العدسة – منصور عطية

لابد أن العقيد الليبي الراحل معمر القذافي من أسعد الناس الآن، حتى وهو في قبره، حيث يترقب الجميع وثوب ابنه “سيف الإسلام” على مقعد الرئاسة في البلاد التي مزقتها سنواتٌ من الصراع المسلح في أعقاب مقتل القذافي إثر اندلاع ثورة شعبية ضده عام 2011.

اختلف القانونيون والسياسيون حول جواز ترشحه من عدمه، وتباينت وجهات النظر بشأن فرصه في تحقيق الفوز بالانتخابات الرئاسية المقررة العام الجاري، لكن الجميع يتفقون أن بقاء الرجل على قيد الحياة حتى هذه المرحلة وتردد اسمه في الأوساط السياسية علامة فارقة في تاريخ ليبيا.

ترشح لإنقاذ البلاد!

“أيمن بوراس” المكلف بالبرنامج السياسي والإصلاحي لسيف الإسلام القذافي، أعلن خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم الاثنين، بالعاصمة التونسية ترشح نجل القذافي للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وأكد أن سيف الإسلام القذافي من خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة لا يطمح إلى السلطة بمفهومها التقليدي، بل يطمح إلى إنقاذ بلاده.

وقال “بوراس”: إن “أيادي سيف الإسلام القذافي ممدودة لكل من يريد الخير لليبيا محليا وإقليميا ودوليا”، مشيرا إلى أن البرنامج الإصلاحي لنجل القذافي “يتضمن رؤية سياسية وأمنية واجتماعية متكاملة لليبيا”.

ودعت المحكمة الجنائية الدولية، في يونيو الماضي، إلى اعتقال نجل القذافي أو تسليم نفسه، بعد 4 أيام على إطلاق جماعة مسلحة في غرب ليبيا سراحه منذ احتجازه عقب الثورة.

وطالبت المدعية العامة للمحكمة “فاتو بنسودا”، ليبيا ودول أخرى باعتقال سيف الإسلام، الذي يواجه تهما بارتكاب جرائم حرب خلال حكم والده للبلاد.

وكانت “كتيبة أبوبكر الصديق” في مدينة الزنتان، التابعة لقوات مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق) بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أخلت سبيل سيف الإسلام، بعد نحو عامين من إصدار برلمان طبرق قانون العفو العام، الذي منح جميع المسجونين العفو عن الجرائم المرتكبة، خلال الفترة من فبراير 2011، وحتى صدوره.

مطلوب للعدالة الدولية

وتباينت آراء القانونيين بشأن أحقية نجل القذافي في الترشح للانتخابات من عدمه وسلامة موقفه القانوني، فالفريق الأول يقول إن مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية تعد سببا كافيا لمنعه من خوض غمار المنافسة.

ليس الأمر متعلقا بالداخل الليبي هنا، بل بعلاقة المجتمع الدولي وقواه الفاعلة بالأزمة الليبية، حيث يعد المخرج الانتخابي حلا أنضجه المجتمع الدولي وتوافقت عليه الأطراف الليبية، وإن لم تحدد إلى الآن خريطة زمنية واضحة له.

وعليه، فإن القوى الكبرى ستكون معنية بمنع ترشح القذافي، ولعل هذا ما عبر عنه المبعوث الأممي غسان سلامة نهاية ديسمبر الماضي، حين قال إنه “لا يسعى إلى لقاء سيف الإسلام القذافي، لأنه مطلوب من القضاء الدولي”.

هنا قد يضع “سيف الإسلام” نفسه في مواجهة مع المجتمع الدولي الرافض له، على نحو يدفع هذا المجتمع إلى عدم الاعتراف به إذا وصل لسدة الرئاسة، واتخاذ إجراءات عقابية تتدرج من الاقتصاد للحرب.

لكن واقعيا، فإن هذا المجتمع الدولي قد يغض الطرف بإرادته أو بحساب المواءمات السياسية عن كون القذافي الابن مطلوبًا للعدالة، ولعل هذا الموقف ينطبق على الرئيس السوداني عمر البشير الذي يحكم البلاد ويعترف الجميع بشرعية نظامه، رغم صدور مذكرة توقيف بحقه من المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2009، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قليم دارفور غربي السودان.

الأمر بيد الليبيين

وجهة النظر الأخرى، ترى أن الحكم في ترشح نجل القذافي من عدمه هو الهيكل القانوني الداخلي في البلاد الذي يتيح ترشحه، والشعب الليبي القادر على تتويجه رئيسا عبر صناديق الاقتراع.

وفي ديسمبر الماضي، أعلنت المفوضية الوطنية للانتخابات في ليبيا بدء عملية تسجيل الناخبين، استعدادا لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2018، للخروج من نفق الفراغ الدستوري، وأزمة تعدد الشرعيات في البلاد.

يرتكز هذا الرأي الثاني على أن ليبيا ليست موقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية، وأن أعلى سلطة معترف بها في ليبيا، وهي برلمان طبرق أصدرت عفوًا عامًّا انطبق على سيف الإسلام، الذي يتمتع حاليا بحقوق المواطنة كاملة، وأهمها حق الترشح والانتخاب.

وكان لرئيس مجلس النواب “عقيلة صالح” تصريحات قبل نحو شهرين أثارت جدلا واسعا في الأوساط الليبية، عندما قال إن “سيف الإسلام”، يحق له الترشح لانتخابات الرئاسة “إذا لم يكن هناك مانع قضائي يحول دون ذلك”.

وقال في مقابلة، تعليقا على التقارير حول نية سيف الإسلام القذافي الترشح للرئاسة: “لقد أصدرنا قانون العفو العام والعفو السياسي، وأي مواطن ليبي ليس عليه قيود قضائية من حقه أن يترشح، بمن فيهم سيف الإسلام القذافي”.

يده ملطخة بالدماء

وعلى الرغم من تعدد سيناريوهات المستقبل القريب بشأن ترشح نجل القذافي، يبقى تنافسه في الانتخابات الرئاسية واردًا، ويظل التساؤل الأبرز في تلك الحالة: ما الحظوظ التي يتمتع بها المرشح المحتمل سيف الإسلام؟.

كالعادة انقسم الليبيون حول الإجابة؛ حيث رأى بعضهم أنه الأوفر حظا في رئاسة البلاد، وفقا لأسباب عدة، أبرزها ما آلت إليه الأمور في ليبيا على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية، بيد جميع الحكومات والمسؤولين الذين تعاقبوا على تصدر المشهد.

ويكمن السبب الثاني، في كم الخبرات المتراكمة لدى “سيف الإسلام” بشؤون الحكم وإدارة البلاد، نظرا لما تولاه من مسؤوليات على مدار عقود من حكم والده، وما يمكنه أن يضم بجانبه آخرين من مساعديه المنتمين للنظام السابق.

“فرج الشريفي” الدبلوماسي السابق في نظام معمر القذافي، لفت في تصريحات صحفية إلى أن هناك أكثر من مليون ونصف ليبي خرجوا من البلاد في أعقاب الثورة، ينتظر أن يعودوا حال ترشح سيف الإسلام، لمناصرته وترجيح الكفة لصالحه.

في المقابل، يستبعد كثيرون وجود فرص لنجاح “القذافي” في الانتخابات، نظرا لأن يديه ملطختان بدماء الآلاف من الليبيين خلال قمع نظام والده للثوار على مدار أشهر، وكان سيف الإسلام متصدرا المشهد حينها.