العدسة – جلال إدريس

على بعد أمتار من إحدى اللجان الانتخابية، اصطف عدد من أفراد الشرطة وبجوارهم أفراد من الجيش، لتأمين مدرسة عبدالمنعم واصل بحلوان، التي يوجد بها مركزان للاقتراع.

الشرطة تواجدت بكثافة، وكذلك أفراد الجيش، بالإضافة إلى لافتات المرشح عبدالفتاح السيسي، التي ملأت الميدان المحيط بالمدرسة، غير أن أحد أهم العناصر في العملية الانتخابية غاب ولم يكن له حضور!.

إنهم “الناخبون” الذين غابوا عن التواجد طوال اليوم، ولم يكن لهم حضور يذكر سوى في الساعات الأولى من الصباح، حين قامت شركات “الحديد والصلب والغزل والنسيج والقومية للأسمنت” بحشد موظفيها والعاملين فيها بالإكراه للحضور والمشاركة في الانتخاب، واختيار السيسي مرشحا للرئاسة الجمهورية.

ولجأ النظام المصري إلى وسائل الإجبار والترهيب، وكذا الترغيب؛ لدفع المواطنين للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التي انطلقت اليوم الاثنين، وتستمر حتى الأربعاء المقبل، ويتنافس فيها قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي وموسى مصطفى موسى.

ويقول مراقبون إن التحدي الأكبر أمام السيسي في هذه الانتخابات، هو تصويت أكبر عدد ممكن في الانتخابات، ومواجهة دعوات المعارضة لمقاطعة التصويت وعزوف غالبية المواطنين عن المشاركة في انتخابات نتيجتها محسومة سلفا لصالح السيسي.

حشد للموظفين

ووفقا لمواقع إخبارية متعددة، فإن أحد أبرز سمات اليوم الانتخابي اليوم، هو حشد مؤسسات الدولة موظفيها وإجبارهم على التصويت للسيسي.

وصدرت تعليمات حكومية مشددة، بعضها مكتوب وأغلبها شفوي، من جهات أمنية صدرت لجميع المؤسسات الحكومية بضرورة حشد الموظفين للمشاركة في الانتخابات بأية طريقة.

وفي السياق ذاته، أعطت أغلب المدارس الحكومية والخاصة طلابها أجازة رسمية طوال الأيام الثلاثة للانتخابات، فيما أجبرت إدارات المدارس الموظفين على الحضور والتصويت مبكرًا في الانتخابات.

وقال “ياسر عبدالله” وهو مدرس ابتدائي بإحدى مدارس الجيزة، إن مدير المدرسة شدد على جميع المدرسين بالذهاب للانتخابات لتجنب أية عقوبات إدارية والإحالة للتحقيق بالأمن الوطني.

توزيع لحوم أمام اللجان

طريقة أخرى لجذب الناخبين والمرشحين في عدد من المحافظات، تمثلت في ذبح “عجول” وتوزيع لحومها أمام اللجان، شريطة إظهار الحبر الفسفوري، قبل الحصول على قطعة اللحم.

قرية “نزلة الأشطر” بالجيزة شهدت ذبح عجلين أمام اللجنة الانتخابية بالقرية، وتم النداء بأحد ميكروفونات مساجد القرية، بأن هناك توزيعًا مجانيًّا للحوم أمام الجنة الانتخابية للقرية.

الطريقة لا شك اجتذبت العديد من فقراء القرية، خصوصا وأن كيلو اللحم أصبح سعره خرافيًّا في مصر، يتراوح ما بين 120 إلى 150 جنيهًا للكيلو الواحد.

وفي هذا الإطار، فإن كثيرا من الناخبين دفعتهم الرغبة في الحصول على قطعة من اللحم التي حرموا منها طوال العام.

الرقص على واحدة ونص

“رقصُ مؤيدي السيسي” أمام اللجان، ظاهرة انتشرت على نطاق واسع في مصر في يوم الانتخابات، حيث قدم عدد من مؤيدات السيسي وصلات رقص واسعة على أنغام أغاني مختلفة منها: “بشرة خيرة” و”تسلم الأيادي” و”مساء الخير”.

وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، مقاطع فيديو وصورًا تظهر قيام فتيات وسيدات بتقديم وصلات من الرقص الشرقي والشعبي أمام اللجان الانتخابية على أنغام الأغاني الوطنية.

ونشرت الراقصة الاستعراضية فيفي عبده، عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مقطعيْ فيديو لها، خلال تواجدها باللجنة الانتخابية للإدلاء بصوتها، إلى جانب مشاركتها مجموعة من المواطنين في الرقص وسط الشارع على أنغام “تسلم الأيادي”.

واعتبرت الإعلامية المؤيدة للسيسي لميس الحديدي، أن “الرقص أمام اللجان، طقس مصري خاص اعتادت عليه خلال السنوات الماضية”.

وأضافت “الحديدي” خلال تغطيتها الانتخابات، أن “المرأة المصرية سيدة جدعة ووطنية، وتفضل دائمًا المشاركة بالانتخابات بطريقتها الخاصة”.

جوائز وهدايا للناخبين

وفي محافظات أخرى لجأ عدد من مؤيدي السيسي لطريقة أخرى لحشد الناخبين، عن طريق الإعلان عن عمل قرعة وهدايا مجانية للمشاركين فى انتخابات الرئاسة.

ففي إحدى المحافظات، أعلن محل فرش للأجهزة الكهربائية عن تقديمه كل يوم من أيام الانتخابات للمشاركين هدايا؛ عبارة عن: عدد 3 مروحة عمودية 18 بوصة، و3 مكواة، و3 سخان كهربائى 50 لترًا، و2 بوتاجاز 4 شعلة، و5 آي باد لينوفو، و3 خلاط، و3 شاشة 32 بوصة، و2 ثلاجة فرش 12 قدم، و2 غسالة أطفال.

كما أعلنت محلات أخرى، عن تقديم هدايا عبارة عن: عدد 2 طقم حلل جرانيت، و5 طقم تربو أطفال، 4 طقم شوب تركي ذهبي، و6 بطانية 5 كيلو، و3 طقم عشاء 20 قطعة.

وقام مندوب المحلات بالوقوف أمام لجان الاقتراع بتوزيع كارت الاشتراك بالقرعة، يدون فيه بيانات الناخب، ورقم اللجنة، وهاتفه، على أن يقوم الناخب بالتوجه لمقر المحل لوضع الكارت بصندوق القرعة.

ابتزاز رخيص للفقراء

كما استخدم النظام العديد من الوسائل لإجبار المواطنين الفقراء على التصويت، خاصة الذين يحصلون على مساعدات من جهات خيرية.

وبحسب تقارير صحفية، فقد أصدر الأمن تعليمات لجميع الجمعيات الخيرية بربط مساعداتها المادية للفقراء بمشاركتهم في الانتخابات، مع توفير حافلات لنقلهم إلى اللجان، والتأكد من إدلائهم بأصواتهم، مع تهديد الجمعيات الممتنعة عن تنفيذ هذا القرار بوقف نشاطها.

وامتد الأمر إلى المصانع والشركات المملوكة لرجال أعمال من مؤيدي النظام، ممن أجبروا العاملين على الذهاب بشكل جماعي إلى اللجان في حافلات العمل، وتهديد المخالفين بإبلاغ أسمائهم للأمن الوطني.

حشد إعلامي

وفي السياق ذاته، حشدت وسائل الإعلام المؤيدة للسيسي أجهزتها طوال اليوم لدعم السيسي والنزول للتصويت في الانتخابات، للحد الذي أطلقوا فيه حملة بعنوان “صوتك رصاصة”، مدعين أن المشاركة في الانتخابات هي بمثابة رصاصة يطلقها الناخب في صدور الإرهابيين.

“لميس الحديدي، وأحمد موسى، وعمرو أديب، وغيرهم من الإعلاميين”، واصلوا حشدهم للمصرين في قنوات رجال الأعمال، مطالبين المصرين بالنزول والمشاركة واختيار من يرونه مناسبًا، بطريقة ساخرة توهم الناخبين أن هناك انتخابات ومنافسة حقيقة بين أكثر من مرشح.

كما سلطت أغلب الفضائيات الداعمة للانقلاب الضوء على الشخصيات السياسية والإعلاميين البارزين والفنانين، الذين أدلوا بأصواتهم في طريقة دعائية رخيصة لنزول المرشحين.