العدسة – منصور عطية

هل يحتمل قطاع غزة المحاصر منذ 11 عاما مزيدا من الإجراءات العقابية؟ ألا تكفي الأزمة الإنسانية والمعيشية الخانقة التي يعيشها أهله على وقع حصار العدو والجار وعقوبات الأخ؟.

تساؤلات كثيرة يبدو أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد حسم أمره بالجواب عليها بتهديدات غير مسبوقة، اتضح أنه وجد في محاولة اغتيال رئيس حكومته فرصة سانحة لينزلها منزل الواقع، فإلى أي مدى يمكن أن يصل “عباس” بتهديداته؟.

“عباس” يتهم.. و”حماس” تُصعد

وخلال كلمة ألقاها باجتماع للجنتين؛ التنفيذية لمنظمة التحرير، والمركزية لحركة فتح، اتهم عباس رسميا حركة حماس بالوقوف وراء محاولة اغتيال رئيس حكومة الوفاق رامي الحمدالله بقطاع غزة قبل أيام.

وقال: “إن الاعتداء على رئيس الوزراء رامي الحمدالله، ورئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء ماجد فرج لن يمر”، وإن “حماس هي من تقف وراء هذا الاعتداء”.

وتابع “عباس”: “إما أن نتحمل مسؤولية كل شيء في قطاع غزة، أو تتحمله سلطة الأمر الواقع.. لا يوجد طرفا انقسام، بل هناك طرف واحد يكرس الانقسام ويفرض سلطة أمر واقع غير شرعية، وأن نتيجة مباحثات المصالحة مع حماس هي محاولة اغتيال “الحمدالله” و”فرج” “.

وكانت الطامة الكبرى في تصريحات رئيس السلطة التي قال فيها: “بصفتي رئيسًا للشعب الفلسطيني، قررت اتخاذ الإجراءات الوطنية والقانونية والمالية كافة من أجل المحافظة على المشروع الوطني”، في إشارة لعقوبات سيفرضها قريبا على قطاع غزة.

الرد السريع والحاسم جاء من حركة حماس، عبر بيان رسمي نشره موقعها الإلكتروني، دعت فيه للذهاب إلى الشعب الفلسطيني “لإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني؛ كي ينتخب الشعب قيادته ومن هم أهل لتحقيق الوحدة وتحمل المسؤولية ورعاية مصالحه”.

وبحسب البيان الذي أدان تصريحات “عباس”، فإن تصريحات “عباس” تأتي في سياق “مواقفه التوتيرية”، التي “تحرق الجسور، وتعزز الانقسام، وتضرب وحدة شعبنا وعوامل صموده في الداخل والخارج، وتخلق مناخات تساهم في دعم مشروع “ترامب” التصفوي لقضيتنا الوطنية”.

واعتبرت حماس أن “إصدار “عباس” الأحكام المسبقة” واتهامه المباشر للحركة في محاولة اغتيال “الحمدالله”، “في حين مازالت الأجهزة الأمنية في غزة تواصل تحقيقاتها دون تعاون من حكومته “يعد” حرفا لمسار العدالة وسير التحقيقات”.

وطالبت الحركة كل الجهات الإقليمية والدولية وجامعة الدول العربية “بالتدخل العاجل والمسؤول لوقف هذه التهور الخطير، وتحمل مسؤولياتهم في منع وقوع الكارثة على المستوى الوطني الفلسطيني الداخلي، والمترتب على سياسة “عباس” وقراراته بحق غزة وأهلها”.

إجراءات عقابية

ويبدو التساؤل الأبرز متعلقا بما يمكن أن يتخذه “عباس” من إجراءات عقابية تضاعف معاناة نحو مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع، يعانون أساسا من عقوبات اتخذتها السلطة على مدار الأشهر السابقة على توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس بالقاهرة، في أكتوبر الماضي.

وجاءت تلك العقوبات، التي تقول السلطة إنها للضغط على حماس وليست موجهة للشعب الفلسطيني، كالتالي:

-تقليص رواتب موظفي السلطة في غزة بنسب تراوحت بين 30 و50% دون وجه حق، وبالمخالفة لأحكام القوانين التي تم بموجبها ترتيب الوضع الوظيفي.

-الاستمرار في فرض “ضريبة البلو” على وقود محطة الكهرباء في غزة، بما يرفع سعره لنحو ثلاثة أضعاف السعر الفعلي، الأمر الذي أسفر عن أزمة خانقة منذ نحو 3 أشهر، بمعدل 4 ساعات وصل، يليها 12 ساعة قطع.

-منع إدخال الأدوية للقطاع منذ أبريل الماضي، بحجة أن حماس تبيعها للمرضى وتتكسب من ورائها، وكشف الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، أن 175 صنفًا من الأدوية والمستهكلات الطبية أصبح رصيدها صفر، وغاب 35% من الأدوية الأساسية والتخصصية، لاسيما 90% من أدوية السرطان، و40% من المستهلكات الطبية الهامة.

-تجميد التحويلات المالية للجمعيات الخيرية، ومنها تجميد حسابات 32 مؤسسة خيرية عاملة في قطاع غزة العام الماضي، فيما عمد بنك فلسطين الحكومي إلى إرجاع مئات الملايين من الدولارات إلى المتبرعين في الخارج.

-قطع رواتب أكثر من 277 أسيرًا، غالبيتهم من محرري صفقة “وفاء الأحرار”، ممن أمضوا سنوات طويلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، سواء كانوا في الضفة الغربية أو قطاع غزة.

-وقف توريد الكهرباء التي كان يرسلها الاحتلال، منذ يونيو الماضي، بعد طلب “عباس” من سلطاته تقليص نحو 40% من المبلغ الإجمالي الذي تخصصه السلطة الفلسطينية لكهرباء غزة.

-التصديق على قانون التقاعد المبكر للعسكريين، ليطال الأمر نحو 23 ألف موظف عسكري بالقطاع.

تلك الإجراءات العقابية السبعة ربط “عباس” العدول عنها بحل حماس لجنتها الإدارية بقطاع غزة، ورغم أن الحركة أقدمت على تلك الخطوة، وسلمت بالفعل الوزارات والمعابر لحكومة الوفاق -بناء على تفاهمات اتفاق المصالحة- إلا أن “عباس” لم يتراجع عن إجراء واحد منها.

غزة.. إقليم متمرد!

للوهلة الأولى تبدو الترجمة الحرفية الفورية لتهديدات “عباس” متمثلة في تشديد الإجراءات العقابية السابقة، ومضاعفتها على كافة الأصعدة، مثل قطع الرواتب كاملة لموظفي السلطة وربما فصلهم، والتخلي عن إمداد غزة بالوقود والكهرباء، وقطع أية إمدادات للقطاع عبر معابره مع الاحتلال بإيعاز من السلطة.

ويروج في هذه الأثناء الحديث عن مصطح “الإقليم المتمرد”، وإمكانية أن يصعد “عباس” ضد حركة حماس ويعلن قطاع غزة إقليما متمردا، ليلحق به ما يترتب عليه من آثار.

ويقصد بهذا المصطلح تطبيق سلسلة إجراءات وملاحقات وحصار وتحريض سياسي واقتصادي وعسكري على مستوى ضخم تلجأ إليه الدولة ذات السيادة على أراضيها في حال وقوع انشقاقات عسكرية أو سياسية تهدد تلك السيادة في جزء محدد من أراضيها.

اللافت، أن الحديث عن هكذا قرار لم يكن وليد اللحظة، بل إنه كان مثار مناقشات ومداولات عدة داخل أروقة السلطة الفلسطينية منذ الحسم العسكري لحركة حماس في غزة عام 2007، لكنه بقي مجرد أطروحات لم ترتق إلى حيز التنفيذ.

ويتمثل الإعلان في طلب رئيس السلطة من مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار يقضي باعتبار القطاع “إقليما متمردا” وخارج نطاق حكمه، لكن يظل خيارا مستبعدا في ظل الاحتلال الإسرائيلي وعدم تمتع فلسطين بصفة الدولة كاملة السيادة بالأمم المتحدة.

الخيار الثاني يقود إلى مظلة عربية ودولية يتمكن خلالها “عباس” من فرض إجراءات مماثلة لما يتطلبه الإعلان، بدعم دولي وعربي قد يستطيع الحصول عليه في الوقت الراهن.

خلافا لهذا وذاك، من المؤكد أن “عباس” سيلجأ بداية للخيار الثالث، وهو “الإجراءات العقابية المنفردة”، كما سبق توضيحه، لكن في هذه الحالة (اعتبار غزة إقليما متمردا) قد ينسحب الأمر على خطوات أخرى أمنية وعسكرية، وربما يصل التصعيد إلى إغلاق كافة معابر القطاع وتشديد الحصار عليه، وربما محاولة الاستيلاء على حكم القطاع بالقوة، أو بمساندة إسرائيلية.

سياسيا، فإن الإعلان يتضمن وقف التعامل مع حركة حماس ونظامها القائم في غزة، تحت أية مسميات، ودون استثناءات، وتحريض الأنظمة العربية الموالية للسلطة على أن تحذو حذوها في هذا الصعيد، لمزيد من فرض العزلة على حماس وغزة.