العدسة – ربى الطاهر

استنفدت مشكلة التحرش طاقات العديد من الجهات في محاولة للحد منها  في دول متعددة، وعلى الرغم من سبل المواجهة التي تصل إلى العقوبة بالسجن في بعض البلدان إلا أن ذلك لا يمثل رادعًا قويًا لبعض المتحرشين.

لذلك فكر المطورون في تصميم روبوت دردشة تفاعلية يطلق عليه “سبوت” يتحدث إلى صاحب المشكلة في حوار مفتوح دون قلق من الخوض في أي تفاصيل أو من طول وقت المحادثة.

وقد يدور  الحوار في هذا البرنامج، وكأن من يجريه هو محقق شرطة، ولكنه في الحقيقة مجموعة من الجمل التى تم تسجيلها لتصميم برنامج خاص لمواجهة التحرش في أماكن العمل، وقد أطلق هذا البرنامج في فبراير الماضى وهو خدمة مجانية متاحة عبر الموقع الإلكتروني الخاص به.

ويعتمد الروبوت على إطلاق العديد من الأسئلة والتى يسجل إجابات المستخدم عليها ليقوم بعد ذلك بترتيب تلك الإجابات في تقرير يجمع كل تفاصيل واقعة التحرش في مكان العمل.

ويرجو القائمون على هذا البرنامج في أن يكون هذا الروبوت حافزًا لهم للخروج عن الصمت الذي يغلف هذا الأمر والتشجيع على عدم التفكير في نظرات الآخرين التي ستصمهم إذا أقدموا على شكوى رسمية لإتاحة الفرصة في إيجاد بيئة عمل آمنة خالية من الضغوط أو التمييز.

كيفية التواصل مع الروبوت

بإمكان أي شخص يرغب في تسجيل شكوى خاصة بواقعة تحرش الدخول إلى موقع  “سبوت” والإبلاغ عن الحادث، دون أن يعلم صاحب العمل، حيث إن هذا التواصل متاح من أي جهاز كمبيوتر، وقد يكون هذا الموجود بالمنزل.

وقد يطرح هذا الروبوت الآراء للمستخدم والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي الذي صمم على أساسه هذا البرنامج من الدرشة لرفع الحرج عن المستخدم في الخوض في التفاصيل أو التعجل بالإجابة.

وقد يطول الحوار مع هذا الروبوت بناء على كثرة التفاصيل التي يلجأ لذكرها المستخدم مثل ذكر أسماء الشهود على سبيل المثال أو وصف مشاعره الشخصية أثناء الواقعة، وهل يتوفر أدلة لديه أم لا؟ كتلقي رسائل غير ملائمة على الهاتف أو ما إلى ذلك… وإذا توفر بعض الشهود لهذه الواقعة فقد يطلب “سبوت”  من المستخدم تحفيز الشاهد للإبلاغ عن الواقعة.

وبانتهاء الحوار بإمكان المستخدم أن يحتفظ بنسخة “بي دي إف” من هذا الحوار كمستند يمكن الرجوع إليه في حالة

إذا فكر في رفع شكوى رسمية في أي وقت لاحق.

وتوضح الباحثة كاميلا إيلفيك، إحدى القائمات على تطوير روبوت الدردشة “سبوت”، وهى باحثة ومرشحة للحصول على الدكتوراة بجامعة ساسكس بالمملكة المتحدة أن الحالات التي تم الإبلاغ عنها في الولايات المتحدة لا تزيد عن 30% من عدد  حالات التحرش والتمميز في أماكن العمل.

وتؤكد إيلفيك أن الهدف من تصميم هذا البرنامج كان إيجاد طريقة لتعزيز الذاكرة، والاعتماد فيها يعود إلى طرق نفسية حتى يتمكن المعتدى عليه من استحضار كافة التفاصيل، وكأنها تعرض على شاشة أمامه من خلال الاستجواب المعرفي.

ويتيح البرنامج للمستخدم الفرصة لاختيار هل يريد توقيع البلاغ باسمه أم يريد إرسال هذا التقرير لإدارة الموارد البشرية بالشركة مجهلا، كما أن بإمكانه الاحتفاظ بنسخة أصلية حالة الرغبة في الرجوع إليها لاحقا.

وتضيف مشاركة أخرى في تأسيس موقع “سبوت”، جوليا شو الخبيرة في دراسات الذاكرة بكلية لندن الجامعية (يو سي إل) : قد يتعرض المستخدم  لتكرار حادثة التحرش بعد فترة  زمنية تطول أو تقصر، فإذا استشعر وقتها الرغبة في الإبلاغ عن الواقعتين معًا، فبإمكانه أن يفعل ذلك دون أن ينسي أي تفاصيل حدثت في الواقعة الأولى التى قد يكون قد مر عليها وقت طويل كالشهود مثلا، وهنا يأتي دور “سبوت” الذي يحول دون حدوث ذلك حينما يسجل كل تفاصيل الواقعة ويحفظها لحين الحاجة لها.

وتشير كذلك إلى أن نتائج استطلاع للرأي- تم إجراؤه من قبلهم- أوضحت أن عددا كبيرا ممن استطلعت آراؤهم لم يكن لديهم أصلا معلومات عن كيفية الإبلاغ عن حوادث التحرش أو التمييز، بل لم تعنيهم أو لم يلتفتوا إلى وجود قواعد بمؤسساتهم تمنع هذه السلوكيات، فأكثر ما يثير قلقهم هو رد فعل الرؤساء المشكو بحقهم، فقد يتم الانتقام منهم عن طريق تدنيهم في التقييمات التي يترتب عليها الترقيات والمكآفات إلى جانب الاستبعاد الاجتماعي الذي يتعرضون له..الخ

وقد ذكرت عدة دراسات حول مشكلة التحرش خوف النساء من الإبلاغ عن تلك الحوادث، وكان من بينها دراسة تناولت متدربات لإعدادهن كضابطات بوزارة الدفاع الأمريكية، ذكر بعضهن أنهن لم يبلغن عن حوادث  تحرش تعرضن لها خوفا من إقصائهن، كما كشفت دراسة أخرى أُجريت على أعضاء هيئة التدريس بجامعة إثيوبية عن وجود ارتباط بين عدم الشعور بالرضا الوظيفي وبين سوء الحالة الصحية، فقد يؤدي سوء المعاملة والتعرض للتحرش إلى زيادة نسبة الاكتئاب.

إلا أن دراسات أخرى أثبتت أن البلاغات عن حوادث التحرش والتعامل معها بجدية يؤديان حتمًا إلى تراجع الشعور بالإحباط والآثار السلبية على الصحة، حسب ما قالته إيلفيك.

استجواب معرفي

وقد يستخدم “سبوت” أسلوب الاستجواب المعرفي حتى يساعد الشهود في استعادة تفاصيل الأحداث.

وتوضح  أمينة ميمون، أستاذة علم النفس بجامعة رويال هولواي بلندن، أن الاستجواب المعرفي يلجأ إلى استخدام الأسئلة التي تعطي للشهود الحرية في إعطاء الأجوبة بتمهل أو الاستفسار عن الأشياء غير الواضحة والابتعاد عن الأسئلة التي إجابتها نعم أو لا أو تلك التي تعطى إيحاءات بالإجابة، وتؤكد أن اتباع هذا الاستجواب يتيح الفرصة لاستحضار المعلومات ويسمح بجمع المعلومات لإعداد تقرير مفصل يشمل أكبر قدر من المعلومات.

أما شو فتقول: إن اللجوء للروبوت قد يكون أفضل من المحققين البشر في الحصول على كل التفاصيل، وكذلك الحصول على إجابات دقيقة؛ حيث إن البشر قد ينساقون وراء انطباعاتهم الخاصة أو آرائهم الشخصية فيما يخص الأشخاص الجديرين بالثقة، وهذا ينسحب أيضا على محققي الشرطة أو المحقق المسئول بالشركة، أما الروبوت فلا يعتمد على مثل هذه الانطباعات، وليس لديه عاطفة خاصة، أو أفكار مسبقة بل إنه يدير حوارا حياديا تماما.

السلبيات المتوقعة

إلا أن بعض الخبراء يشككون في كفاءة الروبوت في إدارة حوار أو استجواب معرفي بنفس الكفاءة التي يمكن أن يديرها البشر، ومن ذلك ما قالته لورين هوب، أستاذة علم النفس المعرفي بجامعة بورتسموث: ” إلى الآن لم يتم إثبات أن الروبوت سبوت قد يكون أفضل من المحققين البشر في محاولة استدعاء تلك التفاصيل الخاصة بالحادث من خلال الاستجواب المعرفي، ولم يتم الحكم حتى الآن على كفاءة الروبوت في جمع المعلومات ولا حتى التحقق من تجاوب الشهود الذين يتم استجوابهم بهذه الطريقة.

ولكن الباحثين القائمين على روبوت الدردشة بموقع “سبوت”، ومنهم راشد مينهاس، المحاضر في علم الجريمة بجامعة ديربي، يدرسون مدى كفاءة الروبوت “سبوت” ويذكر مينهاس أن عينة من الأشخاص قد خضعت لإحدى الدراسات التي عرض عليها مشهد فيديو لحادثة تحرش، ثم تم استجوابهم من قبل الروبوت “سبوت”، ولكن الشركة لا تزال تجرى الأبحاث للوصول إلى أكبر قدر من الاستفادة من المعلومات لتحقيق الاستجابة من البلاغات الخاصة بالتحرش في أماكن العمل.

إلا أن المؤشرات التى تدل عليها مئات البلاغات التي تم التواصل فيها مع الروبوت سبورت، وتلك التقارير التي أعدت من خلالها توضح أن هذا البرنامج قد ساعد في كسر حاجز الصمت المحيط بمثل هذه الحوادث حتى لو كان البلاغ مقدما إلى مجرد آلة.