظل هذه الأوضاع التي لم تتغير .

ولم يغفل التقرير عن توصيف تلك “الندوب” التي أثرت، ليست فقط على أجساد أطفال سوريا، ولكن ايضا على نفسياتهم، فهذه الآثار ستنتقل مع هذا الجيل بأكمله فيما تبقى له من عمر، ولاسيما في ظل ما يحدث من اغتيال لطفولتهم وانتهاك حقوقهم، عن طريق الزج بهم إلى ساحات القتال، حيث يتم إجبارهم على القتال، وفي أحسن الأحوال يتعرضون للاستغلال أو العمالة القسرية أو الزواج، بالإضافة إلى الظروف التي يعيشون فيها تحت ندرة الغذاء وصعوبة الوصول إلى الرعاية الطبيّة والرعاية التعليمية، حيث تم التحقق من قبل المنظمة من وقوع 175 هجومًا على المرافق التعليمية والطبية، بل وعلى العاملين فيها كذلك، خلال العام 2017.

وحذر التقرير من أن هناك ما يقدر عدده بـ3.3 مليون طفل يعيشون إلى الآن في سوريا يتعرضون لمخاطر الحرب الدائرة هناك؛ من متفجرات بما تحتويه من الألغام الأرضية، أو الذخائر غير المنفجرة، وقد وصل عدد الأطفال الذين يعيشون بإعاقات أدت إلى العجز الدائم ما يتخطى الـ1.5 مليون طفل، نتيجة لظروف الحرب، ومن بين هؤلاء وصل عدد الأطفال الذين فقدوا أطرافهم إلى 86 ألف طفل.

وأشار إلى أن هؤلاء السوريين الذين اتجهوا إلى اللجوء إلى لبنان والأردن، 80% من إصاباتهم تعود بشكل مباشر إلى إصابات الحرب الدائرة في بلادهم.

ونوهت منظمة اليونيسف إلى أن هناك 13 مليون شخص لازالوا يعيشون تحت تهديدات الحرب داخل سوريا، نصفهم من الأطفال، في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانيّة، خاصة مع إشارة تلك التقارير الاقتصادية إلى أن الظروف الاقتصادية التي مر بها السوريون العام الماضي كانت أسوأ كثيرا مما عانوه في العام الذي سبقه 2016، كما أن نسبة تتجاوز الـ 12% من اليافعين يعانون من أعراض سوء التغذية الحاد.

الصمود والتحدي سمة أطفال سوريا

وقد أثنت منظمة اليونيسف على تلك العزيمة والإصرار، التي لازال أطفال سوريا يتمتعون بهما، رغم ظروف الحرب الدائرة، حتى إنها رأت أن الوصف المناسب لتلك الحرب هو أنها “حرب على الطفولة”، فلم يستسلم هؤلاء الأطفال لمشاعر الانهزام والإحباط، رغم كل تلك الآثار المدمرة التي خلفتها سنوات الحرب.

وأضاف “كابالاري”: “على الرغم من الإصابات والنزوح، فإن طموح أطفال سوريا لا يعرف الحدود، عندما يتم توفير ما يحتاجه هؤلاء الأطفال وعائلاتهم من دعمٍ وخدمات، فإننا نجدهم قد تغلّبوا على التحديات التي يواجهونها وأنجزوا أعمالاً استثنائية لاستعادة بعضٍ من طفولتهم وكرامتهم وأحلامهم”.