العدسة – باسم الشجاعي

في سابقة هي الأولى من نوعها، بدأ الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، مناورات تحت اسم “الصمود والتحدي”.

المناورات العسكرية للقسام، حملت بين طياتها الكثير من الرسائل أرادت حركة “حماس”، إرسالها للعديد من الجهات الداخلية والخارجية، وعلى رأسها بالطبع دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشهد جيشها حالة من الاستنفار الداخلي (في الضفة المحتلة وعلى الشريط الحدودي مع قطاع غزة الذي يشهد مظاهرات شبة يومية منذ إعلان “ترامب” الخاص بالقدس).

وتتزامن المناورات العلنية للقسام، مع مناورات أخرى عسكرية ضخمة لقوات الاحتلال بمشاركة القوات الأمريكية، وقبيل انطلاق مسيرات العودة الكبرى المقررة، “الجمعة” المقبلة 30 مارس.

الرسالة الأولى، التي أردتها “حماس” من المناورة بأن هناك حالة استعداد لدى جناحها العسكري في قطاع غزة، وأنه على استعداد تام، وأي محاولة للخديعة فإن المقاومة ستكون مستعدة.

فقد بدأت الكتائب مناوراتها التي ستستمر لأربع وعشرين ساعة، والتي كان مخططًا لها بشكل مسبق، في إطار الاستعدادات لأي مواجهة مقبلة، ويتزامن ذلك مع استمرار التهديدات الإسرائيلية للقطاع ولحركة “حماس” وقوى المقاومة.

فمنذ قرار “ترامب” الخاص بالقدس، ويتمركز على بُعد أمتار قليلة من السياج الفاصل “الحدود”، شرقي قطاع غزة، تعمل قوات معززة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لمنع الفلسطينيين من عبور السياج باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي إطار المناورات أطلقت “كتائب القسام” صاروخين من طراز لم يعلن عنه باتجاه البحر، في إطار التدريب والتجهيز واختبار قدرات الصواريخ، وهي المرة الأولى التي يطلق فيها هذا الصاروخ بشكل علني.

وسمع دوي الصاروخين في شمال القطاع ومدينة غزة، وبدا كأنه من طراز مختلف تمامًا وذا صوت عالٍ جدًا، بخلاف الصواريخ المحلية التي تطلقها قوى المقاومة خلال العدوان الإسرائيلي في مرات سابقة، بحسب ما قال شهود عيان.

وجاءت المناورة العسكرية، بعد ساعات من قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي موقعًا للمقاومة شمال مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

واستهدف الطيران الاستطلاعي الموقع بصاروخين، ثم تعرض الموقع ذاته لقصف من الطيران الحربي بصاروخين آخرين، ولم يبلغ عن إصابات.

ويبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يأخذ مجريات المناورة على محمل الجد؛ حيث كشفت مصادر إعلامية عبرية، اليوم “الأحد” 25 مارس، النقاب عن أن تل أبيب بعثت برسائل “تحذير” إلى حركة “حماس” عبر مصر.

وذكرت القناة الثانية العبرية، أن “إسرائيل” حذّرت حركة “حماس” عبر المخابرات المصرية، ممّا سمته “تسخين الأوضاع على الحدود”.

توجيه الرسائل الإسرئيلية جاء بعد أن أعلنت الحركة عن إجراء مناورات عسكرية، في قطاع غزة، واتهامات الجيش الإسرائيلي للحركة بمحاولة استغلال المسيرات لتنفيذ هجمات للإضرار بالسياج الأمني وقوات الجيش على الحدود.

رسائل الداخل أهم

الرسالة الثانية التي تريد إيصالها من المناورات العسكرية داخلية، وتنقسم لشقين الأول خاص بعموم الشعب، والثانية خاصة بالسلطة الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس “محمود عباس”.

فإشراك “حماس” لمختلف التشكيلات العسكرية لكتائب القسام وصنوف الأسلحة البرية والبحرية والجوية يحمل طابعًا استراتيجيًا عنوانه: أية مواجهة محتملة ستكون شاملة وتتطلب استخدام كل القدرات العسكرية المتاحة لردع أي عدوان على غزة، ولمنع أي تطاول على حقوق الشعب الأعزل.

والرسالة الخاصة بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، هو أن “كتائب القسام”، جاهزة للمواجهة مع “إسرائيل” في أيِّ وقت، وخاصة مع فعاليات مسيرة “العودة الكبرى”، التي دعت لها “الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة”، التابعة للجنة القوى الوطنية والإسلامية، في 30 مارس الجاري، انطلاقًا من الحدود الفاصلة مع القطاع تجاه الداخل الفلسطيني المحتل.

ولكن وإن كانت جماهير قطاع غزة لم تجرب من قبل فعاليات سلمية بالحجم الذي يجري التخطيط له، إلا أنه بات يشعر، أكثر من أي وقت مضى، بحجم المؤامرات التي تتعرض لها قضيته، وفي ظل تآكل حقوقه، وخاصة فيما بات يعرف حاليًا بـ”صفقة القرن” والتي ترعاها دول عربية على رأسها “مصر والسعودية والإمارات”، بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.

وبعيدًا عن كل المخاوف التي قد تقع، يبدو أن عزيمة الفلسطينيين هذه المرة أقوى من أي وقت مضى، وأن الإصرار لتجاوز مرحلة الخوف والتردد باتت أوضح من ذي قبل، فلم يعد هناك شيء يخسرونه إذا ما قررت قوات الاحتلال التعامل بقسوة وبقوة مفرطة مع المسيرة، ولعلَّ ذلك كان أحد الأسباب التي دفعت كتائب القسام لتنفيذ تلك المناورة في هذا التوقيت الحرج.

أما الرسالة الثانية الخاصة بالداخل، فيها مواجهة للرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، مفادها أنَّ سلاح المقاومة “خط أحمر”، لا يستطيع أحد تجاوزه، وأنها تطوره من حين لآخر.

حيث يهيمن سلاح المقاومة الفلسطينية وموضوع السيطرة الأمنية على تصريحات طرفي المصالحة الفلسطينية، فبينما شددت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” على أن سلاح المقاومة خط أحمر، يرى “عباس” ضرورة نزع سلاح من قطاع غزة، على الرغم من أنَّ الأمر لم يطرح خلال جلسات الحوار الفلسطيني التي ترعاها القاهرة.

فمنذ توقيع اتفاق المصالحة بين “فتح” و”حماس” في أكتوبر الماضي بالقاهرة، ويحاول رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” الانقلاب على الاتفاق، وذلك بعد أن أحرجته حكومة “حماس” المقالة وحلّت اللجنة الإدارية العليا في ديسمبر الماضي.

وبعد أن أدرك “عباس” صعوبة استخدام قضية سلاح المقاومة في المرحلة الحالية، بات يلجأ إلى “حجّة التمكين” بغية للتهرب من استحقاقات المصالحة، على أن يبقى سلاح المقاومة هو الطلقة الأخيرة في جعبته.

ويحاول “عباس” عرقلة اتفاق القاهرة، لنقل المواجهة إلى ساحات أخرى كالحديث “بأنه لن يقبل ولن يستنسخ تجربة حزب الله في لبنان”– في إشارة لسلاح المقاومة في قطاع غزة.

جيش نظامي

ومن ضمن الرسائل التي تريد أيضا “حماس” إرسالها للداخل والخارج، أن من المناورة العسكرية بشكل رسمي ولأول مرة، هو أن “حماس” انتقلت من طور المجموعات والعمل العسكري المحدود إلى جيش له إمكاناته وترتيباته وتنظيمه واستحقاقاته العملاتية ونظامه الداخلي واحتياجاته التراكمية التوسعية، وإن لم يكن بمستوى جيوش الدول التي تمتلك التكنولوجيا وكثافة النيران، إلا أنه بات قادرًا على التعامل مع الاقتحامات، وصد العدوان، واختبار مدى الجهوزية والفعالية والاستجابة السريعة التي لا تكون إلا بالمناورات.

والمتابع للقضية الفلسطينية، يرى أنّ دولة الاحتلال قلقة جدًا من جراء تطوير “حماس” لقدراتها العسكرية وخاصة البحرية التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة.

وتخشى “إسرائيل” أيضًا من امتلاك “حماس” لصواريخ ومعدات عسكرية بحرية تمكنها من الوصول لمناطق استراتيجية مثل منصات الغاز المنتشرة على الشريط الساحلي لقطاع غزة وهو ما يعطي للحركة تفوقًا في أي مواجهة مرتقبة، ويعطي للحركة توازنًا أمام دولة الاحتلال.

ووفقًا للتقديرات العسكرية بالجيش الإسرائيلي فإنّ “حماس” تمتلك حاليًا أكثر من 15 ألف قذيفة صاروخية، من بينها أكثر من 1000 قذيفة صاروخية طويلة المدى يصل مداها إلى مدينة حيفا ومنطقة غوش دان.

التقديرات إشارة أيضًا أن لدى “حماس” الآن 32 ألف مقاتل، علاوة على 16 ألف من عناصر الأجهزة الأمنية وجهاز الشرطة، وهم مستعدون للقتال.