العدسة – منصور عطية

“السعودية بلد ثري جدًا وستعطي الولايات المتحدة بعضًا من هذه الثروة”.. بهذه الكلمات القصيرة عميقة المعنى، ربما لخّص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب محددات العلاقة التي تربط بلاده بالسعودية.

مزيد من مليارات الدولارات تستعد لأن تطير من الرياض إلى واشنطن، أُعلن عنها خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحالية لأمريكا، والتي لم تخلُ من الرسائل والتفاصيل المثيرة.

200 مليار جديدة..

“ابن سلمان” كشف خلال اللقاء الذي جمع بينه وبين ترامب، في مستهل الزيارة الثلاثاء، عن تدشين خطة استثمارات بين المملكة والولايات المتحدة بإجمالي 200 مليار دولار، مشيرا إلى أنه تم بالفعل تنفيذ 50 % من الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة بين البلدين.

وقال ترامب خلال اللقاء: “شرف لنا أن نستضيف ولي العهد السعودي والوفد المرافق له، الذي أعرف الكثير منهم.. العلاقة (بين البلدين) في أقوى درجاتها على الإطلاق ويفهم بعضنا البعض”.

وفي كلمات شديدة الرمزية والإيحاء، أضاف لدى استقباله وفد المملكة: “السعودية بلد ثري جدا وستعطي الولايات المتحدة بعضا من هذه الثروة، كما نأمل، في شكل وظائف وشراء المعدات العسكرية”.

المثير أن تلك الصفقة الجديدة تأتي بعد أقل من عام على الصفقة التاريخية التي أعلنها ترامب، أثناء زيارته للسعودية مايو الماضي، بقيمة تجاوزت 400 مليار دولار بينها 110 مبيعات أسلحة.

وكأن ابن سلمان أصبح الدجاجة التي يملكها ترامب وتبيض له ذهبا، فلا تمر زيارة أحدهما للآخر إلا ويُعلَن عن صفقات ضخمة تثير التساؤلات بشأن أغراضها الحقيقية ومصادر تمويلها.

بطبيعة الحال فإن الأمير الشاب الذي يستعد للوثوب الفعلي على عرش المملكة، لن يمول تلك الصفقات الضخمة من جيبه الخاص، رغم اعترافه بأنه “ثري” في رده على اتهامات بالبذخ في الإنفاق.

.. من أين ولماذا؟

المفارقة عند الحديث عن مصادر التمويل المحتملة لتلك الصفقة الجديدة، أن الإعلان عنها يتزامن مع ما كشفه “ابن سلمان” من أن حصيلة توقيفات الفساد التي نفذتها المملكة منذ نوفمبر الماضي، بلغت 100 مليار دولار.

فمن غير المستبعد، في ظل ميزانية مترهلة تواجه عجزا قياسيا وتاريخيا بلغ نحو 40 مليار دولار خلال العام الماضي، أن يموّل ولي العهد جزءا من صفقة ترامب من تلك الحصيلة الكبيرة المصادَرة من أبناء عمومته ورجال الأعمال.

كما تبرز في هذا السياق جملة الرسوم والضرائب المستحدثة التي فرضتها السلطات على مواطنيها والأجانب المقيمين فيها خلال الفترة الماضية، والتي كان أبرزها الرسوم الشهرية على الوافدين وعائلاتهم، وضريبة القيمة المضافة.

أما الحديث عن الأغراض الحقيقية التي تكمن وراء تلك الصفقات فيبدو مليئا بالتفاصيل، ولعل الواجهة الأولى المعبرة عن طبيعة العلاقة التي تربط بين البلدين تفسرها معادلة “المال مقابل الحماية”، فالسعودية تدفع المليارات لأمريكا من أجل حمايتها.

تتداخل في هذا الإطار قضية العدو المشترك لكل من أمريكا والسعودية الذي تمثله إيران، ولمزيد من التوضيح بشأن العلاقة بين الصفقة الجديدة ومسألة العدو المشترك، يبرز تصريحان في غاية الأهمية، تزامنا مع زيارة ابن سلمان والإعلان عن الصفقة.

ترامب اتهم الحرس الثوري الإيراني بأنه “جيش عدائي يسرق الشعب الإيراني لتمويل الإرهاب في الخارج”، وخلال تهنئته الإيرانيين بعيد “نوروز” قال إن الحرس الثوري “أنفق أكثر من 16 مليار دولار لدعم الحكومة السورية ولدعم المسلحين والإرهابيين في سوريا والعراق واليمن”.

قبلها بأيام فقط، أكد ولي العهد السعودي، في مقابلة تلفزيونية، أن بلاده “ستطور قنبلة نووية إذا أقدمت إيران على تلك الخطوة”.

فهل تكون الـ200 مليار دولار بمثابة العربون السعودي لتوجيه ضربة أمريكية لإيران طالما تمناها حكام المملكة، أم أن الأمر يقتصر فقط على قضية الحماية من خطر الدولة الفارسية، أم أنه مجرد قربان للتودد إلى القوة الأعظم في العالم؟.

إهانة على الملأ!

على نحو مرتبط بدور المال السعودي في زيارة ابن سلمان، كان المشهد الأكثر إثارة للجدل، عندما حمل ترامب لوحة تشبه “السبورة” تظهر مبيعات أسلحة أمريكية للسعودية بقيمة 12.5 مليار دولار.

ليس الرقم هو ما أثار الجدل، لكنها طريقة عرض ترامب للوحة، والتي اعتبرها كثيرون مهينة إلى حد كبير لولي العهد السعودي وتنتقص من مكانة بلاده، حيث تعمد الرئيس الأمريكي أن يحملها أمام ابن سلمان، فضلا عن الهدف من عرضها بالأساس.

ليس هذا فحسب، بل إن ترامب عندما بدأ في تفصيل مبيعات الأسلحة وذكر قيمها كل على حدة، باغت ابن سلمان بعبارة مثيرة ثم واصل الحديث، حيث قال: “هذه مبالغ زهيدة بالنسبة لكم”، لتعلو بعدها ابتسامة غطت وجه الأمير، رآها متابعون تعبيرًا صادقًا عن كم الإهانة التي تعرض لها.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات عديدة لمغرين سعوديين وعرب سخروا من المشهد، وقالوا إن ترامب استخدم ابن سلمان كسبورة للعرض.

ونشر حساب يدعى (مستشار الأمير محمد بن نايف) تغريدة قال فيها: “كمية الإهانة والاستحقار في هذا التصرف غير معقولة ولا تطاق، محمد بن سلمان كثيرٌ عليه أن يعطى إدارة روضة أطفال، لا أن يقود ويمثل دولة بحجم المملكة، تصرف ترامب هذا خارج عن جميع البروتوكولات الدبلوماسية والسياسية، المتعارف عليها، وفيه إهانة كبيرة للضيف”.

كما أكد المتابعون أن ترامب كان بإمكانه عدم عرض هذه اللوحات من الأساس، والاكتفاء بذكر ما جاء فيها من تفاصيل، لكن عرضها على هذا النحو كان متعمدا لإهانة الضيف ليس أكثر، على حد وصفهم.

على الجهة المقابلة، قلل آخرون من أهمية ودلالة هذا المشهد، ورأوا أن ترامب أراد فقط أن تكون اللوحة واضحة بتفاصيلها لوسائل الإعلام التي تنقل اللقاء، ولم يجد أكثر من هذه الزاوية وضوحا.

تاريخ العلاقة “المريبة”

تاريخ تلك العلاقة المريبة التي تربط البلدين يرجع دبلوماسيا إلى عام 1933، بعد عام واحد من إعلان تأسيس المملكة العربية السعودية (الدولة السعودية الثالثة) على يد الملك عبدالعزيز آل سعود.

وفي العام نفسه، منحت المملكة أول امتياز لحق التنقيب عن النفط في البلاد لشركة “ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا” الأمريكية، وبعد استخراج البترول بكميات ضخمة استعانت الشركة بشركات أمريكية أخرى، لتشكل فيما بعد تحالفا باسم “شركة الزيت العربية الأمريكية” واختصارها “أرامكو” والتي تدير أكبر احتياطيات مؤكدة في العالم بالمملكة.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2017 أكثر من 142 مليار ريال سعودي أي ما يعادل نحو 38 مليار دولار.

وقعت الرياض وواشنطن اتفاقية دفاع مشترك عام 1951، لكن لم تنشأ القواعد العسكرية الأمريكية في السعودية إلا إبان حرب الخليج الثانية 1991 حيث انطلقت منها عملية تحرير الكويت، كما كان الحال في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.